No Script

مصرّة على نبش ذاكرة الحرب من أجل أن تبقى عبرة للأجيال

حوار / التشكيلية جنان مكي باشو: ما زلت أرسم حياة الماضي الصعب!

تصغير
تكبير
|بيروت - من إسماعيل فقيه|
جنان مكّي باشو... فنانة تشكيلية ترسم الوجع والموت والقهر، وتواصل التوغّل عميقاً في مساحة هذا القهر وذاك العذاب، ذلك انها تعرف تفاصيل هذا الموت، وعرفته جيداً خلال ايام الحرب، وهي مصرّة اليوم ودائماً على نبش ذاكرة الحرب من اجل ان تبقى عبرة للأجيال، وليس من اجل التباهي بهذا التعب الكبير.
في ألوانها وأشكالها تمتد خطوط الطول الملتهبة، وخطوط العرض الصافية التي تحاول رفض السوء. وهنا يولد التصادم اللوني، وتصير اللوحة فعل ضوء مكهرب.
في معرضها الاخير قالت باشو، بألوانها، تفاصيل جديدة، نتعرف عليها اكثر في هذا الحوار مع «الراي»:
• ماذا ترسمين وماذا تقولين بألوانك؟
- ما زلت ارسم حياة الماضي الصعب، الماضي الأليم الذي عبر وخرج من حياتنا ان شاء الله.
• لماذا تستحضرين عبث الماضي ورعبه في لوحاتك؟
- استحضار قساوة الماضي وعنفه يهدف الى القول والمجاهرة بأن هذا الماضي خرج من حياتنا ولم يعد، ولن يعود. انا استحضر وقائع الماضي كي اقول ان حرباً أليمة حدثت، وإن حرباً قاسية دمّرت ايامنا وحياتنا، وحين اتوغّل في هذا القول، انما اتقصد ان اقول: الحياة الماضية كانت عبئاً كبيراً على الانسان، فكيف نعود اليها. انني اذكّر بالأسى كي لا نعود اليه.
> تستحضرين الماضي ليبقى في الذاكرة؟
- من الافضل ان تبقى صورة الماضي الأليم في الذاكرة، يجب ألا ننسى ما حدث، كي لا نعود اليه. فمن يذكر ويتذكّر الحرب، يعرف مآسيها، ومن لا يعرف تلك المرحلة السوداء عليه ان يتخيلها كي يرفضها، ولوحاتي تسعى الى هذا التحريض، الى هذا الفعل اللوني الجارح، لكن جروحه مفيدة وتعطي للإنسان مذاق الصبر والرفض لكل اشكال القهر والعذاب والموت.
• لماذا لا تتقصدين رسم الامل والاشراقات، الا يؤسس ذلك اكثر لفعل السلام داخل الذات الانسانية؟
- صحيح، رسم الامل يؤسس للسلام الداخلي للانسان ويجعله في مساحة الاشراقات، وانا ارسم هذا الامل، ولي لوحات كثيرة في هذا الاطار. ثم لا تنسى انني اضيف الى لوحاتي اشكالاً اخرى من جرعات الامل، من خلال التركيز على حيوية اللون. فمهما كان اللون الاحمر فاعلاً ومتفاعلاً، الا انه يرسم صورة مبطّنة للأمل والحب. ولا تنسى ايضاً انني قدمت الكثير من المنحوتات الخشب والحديد، وهي منحوتات مأخوذة من حديد الحرب. حولت قذائف الحقد ايقونات، والخشب الحزين حولته شكلا مبتهجا. أليس في كل هذا ما يؤسس للأمل؟
• نلاحظ في لوحتك لون الدم والعتمة، في حين نلاحظ في منحوتاتك لون الصراخ الجميل، لماذا هذا التناقض؟
- ليس تناقضاً ابداً، انه فعل متواصل ومأخوذ من رحم الحياة، لكل شكل معنى، ولكل صورة اطارها الصحيح. اللوحة لها دلالات في المدى الحياتي والانساني، والمنحوتة لها دلالاتها الفاعلة. وانا اسير باللوحة والمنحوتة في طريق واحدة: طريق توصلني الى حيث ما اريد، الى حيث المسافة التالية، المفتوحة على مسافات لا تنتهي.
اللوحة، لوحتي لا تتناقض مع منحوتتي، وكل ما اقدمه هو جواب مباشر، او مستتر على سؤال الحياة الكبير: لماذا لا يفكر الانسان في الخير والمحبة دائماً؟ لماذا يدخل الشر والألم الى قلوب الناس؟ لماذا كل هذا العذاب؟
• هل يفي اللون بغرض المعنى الكبير الذي تنشده روحك، بمعنى هل يمكن للوحة ان تساهم في تفسير كل الكوامن في ذاتك؟
- اللوحة هي اللون الشامل، واللون الشامل هو الاطار القابض على تفاصيل كثيرة، تبدأ ولا تنتهي. الحياة لوحة فيها كل الألوان، واذا حاولنا التشبيه بين اللوحة والحياة، سنجد صعوبة احياناً، وسهولة في احيان كثيرة. وانا اجمع بين كل هذه الصعوبة وكل هذه السهولة، وأسعى الى ارضاء الذات بحركة اللون، وحركة الشكل.
• هل تستوعب اللوحة كل الألوان والأشكال؟
- اذا انطلقنا من نظرية تقول ان بالشكل هو المضمون فهذا يعني اننا نستطيع الوصول الى الاشياء الممكنة والمستحيلة، واذا خرجنا الى نظرية اخرى، يمكننا تحويل المعنى شكلا آخر، وهكذا نستمر في التفسير، حتى نصل الى مستقر.
اللوحة، بالنسبة الي، نشاط مستمر وفاعل، ولها بقية خارج اطارها، فلا يمكن الاكتفاء بالشكل الثابت، وحين يكون الامر كذلك، لا بد للفنان من ان يجترح ويترك لمخيلته تحقيق توازن الوعي والصمت.
• بأي معنى؟
- اقصد ان التناغم اللوني يمكن ان يؤدي وظيفة التفسير المستتر، والشكل يحفظ الصورة ضمن المعنى الواضح. والفنان امام واقع مماثل يستطيع البناء وحتى الطيران.
• اين تصنّفين اعمالك في مساحة الفن التشكيلي؟
- التصنيف غير مهم، المهم ان يعرف الفنان ماذا يرسم ولماذا يرسم وكيف يرسم. المهم ان يحقق الرغبة التي تفي بغرض المعنى والابداع. التصنيف مسألة تحتاج الى كلام نظري لا يمكنني الدخول فيه، ليس لأنني لا اجيد التنظير، بل لأنني لا اؤمن بهذا النوع من الكلام. اللوحة تقول كل شيء، تُصنّف نفسها، تعبّر عن المضمون، وعن الظاهر. تقدّم جوانية الفنان وابداعه. اللوحة تكشف صاحبها، ان كان مبدعاً او هاوياً. فالناظر الى اللوحة ذكي ويعرف كيف يدخل بين حروف اللون، ولا يظن احد ان المهتم قد يُخدع باللون والشكل.
• تقصدين ان ثمة اعمالا فنية تشكيلية زائفة؟
- كما في كل الفنون، هناك دُخلاء وهناك من يلعب للوصول، ويا للاسف هناك من يساعد على تفشي هذا الواقع.
• من الذين تطاولهم التهمة؟
- كُثر.
• مثل من؟
- اولئك الذين يرسمون عشرات اللوحات خلال ساعة واحدة.
• كم يستغرق معك انجاز اللوحة؟
- اياماً وليالي اعيشها مع اللون والاطار كي احقق لوحتي. مزاجي ليس سهلاً، ورؤيتي صعبة، اقصد ان ما يعتمل في ذاتي يشبه البركان، ينفجر بسرعة لكنه يأخذ وقتاً كي يبرد، ليظهر الشكل واللون.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي