No Script

رأي مالي

السياسة والتقلّبات وأسس السوق

No Image
تصغير
تكبير

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تطورات اقتصادية مهمة للغاية، بدءاً بمجرد مخاوف من تكهنات باندلاع حرب تجارية، قبل أن يؤكدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد إعلانه فرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم.
وتبع ذلك تصعيد من واشنطن تجاه الصين بعد توقيع مذكرة من شأنها تقضي بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الصين، الأمر الذي ردت عليه بكين من خلال فرض رسوم جمركية على السلع الأميركية.
وفي غضون ذلك،واصلت البيانات الاقتصادية الأميركية إظهار تحسّن قوة الاقتصاد الأميركي، بحيث تواصل معدلات البطالة في الولايات المتحدة تسجيل معدلات منخفضة قياسية شهراً بعد شهر، وفقاً للبيانات التي تعمل وزارة العمل الأميركية على نشرها بانتظام.


ومما لا شك فيه أن هذا التراجع في معدل البطالة يشكل أخباراً جيدة بالنسبة للعمال، إلا أن الأجورلا تحقق نمواً بنفس السرعة التي كانت عليها في السابق.
وأثبتت التطورات الاقتصادية المتلاحقة حتى الآن عدم صوابية آراء المتشائمين، الذين كانوا يحاججون بأن البطالة المنخفضة، ينبغي أن تؤدي إلى ارتفاع في الأجور، وبالتالي لم يرتفع معدل التضخم.
هل ما سبق يعني أن أسعار الفائدة لن ترتفع أكثر، أو أنها سترتفع ولكن بمعدلات أقل بكثير من المتوقع، إننا نعتقد أن البنوك المركزية بحاجة إلى إعادة النظر بالطريقة التي يتم بها احتساب معدل التضخم، عند تحديد معدلات التضخم المستهدفة أو عند صياغة السياسات النقدية.
ونحن نعتقد أن الابتكار التكنولوجي الذي يعمل على تحسين الكفاءة، وخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية يعوق التضخم، فليس من السهل قياس تأثير الابتكارات التكنولوجية المستخدمة، بكل ما للكلمة من معنى، من قبل كل قطاع من قطاعات الصناعة.
ولكن إذا كان هذا صحيحاً، فإننا قد نكون نعيش في بيئة حيث تسود أسعار الفائدة المنخفضة، والبيئة التضخمية المنخفضة في المدى الطويل.
ومما لا شك فيه أن البنوك المركزية حول العالم ستنتبه في نهاية المطاف لهذا هذا التطور الجديد، وستجد طرقاً لاحتسابها، وأخذها بعين الاعتبار عند تحديد مستويات التضخم المستهدفة والسياسات النقدية الميسّرة.
ونحن نرى أن المستثمرين الذين يتبعون سياسات استثمارية حذرة، يعملون على مواكبة هذه الحجة كما أنهم سعداء باستهداف القطاعات التي تستفيد أكثر من غيرها مثل قطاعات التكنولوجيا على سبيل المثال.
ولقد كان هذا هو الحال على مدى السنوات القليلة الماضية، وما تغيّر هذا العام هو بعض التغييرات في السياسة التجارية الأميركية ضد الصين وروسيا وبعض الدول الأخرى، بالإضافة إلى بعض الشركات المحددة كما هو الحال مع «Facebook» و«Amazon».
وبالتأكيد ليس من السهل تجاهل أي احتكاك أو اشتباك تجاري عالمي، يرتبط بالتعريفات التجارية أو الحمائية التجارية، ونحن نعتقد أن ذلك مبالغ فيه إلى حدٍّ ما، إذ تميل الرسوم الجمركية لأن تكون سياسات انتقامية لشيء آخر.
إن النزعة الحمائية تتراجع وتتقلص في الوقت الذي تستمر فيه التجارة العالمية بشكل عام بالنمو والتطور، وينبغي على المستثمرين التركيز على العوامل طويلة الأجل، التي تؤثر على أداء أسواق الأسهم بدلاً من المخاوف على المدى القصير، ويمكن أن توفر عمليات التصحيح في السوق، في بعض الأحيان فرصة شراء للمستثمرين على المدى الطويل.
إن الابتعاد عن التوتر السياسي والتركيز على الاقتصاد الأميركي، الذي يستمر في إظهار المزيد من القوة في توفيرالوظائف ونمو الأجور، هو ما يهم السوق في نهاية المطاف.
وأظهرت أحدث بيانات التوظيف الأميركية، ارتفاعاً حاداً في كشوفات الرواتب، في الوقت الذي يستمر فيه معدل البطالة منخفضاً عند مستوى 4.1 في المئة، بينما يعاني نمو الأجور من تباطؤ بسيط وهو الأمر الذي يوفر بعض الطمأنينة بشأن خطر التضخم في الأجور.
إن تأثيرات التخفيضات الضريبية على الشركات والأفراد التي اقترحتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأقرها الكونغرس الأميركي في نهاية العام الماضي، إلى جانب الإنفاق على البنية التحتية لم تظهر تأثيراتها في الاقتصاد الأميركي حتى الآن، على أنه من المتوقع أن تبدأ هذه الآثار بالظهور في الأشهر المقبلة، ويجب أن يكون لهذين العاملين تأثيرات إيجابية على إيرادات وأرباح الشركات.
أما عن الحرب التجارية وتبادل الأدوار في فرض الرسوم الجمركية أخيراً، بين دونالد ترامب والصين، فإن حجمها وقيمتها بالمقارنة مع حجم التجارة العالمية قد تكون بسيطة جداً.
وقد يقول البعض إن قيمة سياسة العين بالعين الأخيرة بين أكبر اقتصادين في العالم، قد تصل إلى نحو 100 مليار دولار، ولكن ما هو هذا الرقم بالمقارنة مع الاقتصاد العالمي الذي يعادل مئات التريليونات من الدولارات.
بالتأكيد هناك الكثير من التصريحات والتحليلات حول حرب تجارية، الأمرالذي يدفع بالأسواق إلى حالة من عدم اليقين، إلا أن العوامل الأكثر أهمية التي تؤثر على الأسواق هي الاقتصاد، وتقييم أرباح الشركات والتوقعات المستقبلية.
ويجب على أرباح الشركات الأميركية أن تحقق نمواً قوياً هذا العام، فليس من المنطقي أن تتراجع الأسواق في الوقت الذي تتحسن فيه كل الأسس في الوقت نفسه.
ونحن نتوقع أن يسجل قطاع التكنولوجيا نتائج جيدة في الربع الأول من هذا العام، والمثير للدهشة أن هذا القطاع هو الذي شهد عمليات بيع مكثفة، وإننا نعتقد أن قطاع التكنولوجيا سيدفع السوق للارتفاع بشكل أكبر بعد البدء بإعلان نتائج الربع الأول.
وقد يحاول المستثمرون على المدى القصير التلاعب بالسوق، إلا أننا لا نعتقد أنهم سينجحون، أما بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل، فإن نصيحتنا تتمثل في استغلال التذبذب على المدى القصير، بحيث إن الأسس في تحسّن مستمر يوماً بعد يوم.
إن التاريخ هو في صالح المستثمرين على المدى الطويل، إذ حقق مؤشر «S&P500» منذ الانهيار الاقتصادي والمالي الذي عرفه العالم في عام 2008 وحتى شهر مارس 2018 مكاسب بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي، في الوقت الذي ارتفع فيه مؤشر «Nasdaq» بنسبة 20 في المئة على أساس سنوي أيضاً.
وهنا الحجة بسيطة للغاية، إذا لم تتسبب التصحيحات الصغيرة الأخيرة في إلحاق ضرر كبير بربحية الشركات ومشاعر المستثمرين، فإن هذه المرحلة قد تشكل فرصة شراء جيدة للمستثمرين على المدى الطويل.

 * نائب الرئيس لإدارة الأصول في شركة رساميل للاستثمار
(@Rasameel)

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي