No Script

خشية من تحويل البلاد «طنجرة ضغط» لاعتبارات محلية وإقليمية

لبنان: «تَقاصُف» سياسي على ضفاف «أزمة الدولار»

No Image
تصغير
تكبير

... «ضوّا الأحمر» في لبنان الذي يبدو أنه يَمْضي نحو 2020 على وهْج اهتزازاتٍ واضطراباتٍ، إما تَقْطع دابرَها ترجماتٌ للتعهدات الإصلاحية تسمح بالإفراج عن وعودِ مؤتمر «سيدر»، وإما تتحوّل «كرةُ الثلجِ» التي بدأتْ تتدحْرجُ تحت عنوان «أزمة الدولار» إلى «كرةِ نارٍ» يمكن أن «تحرق مراكب» بلوغ شاطئ الأمان في لحظةٍ إقليمية يحاصر «عصْفُها» بلاد الأرز.
ولم يكن عابراً في رأي أوساطٍ سياسيةٍ واسعة الاطلاع في بيروت، أن يترافق شحُّ الدولار في الأسواق، الذي شكّل «العارض» الأول الملموس للواقع المالي - الاقتصادي الذي يعانِد السقوطَ منذ فترة غير قصيرة، مع أربعة خطوطٍ متوازية تَفرّعت من هذا «الاختبار الأصعب»، حيث ارتسمتْ بوضوحٍ ملامحُ تَقاذُفِ مسؤوليات عن «أزمة العملة الصعبة»، و«تَقاصُفٍ» بأسبابها، وتَعدُّد السيناريوات حول استهدافاتها الممكنة، وسط خشيةٍ من تحوّلها «فتيلاً» مربوطاً بـ«صواعق» المواجهة الكبرى في المنطقة.
ورأت هذه الأوساط عبر «الراي»، أن هذه الخطوط التي أطلتْ برأسها أخيراً تعني واحداً من أمريْن: إما أن السلطة السياسية غير جدية في مقاربة دقّة المرحلة وحساسيّتها والحاجة إلى تفادي استدراج أي مناكفات داخليةٍ وذلك لاستشعارها بأن الأمور خرجتْ عن السيطرة فانطلقتْ عملية «التبرؤ من دم» الانهيار. وإما أنّ هذا المناخ «الساخن» سيظلّل الإصلاحات الموجعة التي يُعمل عليها، في ظل اقتناعٍ لدى خبراء بأن لبنان لم يقع في حفرة الانهيار النقدي - المالي بعد، بمقدار ما أن حال «الصمود» التي بات يعيش معها «على الاحتياطي» المالي لمصرف لبنان صارت تولّد أزماتٍ اقتصادية - معيشية متناسلةٍ تحتاج إلى «صدمةٍ» إيجابية لاحتوائها أقلّه بإجراءات استلحاقية داخلياً تعزّز وضعية «مقاومة جاذبية السقوط» بانتظار إكمال تنفيذ «دفتر الشروط» الإصلاحي للبدء بتسييل مخصصات «سيدر».


وتوقّفت الأوساط عند مَغازي كلام الرئيس ميشال عون في طريق عودته إلى بيروت من نيويورك رداً على سؤال حول أزمة السيولة بالدولار وقوله «كنتُ في نيويورك. اسألوا المعنيين، فهناك مسؤول عن النقد هو حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة) ومسؤول عن المال هو وزير المال (علي حسن خليل)، وأنا لست على علم بما حصل خلال غيابي».
وبعدما فُسِّر كلامه على أنه يُطْلِقُ عملية تحميل مسؤوليةٍ لأزمة «اختفاء» الدولار وما وراءها إلى كل من سلامة وخليل، حاول عون تدارُك الوقع السلبي لهذا التفسير كما لإعلانه أنه لم يكن على معرفة بما يحصل في الأيام الأخيرة، وذلك عبر نفي أوساط قريبة منه أن يكون ما قاله جاء في معرض اتّهام حاكم المركزي أو وزير المال، في موازاة إطلاقه عبر وزراء محسوبين عليه سلسلة اتصالات شملت سلامة وخليل للاطلاع على ما استجدّ في الايام الماضية والبحث في المعالجة في قطاعات المحروقات والقمح والأدوية لجهة فتْح الاعتمادات اللازمة بالدولار.
وإذ كان نواب من تكتل «لبنان القوي» (محسوب على عون) يصوّبون في إطار «تحميل المسؤوليات» على أطراف سياسيين شركاء بالحُكم حالياً وإن من دون تسميتهم، بدا هذا المسار «متشابكاً» مع توظيفاتٍ لاحتْ في الأفق لهذه الأزمة وبأكثر من اتجاه، بعضها ربطتْه الأوساط نفسها بمحاولاتٍ لاستثمارها بوجه حاكم مصرف لبنان بخلفياتِ تصفيةِ حساباتٍ داخلية، وبعضها الآخر عبّر عنه كلام للوزير جبران باسيل الذي اعتبر ما يجري في إطار «فتنة جديدة تُحضر هي فتنة الاقتصاد»، معلناً «نتعرّض لضغط خارجي سواء باقتصادنا أو عملتنا الوطنية، وهناك شركاء في الداخل يتآمرون على البلد»، في موازاة حديث نواب في التيار الوطني الحر عن «استهداف للعهد ومحاولات لإفشاله».
وفي السياق نفسه، جاء تظهيرُ خبراء وجود تقاطُع بين أكثر من طرف في السلطة، وكلٌّ لاعتباراته، حول «عدم ممانعة» أن يتمادى المأزق بحدودٍ، بحيث «تنتهي» الإدارة النقدية - المالية التي حكمت البلاد في ربع القرن الأخير كحدّ أقصى، أو أقلّه التحرير المضبوط وغير المعلَن لسعر الصرف وصولاً لسعر صرفٍ جديد للدولار (قد يرسو في نهايته على نحو 1700 ليرة) لاصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد بينها الحدّ من كلفة زيادات الرواتب الأخيرة للقطاع العام والتخفيف من فاتورة الاستيراد الباهظة.
ولم تقلّ ضوضاءً «التنازُع» حول أسباب أزمة الدولار التي راوحت بين «تقنية» كنتيجةٍ للعجز الكبير في ميزان المدفوعات والميزان التجاري و«هجرة ودائع» من لبنان ونمو العجز في الموازنة والدين العام، وبين «سياسية» عبّر عنها ربْطها من «حزب الله» بـ«العدوان» الأميركي عبر العقوبات، في مقابل تحميل آخرين الحزب مسؤولية «النزف» المالي المستمر بفعل «وضع يده» على الإمرة الاستراتيجية، وإثارة البعض مسألة جعل لبنان «دفرسوار» لكسْر طوق العقوبات عن سورية عبر تهريب دولارات إليها أو مشتقات نفطية.
وعلى وقع كل هذا الصخب، ارتابت الأوساط السياسية من إشاراتِ تحريك الشارع بدءاً من ليلة الخميس ما قبل الاتفاق على آلية لفتْح اعتمادات بالدولار لاستيراد «السلع الاستراتيجية» (المحروقات والقمح والدواء)، وصولاً إلى الدعوة لحِراكٍ اليوم «مجهول الهوية» في وسط بيروت، وسط خشيةٍ من إمكان تحوّل الشارع أداة توظيف سياسي بأكثر من اتجاه بما جعْل البلاد أشبه بـ«طنجرة ضغط» بمواجهة الضغط التصاعُدي بالعقوبات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي