ألوان
الأردن خيمة الثقافة والتاريخ والمواقف
لم تكن المملكة الأردنية الهاشمية بلداً عربياً عادياً فحسب، بل كانت وما زالت دولة عربية شامخة أمام سلسلة من التحديات السياسية والاقتصادية، خصوصاً أنها تعد من أكثر الدول العربية والإسلامية تفاعلاً مع القضية الفلسطينية بصورة تلقائية، من دون تصنع، الأمر الذي يمنحها تميزاً كبيراً عن بقية الشعوب العربية والإسلامية في التفاعل مع تفاصيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني.
إن المملكة الاردنية خيمة عربية مهمة، وكبيرة بها أعمدة قوية للثقافة والتاريخ والمواقف الخالدة، التي سطرها هذا الشعب بقيادة ملكه الذي يقوده إلى بر الأمان عبر القاعدة الرئيسة لبناء دولة معاصرة، حيث الديموقراطية وحرية تكوين الأحزاب السياسية وفق القانون وحرية الصحافة وحرية التعبير ثم بناء الإنسان الأردني.
ومن يقرأ تاريخ الاردن فإنه سيجده قديماً قدم الإنسان نفسه، بدءاً من العصر الحجري القديم قبل أكثر من تسعين ألف عام مروراً بمملكة الأنباط، التي كانت عاصمتها البتراء وانتهاء بالرومان والأمبراطورية البيزنطية والدولة العثمانية، وهناك علامات فارقة نحو العمونيين - نسبة الى ربة عمون «عمان الحالية» - كما أطلق عليها اليونانيين فلادلفيا بدلاً من ربة عمون، ثم كان تاريخ نشأة المملكة الأردنية الحديثة.
ولا يخفى على الجميع دور القبائل الأردنية التي كانت تقوم بحماية طريق التجارة والحج في السابق، حيث طريق الشام الحجاز انطلاقاً من تبوك فالعقبة فالشوبك، إضافة إلى بقية المدن الأردنية مثل الكرك والسلط وجرش ومأدبا ووادي موسى، وعمان عاصمة التشييد والارتقاء والعطاء، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة أمام الشعب العربي النازح إليها خصوصاً الشعب العراقي في السابق، وكذلك الشعب السوري في السنوات الأخيرة.
وتتمتع الأردن بتاريخ عميق انطلاقاً من نهر المدن الأردنية والقرى بين الصحراء ونهر اليرموك والبحر الميت والهضبات، فكان العلم وكان لسيادة القانون دوراً رئيساً في بناء الإنسان الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يقود مسيرة بناء المملكة الأردنية، لذا فإننا نجد أن التعليم فيها يفوق الكثير من دول المنطقة، بل إنه منافس عالمياً، والأمر نفسه ينطبق على الخدمات الصحية، التي تتساوى مع الدول الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.
ولو نظرنا إلى السياحة، فإنها بدأت خجولة ثم باتت تحقق قفزات كبيرة في الربع قرن الماضي، الأمر الذي جعل الأردن دولة منافسة لبقية الدول العربية السياحية، وهذا لم يأت من فراغ بل من خلال حزمة من الاجراءات القانونية واللوجستية كانت بمثابة اكتمال صناعة السياحة فيها، وهي امور جاذبة للسائح الخليجي وغير الخليجي أهمها أن عمان عاصمة نظيفة، كما أنها آمنة والأسعار فيها ثابتة، فالسعر للاردني ولغير الاردني هو سعر واحد لا يتغير، كما ان هناك قانونا يلزم قائدي التاكسي باستعمال العداد فقط كما ان هناك سلسلة من الفنادق التي تنتمي الى فئات مختلفة تتناسب مع إمكانيات السيّاح كافة التي باتت تتزايد في كل عام عن العام الذي سبقه، أي أن الأردن باتت تجذب وتسحب السائحين من بعض الدول العربية السياحية، وكذلك السائحين من الدول الاجنبية.
وهناك مؤسسات ثقافية كثيرة في المملكة الاردنية منها ما هو رسمي، وما هو نتاج المجتمع المدني من جمعيات النفع العام والتجمعات الثقافية والفنية، وهناك أسماء لامعة في المجال الأكاديمي والفن التشكيلي والدراما والمسرح والغناء والرياضة والمهرجانات الثقافية والفنية، مثل مهرجان جرش ومهرجان أيام عمان المسرحية ومهرجان البلد الموسيقي ومهرجان صيف عمان، وتلك المهرجانات للذكر وليس للحصر.
ورغم الظروف غير المستقرة في الشرق الاوسط إلا أن مملكة الأردن ما زالت صامدة أمام التحديات كافة، فهي دولة عميقة ومستقرة.
ولا يمكن أن ننسى دعم الشعب الأردني للشعب الفلسطيني على مستوى الملك والشعب، وكانت هناك مواقف كثيرة لكن الأسرة الهاشمية هي الوصي الوحيد على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.
ولا يمكن أن نتحدث عن الأردن ولا نتطرق الى صفقة القرن، فما زالت الأردن ترفض وبشكل شديد تفاصيل صفقة القرن، رغم الضغوط الكبيرة التي تعرض لها جلالة ملك الأردن الذي وقف وقفة تاريخية، مؤكدا على ضرورة إنشاء دولة فلسطينية.
إن التاريخ يعيد نفسه، وكلنا نتذكر الموقف التاريخي المشابة للسلطان عبد الحميد الثاني، حين رفض بيع فلسطين لرئيس الوكالة اليهودية ثيودورهرتزل، الذي طلب مقابلته في عام 1896م وحاول إقناعه بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، مقابل سداد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل إلا أن السلطان عبد الحميد كان واعياً للخطة اليهودية الصهيونية فقام باصدار مذكرة بمنع بيع الأراضي العثمانية خصوصاً الفلسطينية لليهود منعا باتاً، وكوّن فرقة أمنية لمتابعة ذلك الأمر وقنّن زيارة اليهود إلى فلسطين التي رد بها على رسالة مفادها إنني لا أستطيع بيع شبر واحد من تلك الأرض لأنها ليست ملكاً شخصياً لي، بل هي ملك للدولة العثمانية، وتلك الوثيقة موجودة في الجمعية التركية للتضامن مع فلسطين «فيدار».
* كاتب وفنان تشكيلي كويتي