ضرورة مُلحة... توحيد جهات الرقابة بـ «وحدة التحريات المالية» وتوسيع صلاحياتها

موقف التشريع الكويتي من جريمة غسل الأموال وتداعيات «جريمة الصندوق السيادي الماليزي»

تصغير
تكبير

أي تحويل أو نقل أو استبدال لأي مال ناتج عن جريمة بقصد إخفاء أو تمويه مصدره ... جريمة غسل أموال

جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب لا تسقط بالتقادم كما لا يجوز استعمال الرأفة والامتناع عن النطق بالعقاب ووقف التنفيذ

• محققون سويسريون قدّروا سرقات الصندوق والشركات بأكثر من 4 مليارات دولار
• تراجع كبير في الاقتصاد وانخفاض العملة واحتياطيات النقد الأجنبي وانتشار الرشوة والفقر
• مهاتير قاد أكبر عملية استعادة للأموال والمقتنيات قُدّرت بـ 273 مليون دولار
• إجراءات مهاتير تهدف لتنظيف ماليزيا وجعلها من دون كسب غير مشروع بحلول 2023
• أول محاكمة لمسؤول ماليزي رفيع المستوى منح الأمل  في انتهاء حقيقي لفساد حوّل شعباً ناهضاً إلى فقير وتعيس

المشرع الكويتي أخذ بآخر الاتفاقيات الدولية لتعريف جريمة غسل الأموال ليُغلق الثغرات ويُحكم السيطرة عليها

تشديد العقوبة في حالات استخدام السلطة والنفوذ لأن المرتكب يستمد قدرته في اختراق القوانين من منصبه

خلصت دراسة أعدها وزير التربية وزير التعليم السابق الدكتور أحمد المليفي، إلى ضرورة توحيد جهات الرقابة والمتابعة بـ«وحدة التحريات المالية الكويتية» وتوسيع صلاحياتها للحد من جرائم غسل الأموال، بعد أن بيّن أن أحد أوجه القصور في التشريع، يكمُن في تعدد جهات الرقابة، وبعضها ليس لديه الإمكانات أو حتى الاهتمام بمتابعة الجهات الخاضعة له، وهذه ثغرة ينفذ منها المجرمون لارتكاب الجريمة.
واعتبرت الدراسة واقعة الصندوق السيادي الماليزي MDB1، واحدة من جرائم غسل الأموال الكبيرة، بعد الاتهامات الموجهة لأطراف من دول مختلفة، ومنها الكويت، بالمشاركة في النشاط الإجرامي.
وأظهرت التحقيقات التي أجريت مع رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبدالرزاق وزوجته، ومجموعة من المسؤولين، أسماء مجموعة من الدول الخليجية والأجنبية، ومنها الكويت، من خلال بعض الشخصيات القريبة من أصحاب النفوذ والمؤسسات المصرفية، ومن أنها كانت إحدى الوسائل والجهات التي ساهمت في غسل الأموال الناتجة عن هذه السرقات، والمتهم فيها رئيس الوزراء السابق عبدالرزاق وزوجته ومجموعة من المسؤولين.
ورغم وجود القانون الوطني رقم 106 /‏ 2013، في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي جاء خلفاً للقانون رقم 35 /‏ 2002 في شأن مكافحة عمليات غسل الأموال، ليواكب التطورات التي شهدها العالم، في أساليب الجريمة على مستوى المؤسسات والأشخاص والمنظمات، وما صدر عن المنظمات العالمية، من اتفاقيات لمكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الفساد، إلّا أننا ما زلنا نسمع بارتكاب هذه الجرائم وانتشارها، واختيار الكويت كواحدة من بين الدول مسرحاً لها.
ومن هذا المنطلق يُطرح السؤال: أين الخلل، هل هو في التشريع أو في التطبيق؟
 ونظراً لخطورة الجريمة وأثرها على الكويت متى ما ثبتت هذه الاتهامات والتداعيات، وللإجابة عن السؤال أعلاه، أعد الدكتور المليفي هذه الدراسة، للحديث عن جريمة غسل الأموال في القانون الكويتي، للوقوف على ماهية هذا القانون ومسؤولية الجهات المعنية في مواجهة جرائم غسل الأموال والآثار المترتبة عليها، ختمها بوضع التوصيات التي يعتبرها مناسبة، لسد بعض الثغرات والقصور، ولتقوية بعض الحلقات. وتتضمن دراسة الدكتور المليفي محاور عدة، وختمها بعدد من التوصيات، على الشكل التالي:

• أولاً: تعريف جريمة غسل الأموال
هناك تعريفان لجريمة غسل الأموال، تعريف ضيق ينطلق من اتفاقية فيينا عام 1988، الذي جرّم عمليات غسل الأموال غير المشروعة، المتحصلة عن الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، وأخذت بعض الدول بهذا التعريف الضيق في البداية مثل فرنسا، ثم مع تطور الجريمة وخطورتها، أصبح التعريف غير قادر على حصر الأموال غير المشروعة، وغير كافٍ لتعريفها لتعدد هذه الجرائم وتنوعها.
جاء التعريف الواسع لجريمة غسل الأموال من خلال الاتفاقيات الدولية اللاحقة، مثل: إعلان بازل، وتعريف مشروع القانون العربي النموذجي المشترك، وتعريف اللجنة الأوروبية لغسل الأموال، لتشمل جريمة غسل الأموال، جميع الأموال الناتجة عن العمل غير المشروع (بالإضافة إلى الاتجار في المخدرات) مثل: الاختلاسات، الرشاوى، التهرب الضريبي، البغاء... وغيرها من جرائم، يترتب على ارتكابها الحصول على الأموال بطريق غير مشروع، ومن ثم السعي نحو غسل الأموال، لقطع صلتها بالجريمة الأصلية، وثم إعادتها إلى السوق.
وقد أخذ المشرع الكويتي بهذا التعريف الأخير «الواسع»، حيث نصت (المادة 2) من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، على: يُعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال، كل مَنْ علم أن الأموال متحصلة من جريمة، وقام عمداً بما يلي:
أ- تحويلها أو نقلها أو استبدالها، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الأموال، أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي الذي تحصلت منه الأموال، على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.
ب- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال، أو مصدرها أو مكانها، أو كيفية التصرف فيها، أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها.
 ج- اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها. ويكون الشخص الاعتباري مسؤولاً عن أي جريمة تنص عليها أحكام هذه المادة، إذا ارتكبت باسمه أو لحسابه. ولا تحول معاقبة مرتكب الجريمة الأصلية دون معاقبته عن أي جريمة أخرى من جرائم غسل الأموال. وعند إثبات أن الأموال هي متحصلات جريمة، فليس من اللازم أن يكون قد تمت إدانة شخص بارتكاب الجريمة الأصلية.
 ومن هذا النص المذكور نجد الآتي: -
1 - إن المشرع الكويتي أخذ بالمفهوم الواسع في تعريف جريمة غسل الأموال، وهو ما انتهت إليه تعريفات المنظمات الدولية، فاعتبر أن كل مال (نقود، أوراق مالية وتجارية، القيم الثابتة والمنقولة المادية والمعنوية وكل الحقوق المتعلقة بها -أياً كانت وسيلة الحصول عليها- وكذا الوثائق والأدوات القانونية- أياً كان شكلها- بما في ذلك الشكل الإلكتروني أو الرقمي، والتسهيلات المصرفية والشيكات وأوامر الدفع والأسهم والسندات والكمبيالات، وخطابات الضمان، سواء كانت موجودة داخل الكويت أو خارجها) ناتج عن جريمة- أي جريمة- فإن أي عملية تحويل أو نقل أو استبدال هذه الأموال، بقصد إخفاء أو تمويه مصدرها، غير مشروعة وتعد جريمة غسل أموال.
2 - إن جريمة غسل الأموال تكون ناتجة عن جريمة سابقة (الجريمة الأصلية) لها، تتحصل منها الأموال المؤثمة.
3 - جريمة غسل الأموال جريمة عمدية، يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي.
4 - عدم إدانة مرتكب الجريمة الأصلية لأي سبب من الأسباب، لا يمنع من معاقبة مرتكب جريمة غسل الأموال، إذا ثبت أن الأموال المستعملة هي متحصلات جريمة.
 وهذا الأمر منطقي، ويتفق مع الضرر المنفصل الذي تحققه جريمة غسل الأموال، إذ أن الجريمة الأصلية، سواء كانت سرقة أو رشوة أو غيرها من الجرائم، قد ترتكب في بلد آخر، وإذا تمت عملية غسل الأموال في الكويت، فجريمة السرقة لا تضر الكويت، ولكن جريمة غسل الأموال تحقق أضراراً كبيرة للبلد، وهو ما سنذكر بعضها لاحقاً، إذ أنه وبمجرد وقوع جريمة غسل الأموال، فإن الضرر قد وقع وتحقق، ولا يجوز للمجرم في هذه الجريمة أن يحتج ويدفع بالبراءة، لأن مرتكب الجريمة الأصلية لم تتم إدانته، لأسباب تتعلق بقوانين وإجراءات دولة أخرى.
5 - جريمة غسل الأموال لا ترتبط بالأموال العامة، إذ ليس من شروطها أن تكون واقعة على المال العام، فالعلة هي حماية المجتمع من هذه الجريمة، كما أنها تمثل اعتداء على أنظمة البلد المالية والاقتصادية والسياسية.
 ومن حيث العقوبة: يعاقب مرتكب جريمة غسل الأموال وفق المادة 28، والتي تنص على «الحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات، وبغرامة لا تقل عن نصف قيمة الأموال محل الجريمة ولا تجاوز كامل قيمتها، كل مَنْ ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة (2) إذا كان قد علم بأن تلك الأموال والأدوات متحصلة من الجريمة. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأموال والأدوات المضبوطة».
وشددت العقوبة، وفق المادة بموجب المادة 30 إلى «الحبس لمدة لا تجاوز 20 سنة وبضعف الغرامة في حالة تحقق أحد الظروف التالية:
1 - إذا ارتكبت الجريمة من خلال جماعة إجرامية منظمة أو منظمة إرهابية.
2 - إذا ارتكبها الجاني مستغلاً سلطة وظيفته أو نفوذها.
3 - إذا ارتكبت الجريمة من خلال الأندية وجمعيات النفع العام والمبرات الخيرية.
4 - إذا عاد الجاني إلى ارتكاب الجريمة.
 كما تجدر الإشارة، وبموجب المادة (42) إلى أن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لا تسقط بالتقادم، بمضي المدة على ارتكاب الجريمة أو العقوبات المحكوم بها، كما لا يجوز تطبيق أحكام المادتين (81) أو (82) من قانون الجزاء عليها، والمتعلقتين باستعمال الرأفة الامتناع عن النطق بالعقاب ووقف تنفيذ الحكم لدى القضاء بالإدانة.
 وخلاصة القول، إن المشرع الكويتي أخذ بآخر ما توصلت إليه الاتفاقيات الدولية من تعريف لجريمة غسل الأموال، ليُغلق باب الثغرات القائمة، ويحكم السيطرة على هذه الجريمة، كما أنه شدد العقوبة في حالات معينة منها استخدام السلطة والنفوذ، لأن مثل هذه الجرائم غالباً ما تستمد قوتها وقدرتها في اختراق القوانين والأنظمة، من نفوذ السياسيين وأصحاب المناصب العالية.

• ثانياً: مراحل غسل الأموال
 تمر جريمة غسل الأموال بثلاث مراحل، لإخفاء مصدر الأموال المتحصلة عن الجريمة الأصلية والمرتبطة بها، وهذه المراحل كما أشارت إليها مجموعة العمل المالي (FATF)، هي: الإيداع والتمويه والدمج، وقد تكون كل مرحلة منفصلة عن الأخرى، وقد تكون متداخلة.
1 - مرحلة الإيداع: مرحلة فصل الأموال السائلة عن الجريمة الأصلية، بإجراء عمليات وهمية لإيداع المبالغ في المؤسسات المصرفية، كما هو الحال في شراء السيارات الفاخرة أو اللوحات الثمينة، ومزايدات الحيوانات، كالخيول والجمال والأغنام، أو الطيور مثل الحمام والصقور، ودفع مبالغ كبيرة وخيالية فيها، للتخلص من أكبر كمية من المبالغ السائلة، أو بالتعامل بالنقد الأجنبي مع غير البنوك، مثل استعمال مؤسسات الصرافة وشركات الدعاية، حيث تكاد تنعدم الرقابة عليها.
2 - مرحلة التمويه: تعمد الى مزيد من الفصل للأموال عن الجريمة الأصلية، باتخاذ إجراءات أخرى لتزيد من صعوبات تعقب الأموال الفاسدة، وتتمثل بإجراء المزيد من التنقلات والتحويلات بين الحسابات المصرفية داخل الدولة أو خارجها، خصوصاً في الدول التي ليس فيها قوانين لمكافحة غسل الأموال أو الفاسدة.
3 - مرحلة الدمج: وهي المرحلة الأخيرة، بحيث تستقر هذه الأموال في حسابات داخل النظام المصرفي، لإضفاء المشروعية الكاملة عليها، تمهيداً لإعادة استخدامها وصرفها.

ثالثاً: تدابير احترازية على المؤسسات المالية
والأعمال والمهن غير المالية المحددة اتخاذها
عرفت المادة رقم 1 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المؤسسات المالية، هي أي شخص يمارس عملاً تجارياً أو أكثر من الأنشطة والعمليات التالية لصالح أحد العملاء أو نيابة عنه، على نحو:
- قبول الودائع وغيرها من الأموال القابلة للرد من الجمهور- بما في ذلك المصارف الخاصة- الإقراض، التأجير التمويلي، خدمات تحويل النقود أو القيمة.
- اصدار وإدارة وسائل للدفع، مثل: بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم والشيكات السياحية والتأجير التمويلي وأوامر الدفع والحوالات المصرفية والنقود الإلكترونية.
- الضمانات والالتزامات المالية.
- التداول في:
 - أدوات السوق بما في ذلك الشيكات والكمبيالات وشهادات الإيداع.
 - النقد الأجنبي.
 - أدوات مؤشرات سعر الصرف وسعر الفائدة والمؤشرات المالية.
 - الأوراق المالية القابلة للتداول والمشتقات المالية.
 - العقود المستقبلية للسلع الأساسية.
- معاملات القطع الأجنبي.
- المشاركة في إصدار الأوراق المالية وتقديم الخدمات المالية المتعلقة بهذه الإصدارات.
- إدارة المحافظ الفردية والجماعية.
- حفظ وإدارة النقد أو الأوراق المالية السائلة نيابة عن أشخاص آخرين.
- إبرام عقود التأمين على الحياة وغيرها من أنواع التأمين المتعلقة بالاستثمار بصفته مؤمن أو وسيط لعقد التأمين.
- استثمار الأموال أو ادارتها أو تشغيلها نيابة عن أشخاص آخرين.
- أي أنشطة أو معاملات أخرى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
أما الأعمال والمهن غير المالية المحددة، فشملت:
- سماسرة العقارات.
- المؤسسات الفردية والشركات التي تعمل في مجال تجارة الذهب والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة لدى دخولها في معاملات ذهبية، والتي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
- المحامين والمهنيين المستقلين والمحاسبين المستقلين، لدى قيامهم بإعداد أو تنفيذ أو القيام بمعاملات لصالح عملاء، في ما يتعلق بأي من أنشطة:
1 - شراء أو بيع العقارات.
2 - إدارة أموال العميل بما فيها أوراقه المالية أو حساباته المصرفية أو ممتلكاته الأخرى.
3 - تأسيس أو تشغيل أو إدارة أشخاص اعتبارية أو ترتيبات قانونية وتنظيم الاكتتابات المتعلقة بها.
4 - بيع وشراء الشركات.
5 - جهات تقديم الخدمات للشركات والصناديق الاستئمانية عند قيامها بإعداد أو القيام بمعاملات لصالح عميل تتعلق بالأنشطة التالية:
ا- التصرف كوكيل تأسيس لشخص اعتباري.
ب- التصرف أو الترتيب لشخص آخر ليتصرف كمدير أو أمين أو شريك في شركة، أو بصفة مماثلة في ما يتعلق بالأشخاص الاعتبارية الأخرى.
ج- توفير مكتب مسجل أو مقر أو مكاتب عمل أو عنوان بريد، أو عنوان إداري لشخص اعتباري أو ترتيب قانوني.
د- التصرف أو الترتيب لشخص آخر ليتصرف كوصي لصندوق استئماني أو القيام بعمل مماثل لصالح ترتيب قانوني.
هـ- التصرف أو الترتيب لشخص آخر تنص عليه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
 وحدد القانون المذكور أن على المؤسسات المالية والمهن غير المالية المحددة في مباشرة أعمالها المذكورة، أن تتخذ التدابير الاحترازية. (المادة 4)
 وحظرت المادة 5 من القانون على المؤسسات المالية، فتح حساب مجهول الهوية أو بأسماء وهمية، أو الاحتفاظ بهذه الحسابات، وأن عليها اتخاذ تدابير العناية الواجبة في شأنها.
 4 - كما الزمتها اتخاذ تدابير العناية الواجبة المذكورة مع العميل.
5 - وضع أنظمة مناسبة لإدارة المخاطر، لتحديد ما إذا كان العميل أو المستفيد شخصياً أو معرضاً سياسياً، وهو الشخص الطبيعي، سواء كان عميلاً أو مستفيداً فعلياً الموكل إليه، أو الذي أوكلت إليه مهام عامة عليا في الكويت أو خارجها، أو مناصب إدارية عليا في المنظمات الدولية وأفراد أسرته، ويشمل التعريف رؤساء الدول أو الحكومات، كبار السياسيين أو المسؤولين الحكوميين أو القضائيين أو العسكريين، كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات التي تملكها الدولة، والمسؤولين البارزين في الأحزاب السياسية.
6 - بذل العناية الواجبة المتشددة، لجميع المعاملات المعقدة والكبيرة غير العادية وغير واضحة الأهداف الاقتصادية، وتوثيق تلك المعاملات والاحتفاظ بها وبهوية أطرافها وجميع المشاركين فيها وتقديمها للجهات المختصة لدى طلبها.
7 - عدم الدخول في معاملات أو علاقات عمل مع البنوك الصورية، أو مؤسسة مالية مراسلة في بلد أجنبي تسمح باستخدام حساباتها من قبل بنك صوري. (مادة 8)
8 - عدم القيام بأي نشاط في التحويلات الإلكترونية، قبل الحصول على المعلومات المتعلقة بأمر التحويل ومتلقي التحويل، والتأكد من أن هذه المعلومات تبقى ضمن أوامر التحويل، أو الرسائل ذات الصلة من خلال سلسلة الدفع. (مادة 9)
9 - وضع سياسات وإجراءات ونظم وضوابط داخلية واجراء التدريبات المستمرة للموظفين لديها، والاستعانة بالغير واتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن قيامها بالدور المطلوب منها على أتم وجه. (مادة 10)
10 - الاحتفاظ بالسجلات والمعلومات لكل العمليات التي تقوم فيها، سواء محلية أو دولية للفترات التي يحددها القانون،  أو التي تطلبها الجهات المختصة. (مادة 11)
 وأضافت اللائحة التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري، رقم (37) لسنة 2013 لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مجموعة أخرى من تدابير العناية المشددة تجاه بعض العملاء على الوجه التالي:
أ‌- بالنسبة إلى الشخص الأجنبي المعرض سياسياً.
ب‌- بالنسبة إلى الشخص المحلي المعرض سياسياً وأيضاً بالنسبة لأي شخص موكله إليه حالياً أو وكلت إليه وظيفة بارزة من قبل منظمة دولية.
تُطبق التدابير المشار إليها في القسم (أ)، حيثما تكون المخاطر المحددة من قبل المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة والمرتبطة بهذا الشخص والمتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب مرتفعة.
 من هنا، نجد أن المشرع الكويتي أولى أهمية بالغة بالتدابير الاحترازية - بصورة عامة- وشدد على وجه الخصوص التدابير الخاصة بالشخص المعرض سياسياً التي على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة واجب اتخاذها، أياً كان منصب ومركز من يمارسها حماية للمجتمع والدولة، وليضمن من جانب آخر صعوبة اختراقها، ما لم يكن هناك قصور في الممارسة وعدم التزام بالقواعد والإجراءات، أو تواطؤ من قبل المسؤولين بهذه الجهات.
 ومن حيث العقوبة، نجد أنه في حالة مخالفة المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية التدابير الاحترازية فإنها تعاقب على الوجه الآتي: -
أولاً: نصت المادة (33) من القانون على أنه: تعاقب المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة أو أي من أعضاء مجلس الإدارة التنفيذية أو الإشرافية أو مديريها، بغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تتجاوز 500 ألف دينار عن كل مخالفة أو عدم التزام عن عمد أو إهمال جسيم، بأحكام المواد (11،10، 9، 5).
ثانياً: نصت المادة (34) على: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تجاوز 500 آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ينشئ أو يحاول إنشاء بنك صوري في دولة الكويت بالمخالفة للفقرة الأولى من المادة (8)، أو يدخل في علاقة مع هذا البنك بالمخالفة للفقرة الثانية من المادة (8) عن عمد أو إهمال جسيم، ويعاقب بغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تجاوز مليون دينار، إذا كان مرتكب المخالفة شخصاً اعتبارياً. وإذ يلاحظ، وبالرجوع إلى المادة (8)، أنها تتكون من فقرة واحدة فقط وليس فقرتين.

• رابعاً: من تقع عليه مسؤولية الإخطار عن العمليات المشبوهة؟
 تعتبر عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب عمليات معقدة، وتستخدم أدوات حديثة ودائمة التطور، وتحتاج الى متابعة حثيثة ومستمرة ومعرفة دقيقة بالحسابات والعمليات والعملاء، واقدر جهة لمعرفة العمليات والعملاء هي الجهات التي تتعامل معهم بشكل مباشر ومستمر، فهم عملاؤها، وهم الأقدر على معرفة حقيقة تعاملاتهم وحقيقة وضعهم المالي وتدفقاتهم النقدية.
 لذلك وضع المشرع الكويتي مسؤولية الالتزام، بإخطار «وحدة التحريات المالية الكويتية»، عن العمليات المشبوهة على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة دون تأخير (وقد حددتها اللائحة التنفيذية بيومي عمل كحد أقصى)، عن أي معاملة أو حتى محاولة لإجراء معاملة بصرف النظر عن قيمتها، واستثنى من ذلك المحامين وأصحاب المهن القانونية والمحاسبين المستقلين، إذا كان تم الحصول على المعلومات المتعلقة بتلك المعاملات في الظروف التي يخضعون فيها للسرية المهنية، وكل ذلك عملاً بالمادة 12 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب عمداً أو عن إهمال جسيم مخالفة المادة (12) بتقديم إخطار أو بيانات أو معلومات غير صحيحة، أو إخفاء حقائق ينبغي الإخطار عنها، وذلك بموجب (البند أ من المادة 35).

• خامساً: اختصاصات جهات الرقابة:
 لا يعفي التزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن المالية غير المحددة، بالإخطار عن العمليات المشبوهة، جهات الرقابة الأخرى (بنك الكويت المركزي، هيئة أسواق المال، وزارة التجارة والصناعة، جهات ذات التنظيم، كنقابة المحامين) من مسؤولياتها في مكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال ضمان التزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة للشروط المنصوص عليها في القانون ولائحته التنفيذية والقرارات الوزارية والتعليمات، ويكون لها وفقاً للمادة 14 من القانون، الصلاحيات التالية:
1 - جمع المعلومات والبيانات من المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة وإجراء عمليات فحص ميداني، ويجوز الاستعانة بالغير في هذا الشأن.
2 - إلزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، بتوافر أي معلومات، وأخذ نسخ للمستندات أيا كانت طريقة تخزينها، وأي وثائق خارج مبانيها.
3 - تطبيق تدابير وفرض الجزاءات على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، لعدم التزامها بأحكام هذا القانون، وإبلاغ الوحدة بها.
4 - إصدار قرارات وزارية وتعليمات لمساعدة المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة في تنفيذ التزاماتها.
5 - التعاون وتبادل المعلومات مع الجهات المختصة أو الجهات الأجنبية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
6 - التحقق من أن الفروع الخارجية والشركات التابعة للمؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، تعتمد وتنفذ مع هذا القانون بقدر ما تجيزه القوانين المحلية للبلد المضيف.
7 - إبلاغ الوحدة على وجه السرعة بمعلومات أو معاملات يمكن أن تكون لها صلة بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو جرائم أصلية.
8 - وضع وتطبيق إجراءات الكفاءة والملائمة والمعايير المتعلقة بالخبرة والنزاهة، لأعضاء مجلس الإدارة وأعضاء الإدارة الفنية أو الإشرافية أو مدراء المؤسسات المالية.
9 - وضع وتطبيق معايير التملك أو السيطرة على حصص كبيرة للمؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المحددة، بما في ذلك المستفيدون الفعليون من الحصص، أو فيما يتعلق بالمشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إدارتها وتصريف شؤونها أو تشغيلها.
10 - الاحتفاظ بالإحصاءات عن التدابير المتخذة والجزاءات المفروضة التي تحددها الجهات الرقابية.
11 - تحديد نوع ومدى التدابير التي تتخذها المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة وفق المادة (10)، اتساقاً مع درجة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب وحجم النشاط التجاري.
 وهنا نعتقد، أن المشرع لم يوفق بأن جعل متابعة التزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحدد بالقانون ولائحته التنفيذية والقرارات ذات الصلة من اختصاص الجهات الرقابية المسؤولة عن نشاطها المعتاد، والتي إن استثنينا منها البنك المركزي، فإنها غير مؤهلة لمتابعة الجهات الواقعة تحت مسؤولية رقابتها، وهذا ما سيؤدي الى اختلاف معايير التقييم وتأثير الرقابة باختلاف الجهات وكفاءتها، بل لا نبالغ إن قلنا بأن هناك جهات لا تعلم عن إجراءات وتدابير قانون غسل الأموال، وهي ثغرة يمكن أن يخترقها المجرمون في عملياتهم في غسل الأموال. وكان الأجدر على المشرع «توحيد جهة الرقابة» وجعلها من اختصاص وحدة التحريات المالية الكويتية لتكون أكثر فاعلية، وأدق في تحديد المتطلبات اللازمة لمكافحة جريمة غسل الأموال والإرهاب.

• سادساً: وحدة التحريات المالية الكويتية
 هي وحدة لها شخصية اعتبارية مستقلة، أنشأها القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب المادة (16) منه، وتختص بتلقي الإخطارات وتحليل المعلومات من المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة عن أي معاملة، مهما كانت قيمتها التي يشتبه بأن تكون عائدة ومتحصلة من جريمة أو أموال مرتبطة، أو لها علاقة بها أو يمكن استعمالها، للقيام بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب وفقا لأحكام القانون.
وللوحدة وفقاً لأحكام الفصل الثاني من القانون، الحق في الحصول على أي معلومات إضافية ترى أنها ضرورية لأداء مهمتها من أي شخص خاضع لالتزام الإبلاغ، وكذلك من الجهات المختصة وأجهزة الدولة، عملاً بالمادة 18.
وتكمن واجبات والتزامات وحدة التحريات، بالآتي:
1 - يجب على موظفي الوحدة الالتزام بسرية المعلومات التي يحصلون عليها، ضمن نطاق أداء واجباتهم، حتى بعد توقفهم عن أداء تلك الواجبات داخل الوحدة، كما لا يجوز استخدام المعلومات التي تحصل عليها وحدة التحريات إلا للأغراض المنصوص عليها في هذا القانون، عملاً بالمادة (16).
2 - تحديد البلاد التي تعتبر عالية المخاطر والتدابير الواجب اتخاذها تجاهها (المادة 17).
3 - إبلاغ النيابة في حالة توافرت أدلة معقولة للاشتباه، في أن الأموال متحصلة من جريمة أو أموال مرتبطة أو لها علاقة أو يمكن استعمالها بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب، وكذلك إحالة المعلومات ذات الصلة إلى الجهات المختصة، وإخطار الجهات الرقابية المعنية في حالة مخالفة أي من المؤسسات المالية أو الأعمال والمهن غير المالية المحددة أو أي موظف فيها للالتزامات الواردة في القانون، وذلك عملاً بالمادة (19).
 ويجدر الذكر هنا، أن هناك خطأ في صياغة القانون، إذ تم تعديل (المادة 16) المتعلقة بوحدة التحريات، وفقا (للمادة الأولى من القانون رقم 24 لسنة 2016 بتعديل المادة 16)، وذلك بأن أضاف هذا التعديل فقرة ثانية للمادة 16، وبذلك تصبح أربع فقرات، ولتتحول معه الفقرة المتعلقة بالتزام موظفي الوحدة بسرية المعلومات التي يحصلون عليها، ضمن نطاق أداء واجباتهم، وعدم إفشاء الأسرار من الفقرة الثالثة إلى الفقرة الرابعة، ولم يصاحب هذا التعديل المذكور تعديلاً للمادة (36) من القانون، التي تنص على توقيع العقوبة على الفقرة الثالثة قبل التعديل، والذي كان من المفترض أن تعدل المادة لتكون العقوبة على مخالفة الفقرة الرابعة وليس الثالثة.
وترتيباً عليه، فإنه وإلى حين إجراء التعديل المشار إليه، فلا عقوبة على موظفي الوحدة في حال ارتكابهم مخالفة إفشاء أو استخدام المعلومات المنهي عنها في الفقرة الرابعة من المادة 16 من القانون، لا سيما وأن هذا الخطأ في التشريع ليس خطأً مطبعياً يكفي استدراكه.

• سابعاً: إجراءات الأخطار عن عمليات غسل الأموال
 حدد القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، بإخطار وحدة التحريات المالية الكويتية، خلال يومين عمل على الأكثر، في حال الاشتباه أو توفر دلائل كافية للاشتباه في أي معاملة مالية أيا كانت قيمتها. (المادتين 12-13)
 ولدى تلقي الوحدة لتلك البلاغات تبدأ في تحرياتها، ولها الحق في الحصول على أي معلومات ترى أنها ضرورية لأداء مهامها، عملاً بالمادتين (18، 19).
ويلاحظ بعض مواطن القصور على هذه الإجراءات، والتي تتمثل بـ:
- الوحدة لا تستطيع أن تتحرك إلا بناء على إخطار من المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، وكان من الأجدر... منح الوحدة صلاحية -من تلقاء نفسها-التحرك وجمع التحريات وطلب المعلومات إذا وصل الى علمها بأي وسيلة عن عمليات غسل الأموال ولو لم يتم إخطارها.
- منح القانون الوحدة الحق في الحصول على المعلومات التي تحتاجها في التحري والتحقيق من الجهات المعنية بالإخطار والجهات الرسمية والمختصة، وكان يفترض... التوسع في الجهات لتكون من أي شخص أو جهة تجد أنها مناسبة لاستكمال تحقيقاتها، هذا من جهة.
- القانون لم يرتب عقوبة على امتناع الأشخاص والجهات عن تزويد الوحدة بالمعلومات التي تطلبها أو التأخير غير المبرر في تقديم ما يطلب.

• ثامناً: مخاطر جرائم غسل الأموال
 تندرج سياسة مكافحة الدول لجرائم غسل الأموال، في إطار المخاطر الكبيرة التي تسببها في شتى الجوانب، فهي تتجاوز آثارها الأمنية إلى النظام الاقتصادي والسياسي والأخلاقي للمجتمع، نورد منها:
1 - الحصول على الرشاوى والعمولات من المشاريع الحكومية، ما يؤدي الى إضافة مبالغ هذه العمولات والرشاوى على قيمة المشروع. وتتحمل الدولة تكلفة أخرى وهي الفائدة على هذه القروض، كما أنها قد تفقد قرارها السيادي عندما تعجز عن السداد بسبب انتشار الفساد.
2 - انخفاض قيمة العملة المحلية وضعف قيمتها الشرائية، بزيادة الطلب على العملة الأجنبية، لتحويلها إلى الخارج، يقابله زيادة العرض للعملة الوطنية فتنخفض قيمتها وتضعف قوتها الشرائية.
3 - الأضرار بالمشاريع الاقتصادية الجادة، حيث يسعى المجرم إلى حرق الأسعار من أجل غسل أمواله بالسرعة الممكنة دون اعتبار للتكلفة الحقيقية للمنتج الذي يبيعه، فيتضرر التاجر الجاد والمنتج المعروض بقيمته الحقيقية، كما حدث في فترة من الفترات في الكويت، حينما عمدت بعض الشركات إلى ببيع منتجاتها بأقل من التكلفة، فانتشرت محلات (كل شيء بمئة فلس).
4 - إفساد رجال المصارف والشركات المالية ورجال الأمن والسياسيين والمسؤولين في الدولة، حيث يتم إغواؤهم من قبل غاسلي الأموال بالعمولات المجزية، ليكونوا شركاء معهم في غسل الأموال، ويساهموا في إخفاء آثار الجريمة، فينتشر الفساد في شتى مجالات الدولة.
5 - الإساءة إلى سمعة البلد ومؤسساته المالية والأمنية، فتعزف المؤسسات المحترمة ورجال الأعمال الحقيقيون من التعامل معها، فتفقد الدولة دخول الأموال والاستثمار الأجنبي الحقيقي والخبرات المفيدة للبلد.
6 - ارتفاع الأسعار من خلال الدخول في مضاربات ومزايدات وهمية في بعض المجالات، مثل العقار والرياضة والتحف والحيوانات والطيور كمزادات الخيول والجمال والأغنام والحمام والصقور.

• تاسعاً: الخاتمة والتوصيات:
تبيّن بعد عرض الدراسة لدور المشرع الكويتي في اتباع أحدث الأنظمة، وما توصلت له الاتفاقيات الدولية من قوانين ونظم وإجراءات، لمكافحة جريمة غسل الأموال، أن أحد أوجه القصور في التشريع، تعدد جهات الرقابة، وبعضها ليس لديه الإمكانيات أو حتى الاهتمام بمتابعة الجهات الخاضعة له، وهذه ثغرة ينفذ منها المجرمون لارتكاب جريمة غسل الأموال، كذلك عدم الاهتمام بدعم وحدة التحريات المالية. ولعل عدم اختيار رئيس للوحدة منذ استقالة رئيسها أوضح دليل على ذلك.

• التوصيات:
1 - توحيد جهة الرقابة والمتابعة والإشراف فيما يتعلق بالتزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة لتكون من اختصاص وحدة التحريات المالية الكويتية، للتأكد من التزامها للشروط المنصوص عليها في القانون ولائحته التنفيذية والقرارات والتعليمات الصادرة بهذا الشأن، وحتى تتوحد مقاييس الرقابة وجودتها لا سيما أن بعض الجهات ليس لديها الإمكانية ولا الكفاءة في المتابعة.
2 - أن تمنح «وحدة التحريات المالية الكويتية» الصلاحية في طلب المعلومات واستدعاء أي طرف تكشف التحريات والتحقيقات أهمية مثوله أمامها.
3 - أن ينص القانون على عقوبة لمن يتخلف عن الحضور أمام الوحدة المذكورة، أو يرفض تقديم ما تطلبه من مستندات أو يتأخر دون مبرر عن تقديمها.
4 - أن تختص الوحدة دون غيرها، بتطبيق الجزاءات على الجهات المخالفة للشروط الواردة بالقانون، ولائحته التنفيذية والقرارات والتعليمات الصادرة تنفيذاً له.
5 - أن يكون للوحدة حضور إلزامي أمام النيابة العامة والقضاء، لتمثيلها والمطالبة بالتعويض، فالوحدة هي الأقدر على شرح القضية أمام النيابة والقضاء، خاصة من الناحية الفنية.
6 - أن يخصم من مبالغ التعويض التي يحكم بها، نسبة لا تقل عن 10 في المئة لصالح الوحدة، تخصص لمكافأة العاملين على القضية ولتغطية مصاريف التدريب والدورات وأنشطة الوحدة، لتشجيع العاملين في الوحدة لبذل الجهد ومتابعة الملف لحين الحكم فيه، كما تمثل النسبة إيراداً مهماً للوحدة يعينها على تطوير كفاءة العاملين لديها.
7 - تعديل (المادة 36) من القانون، لتكون العقوبة على مخالفة أحكام الفقرة الرابعة من المادة 16 وليس الفقرة الثالثة، بسبب التعديل اللاحق للمادة 16، بإضافة الفقرة الثانية للمادة، لتصبح المادة 16 أربع فقرات وليس ثلاث.
8 - أن يكون من حق الوحدة، أثناء تحرياتها أو تحقيقاتها في الاخطارات المقدمة لها الطلب من النيابة العامة، تجميد أو الحجز على أموال وأدوات الأشخاص الذين تتحرى عنهم، إلى حين إبلاغ النيابة العامة بصورة نهائية، وتحويل الملف لها.
9- أن يكون للوحدة التحرك من تلقاء نفسها، حتى وإن لم تتلق الإخطار عن العمليات المشبوهة، متى ما وصل إلى علمها بأي وسيلة ما، عن وجود شبهة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.

 قضية MDB1 في الوقائع الماليزية: من سرقة المليارات إلى محاكمة عبدالرزاق

بدأت فصول وتداعيات قضايا الفساد الماليزي، بالانتقادات الموجهة إلى رئيس الوزراء الــــسابق نجيب تون عبدالرزاق، بعد بروز مشاكل الديون التي واجهها الصندوق السيادي الماليزي MDB1 المملوك للدولة، حيث قدّر محققون سويسريون، أن ما تمت سرقته من الصندوق السيادي والشركات الماليزية المملوكة للدولة، بأكثر من 4 مليارات دولار، ما ترتب عليه تراجع كبير في أداء الاقتصاد الماليزي، وانخفاض في العملة واستنزاف في احتياطيات النقد الأجنبي، وانتشار الرشوة والفقر في كل مؤسسات الدولة، حيث كانت الأموال المسروقة مخصصة لتمويل مشاريع تنموية واقتصادية واجتماعية، واستطاع عبدالرزاق تجاوز الاتهامات باستخدام نفوذه، كونه يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء، وسيطر على الإجراءات، من خلال التأثير على هيئة مكافحة الفساد والادّعاء العام لتبرئة ساحته من الاتهامات.
وحمّل رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد (94 عاماً) لواء المعارضة لعبدالرزاق، رافعاً راية محاربة الفساد الذي أدى فـي النهـــاية إلى إسقاط الأخير، وتسلم مهاتير رئاسة الوزراء، وخلال العشرة أيام الأولى من رئاسته، استطاع أن يقود أكبر عملية مصــادرة للأموال والمقتنيات الثمينة التي قدرت قيمتها بمبلغ 273 مليون دولار تعود لعبدالرزاق، بينها مبالغ نقدية من 26 عملة قدرت بـ28.8 مليون دولار، و12 ألف قطعة مجوهرات، بينها عقد قيمته 1.5 مليون دولار، ومئات حقائب اليد الفاخرة، وأكثر من 400 ساعة، تقدر قيمتها بـ19.3 مليون دولار.
 وفي هذا السياق، أشارت جريدة الغارديان، إلى أن ماليزيا ليست الدولة الوحيدة التي تحقق في قضايا ومخالفات الصندوق السيادي، وإنما هناك 6 دول، من بينها الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة، بالتعاون مع بنك غولدمان ساكس، وهو ما دفع حكومة مهاتير محمد لطلب تعويضات من البنك المذكور بقيمة 7.5 مليار دولار، رداً على العمليات القذرة التي قام بها، كما ينقل تقرير نشرته صحيفة «Malay Mail» الماليزية، تصريحات لرئيسة لجنة مكافحة الفساد لطيفة كويا، أكدت فيه أن المعلومات المسرّبة من المكالمات التي تم تعقبها لهاتف عبدالرزاق، تؤكد وجود مؤامرة بداخل حكومة عبدالرزاق بأعلى مستوى.
 ويرى مراقبون أن حكومة مهاتير محمد، منحت منظمات المجتمع المدني الأمل في استمرار مواجهة الفساد، الذي رسّخ أقدام رئيس الحكومة السابق، في إطار الوعود والإجراءات التي اتخذها مهاتير من أجل تنظيف ماليزيا، وجعلها من دون كسب غير مشروع بحلول 2023.
 وتنقل «الغارديان» أن الإجراءات التي اتخذها مهاتير محمد، في مكافحة الفساد ذات أهمية كبيرة، خاصة وأنها كانت سبباً في أول محاكمة لمسؤول ماليزي رفيع المستوى بحجم عبدالرزاق، وهو ما منح الأمل بالنسبة للشعب الماليزي في انتهاء حقيقي لعمليات الفساد، التي كانت سبباً في تحويلهم من شعب ناهض اقتصادياً، إلى آخر فقير وتعيس.

تدابير للشخص والمؤسسات

أولى المشرع الكويتي أهمية بالغة للتدابير الاحترازية، بصورة عامة، وشدّد على وجه الخصوص، التدابير الخاصة بالشخص المعرض سياسياً، التي على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة واجب اتخاذها، أياً كان منصب ومركز من يمارسها حماية للمجتمع والدولة، وليضمن من جانب آخر صعوبة اختراقها.
تعاقب المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية أو أي من أعضاء مجلس الإدارة التنفيذية أو الإشرافية أو مدرائها، بغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تتجاوز 500 ألف دينار عن كل مخالفة أو عدم التزام عن عمد أو إهمال جسيم.
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تجاوز 500 أف دينار، أو بإحدى العقوبتين، كل من ينشئ أو يحاول إنشاء بنك صوري، أو يدخل في علاقة مع هذا البنك، ويعاقب بغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تجاوز مليون دينار، إذا كان مرتكب المخالفة شخصاً اعتبارياً.

غسل الأموال

جريمة غسل الأموال، هي إحدى الجرائم الخطيرة والنشاطات الإجرامية الهدامة للدول والمجتمعات في شتى المجالات، فهي تأتي نتيجة جرائم أخرى ونشاطات غير مشروعة مرتبطة بها، ويهدف مرتكبوها إلى إخفاء معالم نشاطاتهم الإجرامية السابقة، مثل (تجارة المخدرات والاستيلاء وصفقات بيع السلاح غير المشروعة، والأنشطة الأخرى القائمة على استخدام النفوذ والسلطة والرشوة، وكذلك عمليات التزييف والتزوير).

 مافيا المخدرات   في شيكاغو

جاءت تسمية جريمة غسل الأموال (Money laundering Crime) من المصبغة الآلية التي انشأتها في العشرينات- مافيا المخدرات في شيكاغو، لتضيف إلى مدخولها الحقيقي حصيلة الأموال التي تجنيها من تجارة المخدرات، فهذه الأموال غير المشروعة- ورغبةً في إضفاء المشروعية عليها- يتم غسلها من دنس الجريمة، ليعاد استخدامها «كما تغسل الملابس من الأوساخ»، لذلك نجد العديد من الدول لاحقت منذ القدم هذه الجريمة، وتابعت تطورها المستمر بتطور وسائلها، وعملت على مكافحتها، لما لها من آثار سلبية عظيمة على الدول والمجتمعات، لا سيما أن عالمنا الراهن يشهد تطورات متسارعة في العديد من المجالات، يصاحبها سرعة انتقال الأموال.

3 مراحل لغسل الأموال

الإيداع: التخلص من المبالغ السائلة باستعمال مؤسسات تنعدم الرقابة عليها
التمويه: تحويلات بين الحسابات المصرفية خاصة في الدول الفاسدة
الدمج: استقرار الأموال في حسابات تمهيداً لإعادة استخدامها وصرفها

التحريات المالية

• على المؤسسات المالية والأعمال والمهن مسؤولية الالتزام بإخطار «التحريات المالية» عن العمليات المشبوهة دون تأخير
• المشرع لم يوفق بجعل رقابة المؤسسات المالية والأعمال والمهن من اختصاص الجهات المسؤولة عن نشاطها المعتاد
• باستثناء البنك المركزي ثمة جهات غير مؤهلة لمتابعة الجهات الواقعة تحت مسؤوليتها ما سيؤدي إلى اختلاف معايير التقييم
• هناك جهات لا تعلم عن إجراءات وتدابير قانون غسل الأموال وهي ثغرة يمكن أن يخترقها المجرمون
• «توحيد جهة الرقابة» وجعلها من اختصاص «وحدة التحريات» يجعلها أكثر فاعلية لتحديد متطلبات مكافحة غسل الأموال والإرهاب

خطأ في التشريع

• ثمة خطأ في صياغة قانون «وحدة التحريات» يسهو عن عقوبة موظفيها في إفشاء أو استخدام المعلومات... والخطأ في التشريع ليس خطأً مطبعياً يكفي استدراكه

 مواطِن قصور في الإجراءات

• الوحدة لا تستطيع التحرك إلّا بناءً على إخطار من المؤسسات المالية والأعمال والمهن
• قصر الحق في حصول الوحدة على المعلومات على الجهات المعنية بالإخطار والجهات الرسمية والمختصة فقط
• عدم ترتيب عقوبة على امتناع أو تأخرأشخاص وجهات عن تزويد الوحدة بالمعلومات

 مخاطر جرائم غسل الأموال

• إضافة العمولات والرشاوى على كلفة المشاريع
• تسرب أموال الرشاوى والعمولات إلى خارج البلاد
• فقدان الدولة قرارها السيادي
• انخفاض قيمة العملة المحلية وقيمتها الشرائية
• الإضرار بالمشاريع الاقتصادية الجادة
• إفساد رجال المال والأمن والسياسيين والمسؤولين
• حرق سمعة البلد ومؤسساته المالية والأمنية

 توصيات

• صلاحية لوحدة التحريات بطلب معلومات واستدعاء أي طرف
• معاقبة مَنْ يرفض الحضور أو تقديم مستندات
• تختص الوحدة دون غيرها بتطبيق الجزاءات
• حضور إلزامي للوحدة أمام النيابة العامة والقضاء
• تجميد أو حجز أموال وأدوات الأشخاص المتحرى عنهم
• التحرك التلقائي للوحدة

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي