No Script

قيم ومبادئ

سايِرِ الناس (2 من 2)

تصغير
تكبير

قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تعالى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، ولَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) اقتضت حكمة الله تعالى حينما خلق البشر وجعلهم شعوباً وقبائل بحيث لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل بذلك التعارف والتعاون فكانت الحكمة الإلهية واضحة في الأصل الواحد، الذي ترجع إليه البشرية وجنس واحد وكلهم من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء عليهما السلام. وهذه رسالة سلام من الله تعالى إلى الناس كافة بأن الاختلاف في الألوان والألسن والثقافات ليس سبباً للحروب والتطاحن والتعدي على الآخرين، إنما هو سبب يقتضي الوحدة والوئام كما يحصل في أبناء البيت الواحد وقد نطقت جميع الكتب السماوية والأنبياء والرسل والعلماء والحكماء والعقلاء من كل أمة من الأمم أن دين الله تعالى واحد وهو الإسلام، وأن السعادة تكون بمقدار القرب من تعاليمه، ولهذا قسم العلماء في كل الشرائع السماوية في الأمم السابقة الناس إلى ثلاثة أقسام بالنسبة لعلوم الأنبياء والرسل عليهم السلام: عالم مجتهد، طالب علم، عامي مقلد. فالعلماء الربانيون هم ورثة الأنبياء وهم كالنجوم لحفظ السماء من الشياطين، فهم يحفظون دين البشر من أن تناله يد المحرفين أوالمخرفين، وهناك طلاب العلم المتبعون للدليل، ولكنهم لم يبلغوا مرتبة الاجتهاد ولكن لهم القدرة على فهم وجهة العلماء واستنباطاتهم، بحيث يفهمون الدليل وكيفية الاستدلال.
وهناك قسم ثالث وهم «ساير الناس»، وهؤلاء عليهم سؤال أهل العلم عما أشكل عليهم قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ففي عموم هذه الآية الكريمة مدح لأهل العلم وأعلى أنواع العلم هو التوحيد حيث أمر الله تعالى من لاعلم عنده بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفحوى الآية تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمرنا الله تعالى بسؤالهم وبذلك يخرج الجاهل من التبعة يوم القيامة، فدلّ ذلك على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم والاتصاف بصفات الكمال.
ويبقى السؤال الآن إذا عرفنا عوام الناس وما طبيعتهم كيف السبيل إلى التعامل معهم؟


قال تعالى: (ادْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، والحكمة تقتضي منك وكذا الأمانة في حمل الشريعة، ألا تعرضهم للفتن ولا تُشغلهم بغرائب مسائل العلم ولا الأغلوطات ولا تطرح عليهم الشبهات ولا تحملهم فوق طاقتهم، وليكن أسلوب تعاملك معهم بالمعروف وبكل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل للقريب والبعيد، واجعل ما يأتي عوام الناس منك تعليم علم أو حث على الخير أو إصلاح ذات البين أو نصيحة نافعة أو رأي مصيب أو معاونة على مشروع خيري أو زجر عن فعل قبيح، ولما كان من طبع بعض العوام خصوصاً الجهلة الغلظة والشدة في القول أو الفعل، جاء التوجيه الإلهي بمقابلة الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه ومن حرمك لا تحرمه ومن قطعك فصله ومن ظلمك فاعدل معه، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الناس ثلاثة، عالم رباني. ومتعلم على سبيل النجاة. وهمجٌ رعاعٌ لاخير فيهم. ثم إن طبيعة الإنسان الضعف أمام المغريات والملهيات وقد ينزغ الشيطان بينه وبين أخوته، فإذا أحسن العبد هذا فعليه بالاعتصام بالله تعالى فالشيطان لا يفتر فهو مرابط على حياة الانسان لينال منه ويرديه، وهناك فرق كبير بين المؤمنيين من العوام وبين إخوان الشياطين. ذلك أن المتقي من العوام إذا أحس بذنب ومسّهُ طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب تذكر من أي باب أتى إليه الشيطان ومن أي مدخل دخل ؟ فأبصر واستغفر الله تعالى واستدرك ما فات منه بالتوبة النصوح والحسنات، فرد شيطانه خاسئاً وهو حسير وأما إخوان الشياطين فلا يألون جهداً في إغوائهم وضلالهم مع مكر الليل والنهار وهؤلاء يجدون من يتبعهم على غيهم .
الخلاصة :
لم يكلف الشرع عوام الناس بحقائق الإيمان ودقائقه ولا بالأعمال الثقيلة، إنما هي فقط أصول الإيمان وأصول الإسلام والإحسان، وأسوأ طريقة تعامل بها عوام الناس أن تسخرهم لأغراضك الخاصة وتتركهم كما يقال في فوهة المدفع، وهذا ما فعله الإسلام السياسي في ثورات الربيع! وتركهم يدفعون الثمن؟ ويواجهون الدبابات بالصدور العارية!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي