No Script

«الراي» تروي حكاية «الثروة الدفينة» العالقة في شِباك تعقيدات تقنية وسياسية داخلية وخارجية

نفط لبنان... التنقيب في «حقل ألغام»

تصغير
تكبير
سركيس:

مسؤولون رأوا في الثروة الموعودة فرصة لتكديس المليارات

عجاقة:

الثروة النفطية اللبنانية محط تجاذبات سياسية ومحاصصات

قباني:

لا توجد تسوية للبدء بالتنقيب في المنطقة المتنازع عليها

الذهبي:

الغاز يتمتع بمستقبل في العالم في ظلّ التحوّل من الفحم الحجري إليه
... السياسة، الأمن والاقتصاد، تشكّل «الأضلع» لما يشبه «مثلّث برمودا» الذي «ابتلع» ملف النفط والغاز في لبنان مرّاتٍ عدّة ليعود و«يطفو» على سطح المشهد الداخلي سواء عبر تحركات خارجية ولاسيما أميركية، ولو متقطّعة، تجاه بيروت المهجوسة بمحاولة اسرائيل وضع يدها على الثروة اللبنانية، او من بوابة محاولات «التنقيب» عن مخارج للخلافات بين الأطراف الأساسيين اللبنانيين الذين لم ينفكّوا يسعون للدخول على خط تَقاسُم «الكنز» النفطي المنتظر وضمّه الى «لعبة المحاصصة» و«قواعدها» الطائفية - السياسية.

والواقع أن ملف النفط والغاز قفز الى الضوء في الأسابيع الأخيرة من زاوية سياسية داخلية سرعانَ ما جرى «إغراقُها» بسياقٍ خارجي تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد من ضمن مشهديةِ «حقول النار» في المنطقة «الملتهبة»، حتى تَشابكت خيوط عودة هذا الملف الى الواجهة وضاعت خطوط تعقيداته المتمثّلة تقنياً وسياسياً بالإشكالات الحدودية مع سورية وقبرص وإسرائيل والتشابُك في الثروات النفطية في المياه الاقليمية اللبنانية ولا سيما مع الدولة العبرية.

وفيما كان لبنان يقبع في «حفرة» الفراغ المتمادي في الانتخابات الرئاسية والمستمرّ منذ أكثر من 27 شهراً، باغتتْ المشهد السياسي «ورقة التفاهم النفطي» التي توصّل اليها رئيس البرلمان نبيه بري وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون قبل نحو شهرين والتي أَنزل معها ملف النفط والغاز من «على رف» الخلافات التي عرقلته لنحو 3 سنوات، قبل ان يتّضح ان التفاهم الثنائي بين الرجلين ليس كافياً ليشكّل «كاسحة ألغام» في هذا الملف الاستراتيجي بل انه أَحدث «نقزة» لدى فئات سياسية عدة لم تستسغ تظهير وجود عملية «تقاسُم لجلد الدبّ» حتى قبل اصطياده من طرفيْن بدا وكأنهما يملكان «مفاتيح البحر» ومكامنه.

ومنذ ان تَصاعد «الدخان الأبيض النفطي» من عين التينة (مقر الرئيس بري)، تم التعاطي مع هذا الانفراج على انه في سياق تحضير الأرضية لإنجاز الانتخابات الرئاسية انطلاقاً من ترتيب عون علاقاته داخل فريق 8 آذار وتحديداً مع بري في ضوء الـ «لا» الكبيرة التي يرفعها الأخير امام انتخابه رئيساً وتحبيذه خيار النائب سليمان فرنجية.

وعلى مدى أيام، عاشت بيروت في أجواء أن هذا «التفاهم النفطي» فتح الطريق أمام إطلاق آلية المزايدة واستدراج العروض، إضافة إلى إقرار مشروع قانون الضرائب بعدما جرى «تفكيك» التباين حول اولويات التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكات البحرية العشرة المحدّدة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان (تناهز مساحتها 22 ألف كيلومتر مربّع) واذا كان سيبدأ من الجنوب او الشمال، وذلك على قاعدة أن تتضمّن الدفعة الأولى من البلوكات التي ستُعرض ضمن مناقصات التنقيب أقله «بلوك» واحد قبالة الشواطئ الجنوبية، مباشرة عند الحدود البحرية مع اسرائيل، وهو ما أصرّ عليه بري لقطع الطريق على سرقة الدولة العبرية جزءاً من الغاز اللبناني، نتيجة وجود مكامن غازية تمتدّ على طرفيْ هذه الحدود.

الا ان «انتكاسة نفطية» سرعان ما سُجّلت مع رفْع رئيس الحكومة تمام سلام «بطاقة صفراء» امام هذا التفاهم مسجلاً موقفاً اعتراضياً بحديثه عن كثير من اللغط يحوط ملف النفط «الذي يحتاج الى مقاربته بتوافُق كل القوى» وصولاً الى الجزم بأنه لن يدعو اللجنة الوزارية المكلّفة الملف تمهيداً لجلسة وزارية تقرّ المرسومين المتعلّقيْن بتقسيم المياه الاقتصادية اللبنانية الخالصة الى عشر رقع وبمسودة اتفاقية تقاسم الانتاج بين الدولة والشركات، معتبراً ان الأمر له علاقة «بمسار متكامل».

وبدا في خلفية «فرْملة» ملف النفط ايضاً عامل الفراغ الرئاسي، وسط معلومات لـ«الراي» عن ان «تيار المستقبل» يصرّ على عدم إقرار أي من المراسيم ومشروع القانون قبل انتخاب رئيسٍ للبلاد، وإلا أُعطيت رسالة بأن الوضع في البلد يسير على ما يرام رغم عدم وجود رئيس وبأن ثمة إمكانية لبتّ ملفات بهذا الحجم والأهمية الوطنية والاستراتيجية بمعزل عن وجود رأس للدولة.

وفيما كان «البُعد اللبناني» لملف النفط يتحرّك على «صفيح» الاستحقاق الرئاسي، برز تظهير إعلامي داخلي لهذا الأمر على خلفيات خارجية أبرزها ارتسام ملامح «سباق» روسي - اسرائيلي على تركيا كممرّ للغاز الى اوروبا.

وجرى التركيز في هذا السياق على اتفاقية المصالحة بين أنقرة وتل ابيب وما يمكن ان ترتّبه من تداعيات أمنية واقتصادية في المنطقة ولا سيما إمكان ان تزيد من فرص نفوذ اسرائيل وقدرتها على التحكم بالحقول النفطية المشتركة والمتداخلة في حوض المتوسط مع كل من لبنان وقبرص ومصر، ناهيك عن استفادة تركيا من هذه المصالحة لجعل أراضيها الممر الرئيسي لصادرات الغاز الطبيعي لشرق المتوسط الى أوروبا، وهو ما استند اليه الداعون الى ان يُسرِع لبنان في إطلاق القطار النفطي صوناً لحقوقه من الأطماع الإسرائيلية وتأميناً لمصادر تسويق صادراته النفطية الى أوروبا اضافة الى تثبيت موقعه الجيوستراتيجي في المنطقة.

كما برز ما أوردته تقارير صحافية عن ان تَوافُق بري - عون النفطي سبقه تَفاهُم بين وزير المال علي حسن خليل (من فريق بري) ومسؤولين روس تضمّن إبداء موسكو استعدادها للعمل في البلوكات الثلاثة الجنوبية في المنطقة الاقتصادية البحرية للبنان، مع التزام روسيا معالجةَ أي أزمات قد تفتعلها اسرائيل.

وفيما أكد الوزير علي حسن خليل لـ«الراي» ان زيارته لروسيا «لم تشمل اي تفاوض مع شركات التنقيب عن النفط لمحاولة تلزيمها منطقة الجنوب المتنازع عليها مع العدوّ»، برز في الموازاة استعجال واشنطن - عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين - لبنان تسوية الخلاف على ترسيم الحدود البحرية المتنازَع عليها مع اسرائيل عبر وساطة تضطلع بها لهذه الغاية. علماً ان لبنان يشترط حصْر التعاون في ذلك مع القوة الدولية (اليونيفيل) تحت سقف القرار الدولي 1701، بغية تَجنُّب أي استدراجٍ سياسي له في اتجاهات مريبة. مع الاشارة الى ان النزاع مع اسرائيل التي رسمت حدودها البحرية من جانب واحد، يتعلّق بنقطة حدودية بحرية تعرف حالياً بالنقطة 23 وهي نقطة مشتركة بين لبنان واسرائيل وقبرص، ومحاولة اسرائيل السيطرة على مساحة تُقدّر بـ 865 كيلومتراً مربعاً من المياه الاقليمية تضمّ بلوك 8 وبلوك 9 اللذين يُقال إنّهما يحويان كميات كبيرة جداً من الغاز.

هذا في الخلفية السياسية، اما تقنياً فإن «بداية الحكاية» هي من المنطقة التي تحتوي على الحقول النفطية والغاز والتي تسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة ومساحتها حوالي 22000 كلم2، وهي بالمبدأ يجب ان تتضمن البرّ وهو من الناحية الغربية، ومن الناحية الشمالية اي في البحر يجب ان يكون هناك خط يفصل بين لبنان وبين سورية، وفي الجنوب من ناحية البحر ايضاً من المفترض ان يكون هناك خط يفصل لبنان عن اسرائيل، ويجب ان يكون هناك خط الوسط في البحر ايضاً الذي يفصل لبنان عن قبرص.

والواقع ان الحدود مع سورية لم ترسم بعد، والحرب الدامية فيها اليوم تعوق تقديم اي طلب رسمي لترسيم الحدود، علماً ان سورية قضمت من الداخل اللبناني البحري 900 كلم2 ولزمت فيه التنقيب لشركة غاز بروم الروسية، دون ان تبرز اعتراضات من بيروت بحجة الظروف الراهنة في سورية.

اما الحدود مع قبرص فرُسمت والحكومة وقّعت على الترسيم ولكن لم يجرِ تصديق الاتفاقية في مجلس النواب لأن لديه نقاطاً يحتج فيها على قبرص.

وهنا يشرح رئيس لجنة الأشغال والطاقة النائب محمد قباني لـ«الراي» عن أصل الخلاف الذي حصل اثناء المباحثات بين الوفدين اللبناني والقبرصي، «حيث اقتصر الوفد اللبناني على مهندسين اثنين فقط، بينما كان الوفد القبرصي يتألف من 8 اعضاء بينهم اثنان من كبار القانونيين في الحدود البحرية، وذلك العام 2007»، وقال: «في ذلك الوقت الوفد اللبناني كان ضعيفاً ووافق على أمور استُغلت لاحقا وأبرزها، النقطة الجنوبية في الخط الوسط، هي تحمل الرقم 23. وقبل الوصول الى الترسيم النهائي ارتؤي ان توضع نقطة رقمها واحد، فوضع الخط من نقطة واحد الى نقطة 6. واحد هي النقطة الموقتة بيننا وبين قبرص في الجنوب، و 6 هي النقطة الموقتة بين لبنان وقبرص من ناحية الشمال. وقضى الاتفاق بين لبنان وقبرص بمنع اي طرف من توقيع اي اتفاقية دون موافقة الطرف الثاني، فيما يتعلق بالنقطتين واحد وستة، لكن قبرص لم تلتزم ووقّعت اتفاقاً مع اسرائيل استعملوا فيه النقطة واحد بدل النقطة 23 باعتبارها نقطة ثلاثية بين لبنان وقبرص واسرائيل».

وفيما يتعلق بالخط الفاصل بين لبنان واسرائيل، النقطة في البر محدَّدة وهي جنوب الناقورة، ويبقى الخلاف على النقطة في البحر، واسرائيل تدّعي ان هنالك مثلثاً بين النقطة 1 والنقطة 23 مساحته 865 كلم2. وبحسب قباني، فإن «لبنان يرفض هذه الكلام ويعتبر النقطة 23 هي الحد الفاصل، وهذا المثلث الذي تدّعيه اسرائيل هو جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة الى لبنان، وهنا تدخّلت اميركا بإجراء وساطة بين البلدين مؤكدة على حق لبنان بـ 55 بالمئة من هذه المنطقة فرفض الجانب اللبناني مصراً على المنطقة كلها اي الـ 865 كلم2».

ويضيف قباني: «طلب لبنان من الامم المتحدة ترسيم الخط الازرق بين لبنان واسرائيل في البحر كما في البر ولكن الأمم رفضتْ لأن البحر ليس من مهماتها كما تقول، الا ان لبنان بقي متمسكاً بسقف القرار 1701 منتظراً قراراً مشابه للبحر تجنباً لاي نزاع مستقبلي حول ترسيم الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة». كما نفى ما تردّد عن تسوية للبدء بالتنقيب في المنطقة الجنوبية المتنازع عليها مع اسرائيل على ان يتم وضْع المال في صندوق محايد ليوزَّع بين لبنان واسرائيل حال تسوية الخلاف، مشيراً الى «ان تقسيم البلوكات الى عشرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان كان أفضل الممكن الذي أوصى به خبراء الجيولوجيا»، ولافتاً الى «ان لبنان سيبدأ في حال استدرج العروض للتنقيب بثلاثة بلوكات واحد منها في الجنوب لربْط نزاع مع اسرائيل حول أحقية لبنان بالنفط الموجود في تلك النقطة لانها داخل حدوده، علماً ان البدء بثلاث لا أكثر هدفه ان يكتسب لبنان قوة تفاوض تدريجية في استدراج العروض الانسب والتي تعود بالنفع على الدولة اللبنانية».

وفيما يتعلق بالتقارير التي أشارت الى ان نفط لبنان أمام خياريْن إما الانضمام الى خط الغاز الاميركي - الاسرائيلي او انتظار الخط السوري - الروسي، يرى قباني «ان الأمر ليس بهذه السهولة اذ ان مخطط اسرائيل كان يقضي بنقل النفط من خلال خط من الداخل الاسرائيلي، وأنبوب آخر من مصر الى قبرص، ومن قبرص أنبوب يتجه الى اليونان ومنها الى اوروبا، وتبيّن بعد ذلك ان الخط بين قبرص واليونان غير واقعي وكبير الكلفة ولا جدوى اقتصادية منه، ولذلك الخيار الوحيد الآن هو ان يمر خط الغاز والنفط من خلال تركيا وهذا هو سبب الاجتماع الذي حصل قبل نحو شهرين على مستوى عالٍ بين رجب طيب اردوغان ونتنياهو وخلفية هذا الموضوع كانت الغاز والنفط قبل اي شيء آخر».

اهتمام الدولة اللبنانية بالتنقيب عن النفط في البحر لم يلغِ الاهتمام بالتنقيب عن النفط في البر، فقد قدم قباني مشروع قانون يتعلق بذلك الى مجلس النواب قبل نحو شهر، في وقت يترقب المعنيون اذا كان اهتمام الشركات الكبرى بموضوع النفط اللبناني تراجع ام لا خصوصاً بعد ارتفاع تكلفة التنقيب والاستخراج عالمياً وتَراجُع أسعار النفط، علماً ان المعنيين يعوّلون على الوقت اذ ثمة احتمال بأن تتغيّر الأسعار في ست او سبع سنوات وهو الوقت المحدد مبدئياً لبدء التنقيب واستخراج النفط اللبناني.

وبالعودة الى المراسيم والقوانين العالقة المتعلقة بالنفط، فهناك مرسومان ومشروع قانون، واحد يتعلق بعدد البلوكات وإقرارها وهو لا خلاف حوله، ولا سيما انه تم الاتفاق على عدم تلزيم جميع البلوكات دفعة واحدة، وايضاً جرى التفاهم على عدم تحديد مسبق لموقع البلوكات، والمرسوم الثاني يتّصل باتفاقية الاستكشاف والتنقيب، epa وهذه الاتفاقية طويلة وتحتوي على الكثير من الشروط وهناك مَن يعترض على بعض الشروط.

وفي هذا السياق، طالب رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بالأخذ برأي الخبير النفطي نقولا سركيس الذي يعترض على عدة نقاط أبرزها حصة لبنان من الجعالة، ومنها موضوع انشاء شركة نفط وطنية noc تقوم بمشاركة الشركات الاجنبية بعمليات البحث والتنقيب. علماً انه بحسب مخطط هيئة ادارة قطاع النفط والبترول لن يجري إنشاء شركة نفط وطنية حالياً انما ستؤجل الى وقت لاحق.

الخبير سركيس شرح لـ«الراي» أهمّ العقبات التي تواجه الملف النفطي ومنها «ان بعض المسؤولين والسياسيين ورجال أعمال رأوا في الثروة الموعودة فرصة ليس لإنماء الاقتصاد الوطني بل لتكديس المليارات لهم»، لافتاً الى «ان لبنان هو البلد العربي الوحيد، وواحد من البلدان النادرة في العالم التي لم تطور حتى الآن شركة طاقة وطنية»، مضيفاً: «وتبقى طبعاً امكانية مشاركة القطاع الخاص في هذه الشركة، علاوة على ضرورة تحديد آلية عملها ومراقبتها للحؤول دون آفات البيروقراطية والفساد».

وفي ما خصّ هيئة ادارة قطاع البترول، يرى سركيس ان أعضاءها اختيروا وفق معايير طائفية وسياسية وغيرها من الاسباب التي لا علاقة لها بمستلزمات تنظيم صناعة بحجم صناعة البترول والغاز. «وهذا ما يفسر اعطاءها صلاحيات شكلية غير محدودة ومتضاربة بعضها مع البعض: ادارية، واستشارية وتنظيمية وتشريعية وتنفيذية وبيئية وسياسية، الخ. وهذا كله تحت اشراف مجلس ادارة من ستة أعضاء، أكثر من نصفهم لا تجربة له في اي من هذه المواضيع، ويبقى ان هذا المجلس يؤمن التوازن الطائفي، فضلاً عن انه يشكل ستاراً لما يودّ الوزير وغيره من السياسيين القيام به».

ويرى سركيس «ان أفضل نظام للبنان للاستثمار في الموضوع النفطي هو النظام المعروف بتَقاسُم الإنتاج، ذلك انه يوفق بين ضرورة إشراك الدولة في صناعة البترول والغاز وتَحمُّل مسؤولياتها في هذا القطاع الحيوي من جهة، وبين الافادة من خبرة وتمويل الشركات البترولية الكبرى من جهة ثانية، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بحفر آبار وإنتاج البترول والغاز من قاع البحر، وعلى أعماق تصل الى ألفي متر». ويشير الى «ان نظام الاستثمار هذا نصّ عليه أصلاً قانون 2010، الى ان جاء مشروع المرسوم التطبيقي الذي ما زال عالقاً لحسن الحظ، ونقض هذا القانون عندما نصّ على عدم مشاركة الدولة وعلى نظام آخر سماه «تقاسم الارباح». والواقع ان هذا النظام المستحدث يضيف سركيس «لا وجود له لا في اي بلد آخر ولا في ادبيات الاقتصاد البترولي. بل هو، من حيث الشكل، أقرب ما يكون الى نظام الامتيازات القديمة التي اختفت تماماً منذ تأميمات السبعينيات من القرن الماضي، ولكن بشروط أسوأ بكثير من الامتيازات القديمة».

وفي ما يتعلّق بحصة لبنان من النفط والغاز يقول البروفيسور جاسم عجاقة لـ «الراي» انه في العام 2010 أظهرت عمليات المسح السيسمي التي قامت بها وكالة الـ USGS الأميركية أن الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسط يحتوي على كميات كبيرة من الغاز وكميات أقلّ من النفط.

ويبلغ حجم الثروة النفطية في لبنان بحسب الـUSGS نحو 1689 مليون برميل من النفط و122378 بليون قدم مكعّبُ من الغاز و3075 مليون برميل من الغاز السائل كمعدّل وسطي.

ويوضح عجاقة انه «عندما نتحدث عن معدل وسطي نقصد به الكمية الأكثر احتمالاً. بمعنى آخر، بما أنّ النفط لا يُمكن رصده مباشرة بل عبر مكوّناته من الهيدروكاربون، وبما أنّ هذه المكوّنات تحتاج إلى ضغط وحرارة معينة لتصبح نفطاً، فإنّ تقدير الكمية يتمّ عبر إعطائها احتمالاً. وهذا ما فعلته منظمة الـ USGS التي أعطت الكميات التي تتناسب مع الاحتمالات الثلاثة 5%، 50% و95% (P[Q>Qo]). وبتطبيقٍ عمليّ على الثروة النفطية اللبنانية التي افترضناها ثلث الثروة الموجودة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسط، توصلنا إلى أنّ صافي مردود هذه الثروة بعد احتساب كلفة المنشآت والتنقيب وحصة الشركات، يبلغ 206 مليار دولار أميركي (مع احتمال 95 بالمئة) و930 مليار دولار (مع احتمال 5 بالمئة).

هذا الواقع بحسب عجاقة، يجعل من الثروة النفطية اللبنانية، محط تجاذبات سياسية ومحاصصات نظراً إلى حجمها الهائل مقارنةً بحجم الاقتصاد اللبناني.

مسار «قطار النفط»... من الألف إلى الياء

| بيروت - من ميليسا لوكية |

رسم رئيس هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان وسام الذهبي عبر «الراي»، مسار ملف النفط والغاز في جانبه التقني والعوامل التي أفضت الى عودته الى الواجهة والنقاط العالقة فيه.

وأوضح الذهبي انه «في ابريل 2016 وردت معطيات جديدة لهيئة إدارة قطاع البترول مستندةً إلى مسوحات زلزالية تم الاستحواذ عليها من قبل شركة في العام 2002»، وقال: «عملتْ الهيئة على تحليل هذه البيانات واستخلاص النتائج التي تؤكد وجود مكامن واعدة في المنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً. ثم تمّ رفْع تقرير بالمعلومات والنتائج لتُوضع برسم كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل. وهذا ما أدّى إلى تسريع وتيرة إعادة إطلاق الملف محلياً في الوقت الحالي».

وتطرّق في السياق نفسه الى «البُعد الجيوستراتيجي المتمثل في التقارب التركي - الاسرائيلي الذي أفضى إلى توقيع اتفاق ثنائي يتضمن في الشقّ الاقتصادي منه إمكان إنشاء أنبوب من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة إلى السواحل التركية، ما يحتم على الدولة اللبنانية الإسراع في بتّ هذا الملف والعمل على إعادة إطلاق دورة التراخيص الأولى للتنقيب والاستكشاف في المياه البحرية اللبنانية».

واذ لفت الى «ان المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان تبلغ مساحتها 22 ألفا و 700 كيلومتر مربع»، عاد بالذاكرة إلى الوراء في محاولة لشرح متى بدأت المسوحات، وقال: «المسح الجيولوجي الأوّل الذي جرى في لبنان كان قبالة الشاطئ في مدينة طرابلس الواقعة في الشمال بين عامي 1993-1994. ثم بين 2000-2002 جرى مسح آخر ثنائي الأبعاد. ومن الـ2007 جرت مسوحات ثنائية وثلاثية الأبعاد. أما بالنسبة إلى البر، فقد جرى بين 1955 حتى 1965 حفر 7 آبار في مناطق عدّة على أساس أنَّ الشركات المهمة ستأتي للعمل في لبنان والاستثمار في هذا القطاع».

في العام 2006، عملت وزارة المال اللبنانية ووزارة الطاقة والمياه والحكومة مع الجانب النروجي لتحضير الإطار التشريعي لقطاع النفط، فوُضعَت السياسة النفطية للبنان التي أقرت في العام 2007 قبل أن يلحقها القانون المتعلّق بالنشاطات البترولية في المياه البحرية اللبنانية في العام 2010.

وإذ يرى الذهبي أنَّ كلّ هذه التحضيرات كانت ضرورية لإحراز التقدّم، يشير إلى أنَّ الهيئة التي يترأسها تأسّست في نوفمبر 2012 «والهدف منها تنظيم قطاع النفط والغاز، مع العلم أنَّها تتكوّن من 6 أقسام وتتمتّع باستقلالية مالية وإدارية كبيرة، رغم أنَّ وزير الطاقة والمياه الحالي أرتور نظاريان هو صاحب وصاية عليها».

وقد قام لبنان باطلاق دورة تراخيص، ويقول الذهبي: «في حوض المتوسط الأعماق شديدة العمق، لذلك قمنا بدورة تأهيل مسبقة للشركات التي ستكون مخولة المشاركة في دورة التراخيص الأولى، وحرصنا على مد جسور التعاون مع شركات كبيرة صاحبة خبرة في المواضيع التقنية، المالية، البيئة، القانونية والصحية والبيئية، لأنَّ الشركات الصغيرة لا تستطيع العمل في هذه المنطقة، وبالتالي هذه الشركات تؤلف نوعاً من الائتلاف أو مشروعاً مشتركاً لتقديم طلب مزايدة، بالتعاون مع شركتين أخريين على الأقل».

وحتى الآن، لم يقر مجلس الوزراء مرسوم دفتر الشروط واتفاق الاستكشاف والإنتاج الذي ينظم العلاقة بين الدولة والشركة من حيث نسب تقاسم الإنتاج وكيف يتم إمداد السوق المحلية بالنفط والغاز وغيرها، لأسباب سياسية، وفق الذهبي الذي يؤكّد «أنَّ الهيئة أنجزت هذا الموضوع، وحضرت مسودة الاتفاق واجتمعت مع نحو 20 شركة عالمية قدّمت تعليقاتها حول مسودة الاتفاق».

وفي حين بدأ لبنان بدورة التراخيص في الـ 2013، يرى الذهبي أنَّ «صناعة النفط والغاز اختلفت بعد 3 سنوات، إذ تراجعت الأسعار مثلاً، فيما الشركات أصبحت تتبع سياسة تقشفية حيال الإنفاق، أو تمتنع أحياناً عن تطوير بعض الحقول إلى أن تعاود الأسعار الصعود، تقلّص موازنات الاستكشاف وتنسحب من بعض المناطق».

وأمام هذا الواقع، ما التحديات التي تعترض لبنان؟ يجيب الذهبي: «ثمة تحديات تواجهها هذه المنطقة عموماً التي تحتاج إلى بنية تحتية كبيرة وهي: استقطاب الشركات العالمية لتستثمر مليارات الدولارات، إيجاد الأسواق وإنشاء البنى التحتية».

وهل يمكن للبنان أن يحجز له مكاناً على خريطة «النفط والغاز» العالمية؟ يقول: «الغاز ليس مثل النفط، إذ إنَّ الغاز بحاجة إلى سوق. وفي لبنان، السوق المحلية صغيرة، بدليل أنَّ حجمها 0.2 ترليار قدم مكعبة وقد تُستخدم هذه الثروة في معامل إنتاج الكهرباء، الصناعات والنقل في ما بعد ودعم موضوع الكهرباء».

وفي حين يشدّد على أنَّ «السوق موجودة والغاز يتمتع بمستقبل في العالم في ظلّ تحوّل البلدان من الفحم الحجري إلى الغاز مثل الصين»، يقول «الغاز في لبنان يكفي عشرات السنوات وتستطيع بلدان محيطة مثل الأردن مثلاً الاستيراد، أو حتى دول أوروبية. ولكن علينا أن نحزم أمرنا ونقرّ المرسوميْن المتعلّقيْن بدفتر الشروط واتفاقية الاستكشاف والإنتاج، والبلوكات البحرية (10 بلوكات)، إلى جانب موافقة مجلس النواب على مسودة القانون الضريبي للنشاطات البترولية ليصار إلى إطلاق العملية واعتماد التلزيم التدريجي لأنَّ الدولة عاجزة عن تلزيم كل شيء».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي