No Script

نموذج من سياحة بيئية

No Image
تصغير
تكبير

كان حلما منقوشا في دفتر مخيلتي التي حلمت بتحقيقها حينما تسنح لي الفرصة أن أمخر عباب البحر الكاريبي واستكشف عالم القراصنة الساحر ألسنا نحن أبناء السندباد وأجدادنا رجال الأشرعة والصواري، لقد جال بخاطري ان اكتشف الهندوراس ذات الموقع الجغرافي الفريد وبحرها الزاخر بالكائنات النادرة ولم أتردد بدراسة التفاصيل وسؤال المستكشفين عن بيئة الكاريبي التي تتميز بالأعاصير والأمواج العاتية المفاجئة، التي زادت من فضولي والحاحي لزيارتها وخوض التجربة الحية لأكون شاهدا على العصر.
عقدت العزم وحزمت حقائبي بعد جمع كل المعلومات وانطلقت ميمما ولاية فلوريدا الاميركية لأستريح بها بضعة أيام أرتب أوراقي وشتات أفكاري، وانتظر سفينتنا التي سوف تنطلق عبر خليج المكسيك الى ميناء مهوكني في جزيرة روتان الهندوراسية، التي تقع في الشمال الشرقي من الهندوراس وتبعد حوالي 260 كيلومترا عن العاصمة الهندوراسية تيجوسيجالبا، انطلقنا بالسفينة وهي تمخر عباب الرياح والأمواج معا برحلة طويلة تشق المحيط آملين ان نصل بالسلامة.
أديت صلاتي بالشرفة التي تطل علي خليج المكسيك وفي الهواء الطلق ثم خطرت بنفسي فكرة ان اقرأ عن الهندوراس المزيد وان اغتنم الفرصة، وانا استمع الى أصوات ارتطام أمواج البحر بالسفينة، فرمقت عيناي عنوانا في الانترنت صعقت منه «الهندوراس الدولة الأعنف في العالم»!
ويطلق على عاصمتها عاصمة الجريمة، فقد احتلت المركز الرابع عالميا بعد العراق والسلفادور وسيراليون حسب إحصائية صادرة عن الامم المتحدة عام 2006. «Survey of crime trends and operations of criminaljustice system».
ومما زاد في قلقي أكثر فأكثر ان دولة السلفادور جارة للهندوراس فأصبحت الصدمة صدمتين، سألت نفسي حينها الي اين انا ذاهب؟! فالمجرمون هناك ليسوا للاستعراض كعصابة جاك سبارو مثلا، وأيقنت ان دراستي التي تباهيت بها لم تكتمل بالشكل المطلوب ولم أجد جوابا لسؤالي عما ورطني إلا حب المغامرة والاكتشاف الذي حملني على ظهر تلك السفينة.
حبست انفاسي وانطلقت مسرعا الى صديق الترحال عبدالله فوجدته في سبات عميق، ولما استيقظ بادرته بمخاوفي التي أدركها من وجهي الأصفر، نظر الي وقال في هدوء ربما هناك تنسيق وحماية لنا هناك وعليك يا صاحبي ان تستمتع وان ننجز المهمة معا بنجاح.
فتشجعت روحي ونام روعي قبل أن أخلد الى النوم، فمضت بضع ساعات بسلام واستيقظت فجرا على أصوات ارتطام الامواج المرتفعة بسفينتنا العتيدة ودهشت حين ترجلت خارج مقصورتي قاصدا شرفتها الصغيرة ان جميع رفقاء السفر من الركاب مستيقظون متأهبون وأخبرني أحدهم أن قبطان السفينة، قد أعلن حالة الطوارئ
وبأننا نمر بعاصفة بين خليج المكسيك والبحر الكاريبي، فقلت لنفسي ها هو بحر الكاريبي الذي يتوسط المحيط الأطلسي من يمين والمحيط الهادي من شمال يرحب بنا بعاصفة! «الله يستر من اللي جاي»، قال القبطان عليكم ان تبقوا جالسين في غرفكم ولا تخرجوا أبدا حالما نتجاوز هذه العاصفة، ترنحت سفينتنا طويلا فأصبح حالنا كما لو كنا جالسين بلعبة قطار الموت ساعتين!
ولكن الامر المضحك المبكي ان صديقي عبدالله بعد مضي نصف ساعة على العاصفة خلد ثانية الى النوم العميق فقلت لنفسي حينها «يا لبرودة أعصابه»، ما كان لي غير ان ادعي بانني نائم ولكني في حقيقة الامر كنت افكر بأعماق هذا البحر اذا ضمنا في خباياه أوخفاياه.
في صبيحة اليوم التالي تسلل ضوء الشمس من الشرفة الى عيني فأدركت ان سفينتنا وصلت بسلام، فأسرعت الى الشرفة وإذا بجمال رونق الطبيعة يأسر الأبصار وبسعادة غامرة تملأ قلبي وبصفاء بحر الكاريبي الأزرق تصفو نفسي وقلت «الحمدلله أخيرا تحقق حلمي بالوصول إلي المحطة التالية إلى الكاريبي»، اسرعت إلى مركز تجمع الغواصين في السفينة، وإذ هم على استعداد لحمايتنا من المخاطر فغمرتني أيضا السعادة وشكرت الله.
انطلقنا الى مركز الغوص الرئيسي في الجزيرة لتجهيز المعدات واستعراض خطة الغوص وبعد ان انتهينا لمحت مدرسة بالقرب من المركز فقلت في نفسي لم لا أطلق رجلي إليها مادام في الوقت فسحة للاستكشاف لحين انطلاق البعثة، راودت نفسي هل سوف يرحبون بي؟ هل هي فعلا مدرسة؟ وهل سوف يعرفون بلادي الكويت؟!
وإذ بحارس المدرسة واقفا عند البوابة يتحدث باللغة الاسبانية وبالطبع لم افهم منه شيئا و طلبت منه ان يتكلم بالإنكليزية، فقال هل تريد المساعدة؟، قلت له إنى جئتكم زائرا من الكويت وأود فقط ان ألقي التحية وقلت في نفسي هل من الممكن ان يكون قد سمع بها فرد قائلا من الكويت!! فقلت نعم هل تعرفها؟ فقال نعم انني اعمل حارسا الآن ومدرسا أيضا لمادة الجغرافيا في ذات الوقت، اخذني وهو في غاية السعادة حيث قال لي باني اول كويتي يراه على هذه الجزيرة فهي بعيدة جدا من هنا ومن المؤكد أن مشوار السفر كان طويلا.
وصلنا الى مدير المدرسة وكان الطلاب آنذاك منهمكين في نشاط الصباح يمارسون التمارين الصباحية، ألقيت عليه التحية وقدمت له كتابا هدية من فريق الغوص الكويتي تقديرا لمؤسستهم التعليمية التي يعقد عليها الآمال بإنقاذ جيل ينشأ في دولة هي الأكثر عنفا في العالم!
عدت الى مركز الغوص وجهزت معداتي لخوض البحر الكاريبي والبحث عن بقايا السفينة الغارقة منذ عام 1997 سفينة «النسر» بعمق 230 قدما أي 70 مترا تقريبا، ويقال إنها كانت في وضع سليم حتى وصل إعصار عام 1998 الذي حولها الى 3 قطع، ولكن العجيب فيها ان المرجان نما عليها واتخذ من السفينة مرتعا ومنزلا، فازدانت السفينة بالألوان الزاهية والكائنات الدقيقة، كما لاحظت انه بالرغم من ان الهندوراس من افقر البلدان في القارة الاميركية فقد تفاجأت باهتمامهم الكبير في البيئة وهي من أحرص الدول في القارة على مواردها الطبيعية، ففيها زراعة القهوة وقصب السكر والمعادن وصيد الأسماك ويتعهدون بالمحافظة عليها بشكل كبير، ففي أراضيها تنوع بيئي ثري فهناك اكثر من 6000 نوع من النباتات الوعائية و700 نوع من الطيور و250 نوعا من الزواحف و100 نوع من الثدييات? وهم يفتخرون بهذه الثروة الوطنية وهي أغلى عندهم من جميع ثروات الدنيا.

Twitter: @HamadBouresly

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي