No Script

كلما غرّد ترامب دَعَمَ نظريّة خامنئي

مَن يقف وراء التظاهرات الإيرانية ومَن المستفيد؟

No Image
تصغير
تكبير

دخل الحِراك في إيران يومه السابع مُخلفاً أكثر من 20 قتيلاً في تظاهراتٍ طاولت مدناً إيرانية عدة وهي تُعدّ الأكبر منذ العام 2009. إلا أن السؤال الأساسي يبقى: مَن يقف وراء التظاهرات الإيرانية؟ ومَن المستفيد منها؟
عندما بدأتْ التظاهرات في يومها الأول، فاجأت الحكومة الإيرانية والمسؤولين الليبراليين والمتشددين على السواء، خصوصاً أنها وقعت قبل يومين من التظاهرة السنوية التي تقام في كل يوم تاسع من الروزنامة الإيرانية دعماً للجمهورية الإسلامية وما تمثّله، بعد الاعتراضات الضخمة التي حصلت جراء الانتخابات الرئاسية في الـ 2009 والتي قام بها يومها «الحِراك الأخضر» بقيادة مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين إتهما الرئيس حينها احمدي نجاد بالتلاعب بنتائج الانتخابات.
الجهات المتشددة لا ترى مصلحة لها في تحريك الشارع، وخصوصاً أنها تملك مناسبات عدة لتأكيد وجودها ومكانتها وقوّتها على الأرض وداخل الحكم، لا سيما في قراره العسكري والأمني. وهي ترى أن أي تظاهرة يمكن أن تَخرج عن السيطرة إذا لم تكن تديرها شخصيات معروفة موجودة مباشرة أو عن بُعد، إضافة إلى أن الوضع الأمني في إيران لا يسمح بهكذا تظاهرات في ظل الخطر التكفيري الذي يهدد الأمن الإيراني، وكذلك الخطر الذي يعتقد المسؤولون الإيرانيون أنه يتربص بهم من دول الجوار التي وعدت بضرب النظام من الداخل بعد انتصار الحلف الذي تتكوّن منه إيران في العراق وسورية ومناطق أخرى من الشرق الأوسط اللاهب.


والخطر الأكبر الذي يشعر به الإيرانيون يأتي من إسرائيل ومن الإدارة الأميركية، خصوصاً أن التحدي أصبح جاهزاً وأعلن للملأ بعدما وجّه قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال قاسم سليماني رسالة واضحة تطلب من القوات الأميركية مغادرة سورية وإلا...، وكذلك أعلن استعداده لتمويل وتسليح التنظيمات الفلسطينية بعد قرار دونالد ترامب بجعل القدس عاصمة لإسرائيل.
أما ترامب فلم يقف متكوف الأيدي. فهو يعمل منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض لضرب الإتفاق النووي ويهدّد شركاءه الأوروبيين - الذين تمايزوا عنه - إذا تعاملوا مع إيران وساعدوها لاستعادة عافيتها الاقتصادية.
إذاً أصبحت الحرب علنية ومكشوفة بين إيران من جهة وأميركا وكل حلفائها في الشرق الأوسط من جهة أخرى المستعدّين لبذل كل الجهود العسكرية والأمنية والمادية لزعزعة الداخل الإيراني. وهذا يدلّ على عدم وقوف التيار المتشدّد الذي يقود «الحرس الثوري» وقوات «الباسيج» و«حلف المقاومة» خلف الاهتزاز الداخلي الإيراني الذي يضرب الإقتصاد الضعيف ويفتح المجالات الواسعة لتدخل الأطراف الداخلية (التكفيرية وأنصار الشاه المخلوع) وكذلك حلفاء دول المنطقة وأميركا لقلب النظام الإسلامي في إيران.
أما بالنسبة إلى الليبراليين، فإن هذه التظاهرات تضرب الاقتصاد الإيراني، وكذلك تُظْهِر فشل هؤلاء في الحكم وفي وضع حدّ للبطالة والفساد وإرتفاع الأسعار والوضع المعيشي الصعب الذي ورثه هؤلاء عن أسلافهم في الحكومات السابقة على الرغم من وجود الرئيس حسن روحاني في سدة الحكم منذ العام 2013. فمن أيام تسلم الرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني (1991) والتظاهرات تقوم في البلاد مُطالِبةً بتحسين الواقع المعيشي وتأمين فرص العمل وتعزيز القدرة الشرائية للعملة المحلية. إلا أن الاتفاق النووي الذي عوّل عليه كثيراً (على نتائجه الإيجابية) الرئيس روحاني وذهب بعيداً في مواجهة الراديكاليين - بعد الدعم النادر الذي حظي به من الشعب ومن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي - لم يؤتِ ثماره لأن الرئيس ترامب يمتنع لغاية اليوم عن الافراج عن 150 مليار دولار تملكها إيران تحت سيطرة واشنطن وابتزازها.
ليس هذا فقط، بل لم يستطع روحاني تأمين الإنفتاح المالي للمصارف الايرانية بسبب الموقف الأميركي المتشدد والمُعَرْقل بالرغم من الدعم المعنوي الذي يحصل عليه الرئيس الإيراني من شركائه الجدد الأوروبيين.
إذاً هناك مشكلة حقيقية اقتصادية، عالمية وإيرانية، تفرض على الحكومات - حتى الغنية - إيجاد ضرائب جديدة وتدابير استثنائية تماماً كما حصل في إيران ويحصل اليوم. إلا أن هذه المطالب سبّبت هبّة لجزء بسيط من الشعب (بضعة آلاف) لأن أنصار الجمهورية الإسلامية المتشددين يستطيعون حشد الملايين معهم وكذلك الليبراليين كما حدَث العام 2009. إلا أن الإعلام المعادي لإيران انضمّ إلى دعم المتظاهرين ليُشعِل ثورة على مواقع التواصل الاجتماعي هي أكبر بكثير مما يحصل على أرض الواقع في إيران.
واليوم، تتعامل الحكومة بحذر مع ردّات الفعل ضد المتظاهرين لأنها لا تريد لبس ثياب القمع والشدّة ما دامت هذه الإحتجاجات لا تسبب ضرراً كبيراً في المنشآت الحكومية والأملاك العامة والخاصة. إلا أن استمرار أعمال العنف سيضطر الجهات المتشددة لأخذ المبادرة والإظهار للرئيس الليبرالي أن أساليبه الخفيفة ستفتح المجال لعناصر مدفوعة من الخارج تستطيع تنظيم نفسها في الأيام المقبلة - بعدما تفاجأ أيضاً هؤلاء بالتظاهرات - لتعطي دفعاً أكبر للمتظاهرين، وهذا ما يتمنّاه أعداء ايران.
وقد انضمّ إلى هؤلاء جميع الذين إتهموا الشعب الإيراني بالإرهاب منذ أشهر عدة وكذلك أرباب مواقع التواصل الاجتماعي الذين عملوا على ترويج الصور الملفّقة والتي لن تغيّر شيئاً كبيراً على أرض الواقع. فكلما غرّد ترامب دعم نظرية خامنئي التي قالها، كما نقل عنه أحد القادة الإيرانيين القريبين منه، خلف الأبواب المغلقة للرئيس روحاني: «هؤلاء (أميركا) لا أمان لهم. اذهب وجرِّب حظك ولا تنسَ أنهم كانوا وسيظلون أعداء إيران، كل إيران».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي