No Script

بيروت لا تزال المشهد المستمر في ذاكرته

حوار / أمين الباشا: لوحاتي تجاهر باستحضار المدينة لتثبيت صورتها

u0623u0645u064au0646 u0627u0644u0628u0627u0634u0627t(u062au0635u0648u064au0631 u062cu0648u0632u0641 u0646u062eu0644u0629)
أمين الباشا (تصوير جوزف نخلة)
تصغير
تكبير
| بيروت- من اسماعيل فقيه |

تتميز اللوحة عند الفنان التشكيلي امين الباشا بجملة من الامور الثابتة والمتحولة. ويمكن القول ان لوحة الباشا هي امتداد للمكان الذي يسعى الى تثبيته في اللون والشكل. ويأتي كتابه الضخم والمميز **«بيروت - امين الباشا - مائيات ورسوم 2009 - 1953» ليرسم الصورة الصافية للمدينة ويعيد ألقها.



تجربة الباشا مع اللوحة واللون طويلة، ولها كثير من الاصول التي تنتج ذاتها. فماذا يقول الفنان لـ «الراي» عن تجربته وألوانه والأشكال الهندسية التي تبرز في اعماله؟

• نبدأ من كتابك الضخم «بيروت- امين الباشا- مائيات ورسوم 2009 - 1953» ماذا تريد القول من هذا الكتاب الذي يستحضر ماضي المدينة عبر امكنتها المرسومة؟

لا تزال بيروت المشهد المستمر في ذاكرتي، وأقصد بيروت الاولى، التي عرفتها منذ طفولتي، حين كانت الحياة تضج بالحياة. والمكان او الامكنة التي استحضرتها في كتابي، هي واقع لامسته وعشته وشربته وتنفسته في مراحل مميزة عاشتها المدينة. ولأني ابن هذه المدينة، وإبن هذه الأمكنة التي اعطتني الكثير من الطاقة التي تحرّض على الحياة، كان لا بد لي من الوفاء لمدينة قاسمتني الامل والجمال والحب والسعادة. وجاء كتابي ليقول، باللون والصورة، ما يجيش في بالي وما يتحرك في خيالي وذاكرتي. ولكن مهما رسمت ولوّنت المدينة، ومهما حاولت القول والتعبير، تبقى الصورة التي انتجها على موعد مع البقية. للوحة التي ارسمها امتدادات كثيرة، فكلما انجزت عملاً اشعر بانني على موعد مباشر مع العمل التالي، وهكذا تستمر المدينة في بناء ذاتها داخل لوحتي وفي اعماق اللحظة التي اعيشها.

• هل تغيّرت المدينة اليوم وخصوصا أنك ما زلت تعيش في كنفها وتالياً، يمكنك مقارنة الزمن الحاضر للمدينة بزمنها الماضي الذي تستحضره؟

بالتأكيد تغيرت المدينة، ولا يمكن ان تبقى الاشياء على حالها. حتى الأبنية هي اليوم في حال غياب، لقد غابت الصورة الاصل وحلّت الصورة الجديدة. برزت الهياكل الجديدة وغابت الهياكل القديمة. التغيير حصل منذ فترة طويلة وما زال يتوسع ويمتد، وأتمنى الا نصل الى مرحلة الغياب الكلي للمدينة التي كانت منارة مميزة في مساحة الزمن.

• هل يمكن اعتبار لوحتك بمثابة تكريس للزمن الجميل الذي يجب تثبيته في الشكل واللون والاطار واللوحة، وتالياً فقد حاولت في اعمالك هذه بناء المشهد الثابت الذي لا يتحول؟

ربما تسعى اعمالي الى هذا الامر المهم. وهي حتماً اعمال لها امتدادها في الزمن، وتصل هذه الامتدادات الى العمق الاصيل، فإن ذلك يساهم، بقوة، في تثبيت الزمن الممتد على هيئة الشكل في اللوحة. نعم يمكن القول ان كتابي ولوحاتي عمل يجاهر باستحضار المدينة لتثبيت صورتها في الذاكرة. لوحتي ملتزمة انتاج الزمن العابر من جديد، ولا يمكن اللوحة التي ارسمها الا ان تكون الجواب الفوري عن سؤال الذاكرة.

• كيف تصف شعورك امام هذا التحول الذي طرأ على المدينة؟

انه شعور مليء بالاسئلة، وفي كل سؤال مئات الاجوبة القاسية. وأهم ما يميز شعوري في حال كهذه، هو هذا الحنين الكبير الى الزمن الذي عشته في مساحة المدينة، حيث كانت هذه المدينة بهجة يومية في عيون الناس، وصورة صافية ونقية وطاهرة في عيني وقلبي وروحي. ما زلت الى اليوم انظر الى المدينة بالعين ذاتها، العين التي رأيت بها هذه الامكنة للمرة الاولى. مهما كثرت الحواجز بين عيني والأمكنة العابرة، لا يمكنها ان تحجب الصورة الاصل، لا يمكنها حجب الاغنية المتربعة على عرش الهيكل. بيروت مدينة تطربني، وأمكنتها وشوارعها وناسها وعادات ناسها هي رمز اساسي لا يمكن القفز فوق اشاراته مهما طال الزمن ومهما قدّم وأنتج أشكالاً جديدة تصب في مساحة التحول.

• ماذا ترسم اليوم؟

أرسم الحياة. اللوحة في حياتي عمل يومي ومتواصل، لذلك تراني ارسم وأكتب وأُدوّن ولا اهدأ امام سيل الاحاسيس التي تدفعني دائماً للعمل والانتاج. ما زالت المدينة ممتدة على مساحة ذاكرتي، ولا يمكن القفز فوق هذه الاحاسيس ابداً، وتأتي اللوحة لتقول لي الكثير ولأقول لها الأكثر.

• لم تكتف بالصورة إنما لك كتابات وأعمال اخرى شعرية ومسرحية، هل الكتابة بالنسبة الى امين الباشا هي امتداد للوحة ام ان الصورة مختلفة عندك؟

لا شك ان كل الفنون اشبه بعائلة واحدة، وحين ارسم اشعر بانني اكتب، وحين اكتب اشعر بانني ارسم. وهذا امر طبيعي جداً، ان يصل الفنان الى هذا الشعور والى تلك الاحاسيس الفوارة. الكتابة عندي لا تقل اهمية عن الرسم والعكس بالعكس. ولكن حين ألجأ الى الكتابة، ككتابة قصيدة او مسرحية او قصة، فإن الامر عائد الى الحال التي اعيشها، اقصد المعنى الذي اسعى اليه. فأحياناً اشعر بانني منقاد الى الحرف واللغة اكثر من اللوحة والريشة واللون، وأحياناً يكون العكس. ثم ان هناك مواضيع مهمة، حين اسعى الى استحضارها، تفرض عليّ شكلها ولونها وطعمها. ويمكن القول ان المضمون الذي يشدني اليه، يفرض عليّ الشكل واللغة التي يجب ان اطلّ عبرها.

• متى تأتيك لحظات الإلهام؟

لا وقت لهذه اللحظات، انها تأتي فجأة وتغيب فجأة. الامر هنا عائد للمزاج، او للحظة التي يمكن ان تحمل في طياتها المفاجآت. ولكن في شكل عام، انا ارسم وأكتب في شكل يومي، ولكن التواصل مع العمل لا يكون في شكل يومي بمعنى انني اجهز للعمل، اخطط وأهندس وأضع خطاً مستقيماً لأسير عليه، ومن ثم انجز ما خططت له.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي