No Script

تأبين / في أول الليل ركب سفينة الغياب... ورحل

محمد خالد القطمة... سيرة إنسان توهج إبداعاً وطيبة

تصغير
تكبير
| كتب مدحت علام |
تأخذنا الذاكرة إلى أيام قليلة مضت... لنتذكر معاً الكاتب السوري محمد خالد القطمة «رحمه الله»، نتذكر ذلك الإنسان الذي عاش بيننا كطيف جميل ترك انطباعه النبيل في كل القلوب، بجلبابه وابتسامته الدائمة في وجوه ضيوفه، وأي عابر يقابله... بتواضعه الجم، وتواصله الدائم مع الأصدقاء، وتفانيه في نصرة الثقافة، والعمل الدؤوب في الحقول الابداعية.
انه الصديق الراحل من مؤسسي الصحافة في الكويت الكاتب محمد خالد القطمة الذي وافته المنية مساء الأحد الماضي... تاركا لنا ارثا ثقافيا وانسانيا، سنعيش على ذكراه ما حيينا.
وتاريخ القطمة مع الصحافة طويل... فقد بدأ العمل فيها منذ عام 1955 عبر جريدة «صدى لبنان» ثم انتقل الى جريدة «البناء» السورية، ثم جرية «الأيام» بعدها انتقل الى جريدة «النصر».
وحينما وجد القطمة الظروف غير مناسبة لانطلاق أحلامه ذهب الى الكويت ليؤسس مجلة «اليقظة» وجريدة الهدف، لينتقل بعد ذلك للعمل في جريدة «الوطن» لتعود به الحياة بعد ذلك الى بيروت ومن ثم ترأس تحرير «الحوادث» وتسير عجلة الحياة كي يعود مرة أخرى الى الكويت مؤسسا جريدة «الأنباء» التي كانت تحمل اسم «اخبار الكويت» كي يصدرها عام 1976 حتى عام 1982.
وبعد هذا المشوار الطويل مع الصحافة مؤسسا ومديرا... وبعد الغزو انتقل الى العمل في دار سعاد الصباح للنشر مديرا عاما لها، بعد انتقال الدار من القاهرة إلى الكويت.
ولقد ظل القطمة على رأس عمله في دار سعاد الصباح الى ان وافته المنية... مخلصا في عمله متفانيا في اكتشاف المواهب العربية الجديدة.
وخلال هذا العمل المضني في الصحافة وادارة دار سعاد الصباح، صدر لقطمة العديد من الكتب تلك التي تشير الى موهبته الابداعية، ومن ثم فقد تنوعت هذه الاصدارات بين الكتب السياسية والاخرى الادبية. ومنها «الاسبوع ستة أيام» و«قصة الدولة الدرزية»، «ونهر الاحزان» وديوان الشعر «بين الوردة والسكين» و«يبقى الاسبوع ستة أيام»، و«كلام يشبه الشعر».
وربما يكون كتاب «كلام يشبه الشعر» اكثر اصداراته تجسيدا لمشاعره، وملامحه الانسانية، وهو كتاب جمع فيه خلاصة فكره، وأحاسيسه ومن ثم فقد كان قريبا جدا فيه من الواقع ليقول عبر نص «كلمات آخر المهزومين»:
من يكتب شعراً سوف يموت
ومن يكتب نثرا سوف يموت
فالقتل قرار اعرابي ضد النثر وضد الشعر
اعطني يدك فقد قطعوا رسغي بالقهر
في عصر الزانية الكبرى تركبنا الخيل
ويل للفارس كيف يدوس عليه المهر
ويظل العاهر يصرخ مثل الضفدع
صرت الماء وصرت النهر
وتظل الكويت حاضرة في ذهن القطمة، وهو الذي كان يأمل الحصول على جنسيتها، بعدما افنى عمره كله في خدمتها صحافيا ومبدعا ليقول في قصيدة «سوار الكويت»:
اي ذئب مخبأ عند بابي
ينفث السم في دماء شبابي
قد حسبت الاحسان يُجزى بخير
فإذا الحقد عقرب في اهابي
وفي تواصل ذهني مع النفس يقول: «اهرب من زمني من ظلي/ من طعنة رمح/ اشعر اني مقطوف من شجرة الملح/ مصلوب في الغابة امس/ ظمآن وفي جو في بئر/ تغمرني امواج الحزن في بحر الجرح».
ثم يتحدث القطمة عن فلسفته في نص «همزة وصل»... «يتغير في عالمنا شكل الاشياء/ تتغير كل الاسماء/ وتثور بأضلاعي الانواء؟ ياهمزة وصلي بالدنيا/ يا ألف الكون أنا كلياء/ بي يبدأ عالمك الغافي/ وبهمسك تخضر الصحراء».
ان القطمة المبدع يختلف كثيرا عن القطمة الصحافي والسياسي، فحينما يكتب الشعر والادب تكون رؤيته اكثر شفافية واقترابا من حلمه، الذي يتوهج طيبة واخلاصا، هذا التوهج رغم اننا نراه في كتاباته الصحافية سواء السياسية او الاجتماعية ولكن في اشكال مختلفة ومتباينة.
من الف عام
ما زلت ابحث عنك في قلب الظلام
حتى اذا ادركت ان الحب كالايام
ضاع مع الزحام
القيت اوراقي على شفة الحطام
ودفنت اوجاعي بمقبرة السلام
اغرقت في صمتي حكاية تائه
ما كان يدري ان في الصمت الكلام
وكتب القطمة «الى راعية عمره» نور عازار زوجته التي وقفت إلى جانبه في وقت ازماته، حينما خالفته الظروف، ليقول عنها:
احبك في الغروب وفي الشروق
كأنك تسكنين دم العروق
ولكن لا دماء تزور قلبي
اذا ابتعدت خطاك عن الطريق
ولا شمس ستشرق في عيوني
متى سافرت يأكلني حريقي
وكانت احلامه حاضرة... وذكرياته مسيطرة على افكاره: «ايها الصديق في الارض البعيدة/ بحثت عنك في زوايا الذاكرة، فما وجدت لك ذكرى، سألت عنك عنق المسافر فلم يعرفك/ ركبت اليك فلم المس رأسك/ اين انت/ اين الاصدقاء القدامى؟، اين يا غربة!».
لم تكن رحلة القطمة مع الصحافة والابداع عابرة، بقدر ما كانت متكئة على مخزون انساني كبير، حرص فقيدنا فيه ان يكون قيثارة تعزف الجمال والبهاء، وتحاور الاحلام بأكبر قدر من الصفاء والنقاء.
فليرحمك الله يا ابا نضال، وليقدرنا على تحمل عناء رحيلك المباغت نحن واهلك والاصدقاء.

السيرة الذاتية

محمد خالد القطمة
ولد في حماة السورية في 29 يونيو عام 1934
صدر له «الأسبوع 6 أيام»، و«اوراق من الذاكرة»، و«نهر الاحزان» و«بين الوردة والسكين»، و«يبقى الاسبوع 6 أيام»، و«كلام يشبه الشعر».
تخرج في الجامعة الاميركية في بيروت عام 1957
عضو دائم في جمعية متخرجي الجامعة
عضو جمعية الصحافيين الكويتية
عضو اتحاد الصحافيين في دمشق
عضو اتحاد الناشرين العرب
أسس العديد من الصحف في الكويت
شغل منصب مدير عام دار سعاد الصباح للنشر حتى وافته المنية



الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي