خطة الانسحاب تطلق جدلا حول جدوى الحرب
1 يناير 1970
08:05 ص
واشنطن - ا ف ب - من المرجح ان تثير خطة الرئيس باراك اوباما بالانسحاب من العراق، جدلا مؤلما يدور حول الفكرة التالية: بعد مقتل آلاف الجنود الاميركيين، وعدد لا يحصى من العراقيين، وبعد انفاق نحو تريليون دولار على الحرب، هل كانت هذه الحرب تستحق خوضها؟
وقال الرئيس السابق جورج بوش، الذي لم يكن يحظى بشعبية كبيرة، ان الغزو كان القرار الصائب وان استطلاعات الرأي متقلبة وان التاريخ قد ينصفه اذا خرج العراق بلدا ديموقراطيا مواليا للغرب.
لكن وفي الوقت الحالي تظهر الاستطلاعات، ان الشعب الاميركي نبذ في شدة الحرب بعد ست سنوات من بدئها، حيث قال 60 في المئة انها «لم تكن تستحق خوضها»، طبقا لاستطلاع نشره تلفزيون اي بي سي الاسبوع الماضي.
وعشية ضربات «الصدمة والترويع» الجوية في 19 مارس، كان الرأي العام عكس ذلك تماما، حيث اعرب اثنان من بين كل ثلاثة اميركيين عن تأييدهم لحرب بوش لاطاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من السلطة.
الا ان مبررات بوش بأن صدام كان يمتلك اسلحة دمار شامل، ثبت عدم صحتها، وبدأ الاميركيون ينقلبون على الحرب مع تزايد اعداد القتلى من الجنود الاميركيين وعدم وضوح اي مخرج للقوات الاميركية من البلد المضطرب.
وتسبب النزاع في انقسام البلاد، الا ان التظاهرات الضخمة المناهضة للحرب مثل تلك التي خرجت ضد حرب فيتنام قبل نحو جيل، لم تكن كثيرة، رغم ان الخبراء يقولون ان السبب في ذلك هو الغاء الخدمة العسكرية الاجبارية. ومع ذلك، وصلت المعارضة للحرب حتى ابواب مزرعة بوش في اغسطس 2005 عندما نصبت سيندي شيهان، والدة الجندي كيسي الذي قتل في العراق مخيما استمر شهرا احتجاجا على الحرب، في وقت لم يتجاوز عدد الجنود القتلى 2000 جندي.
وفي ذلك الوقت، اظهر استطلاع نشرته شبكة «سي بي اس»، ان 45 في المئة من الاميركيين يعتقدون ان الحرب تستحق خوضها مقارنة مع 47 في المئة. وحتى الان ادت الحرب الى مقتل 4200 جندي اميركي، كما اصيب اكثر من 31 الفا أخرين، طبقا لارقام وزارة الدفاع الاميركية.
وفي يناير، ذكر الجيش الاميركي ان نسبة الانتحار بين صفوف الجنود وصلت الى رقم قياسي في عام 2008 للعام الثاني على التوالي حيث فاقت نسبة المدنيين المنتحرين في عام 2005، وهو اخر عام مسجل.
ويعاني واحد من بين كل خمسة من المحاربين السابقين وعددهم 1.7 مليون شاركوا في الحرب في افغانستان من الارهاق النفسي الذي يلي الصدمة، حسب دراسة اجرتها مؤسسة «راند» عام 2008.
وقال منتقدو بوش من الديموقراطيين ان الحرب استنزفت الخزينة وبددت اموالا كان من المكن ان تستخدم في مواجهة الازمة المالية العالمية والاولويات الداخلية او كسب الحرب في افغانستان.
وحتى 26 فبراير انفقت الولايات المتحدة 687 مليار دولار على الحرب في العراق و184 مليارا في افغانستان، حسب مركز التقديرات الاستراتيجية والمتعلقة بالموازنة في واشنطن.
وطلبت البنتاغون مبلغ 75.5 مليار دولار اخرى للحربين الا ان تقسيم هذا المبلغ لم يعلن بعد وتقول بعض التقييمات الخارجية ان النزاع كلف ما يقرب من تريليون دولار.
وكانت للحرب كذلك تكلفة اخرى وان لم تكن ملموسة بالدرجة نفسها، لكنها كذلك مؤلمة تتخلص في تقويض ثقة الاميركيين في المؤسسات الحكومية وانخفاض شعبية الولايات المتحدة بين عدد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في العالم الاسلامي. لكن من الصعب فصل العراق عن عوامل اخرى في الحرب على الارهاب لتحديد، على سبيل المثال، التأثير النسبي لفضيحة سجن ابو غريب في العراق مقارنة مع الغضب الاسلامي على معتقل غوانتانامو.
ويلقى معظم اللوم على بوش وسياساته. واستفاد اوباما من ذلك لتحقيق العديد من المكاسب العامة عندما المح باراك الى رغبته في تغيير الوضع بالنسبة لعلاقات واشنطن مع العالم.
ويقول الكولونيل المتقاعد بوب كيليبرو، المحارب السابق في حرب فيتنام، لا يمكننا «ان نقدر كلفة الحرب على العراق لانها تعتمد على النتيجة». واضاف الكولونيل الذي يعمل حاليا مستشارا وكاتبا في قضايا الدفاع ان «حرب فيتنام سينظر اليها دائما على انها كانت غلطة لاننا خسرناها» فيما الحرب في كوريا كانت «حربا جيدة، لانه توجد اليوم كوريا جنوبية ديموقراطية».
واضاف: «رغم فظاعة ذلك فان الناس ينسون الآلاف ويذكرون النتيجة... والان اصبحت حرب الرئيس اوباما».
«سيناريوات» مخاطر انسحاب سريع
واشنطن - رويترز - ستسحب الولايات المتحدة قواتها المقاتلة من العراق بحلول 31 أغسطس 2010 وهو موعد أسرع من الموعد الذي حددته اتفاقية أمنية ثنائية بين العراق والولايات المتحدة وكذلك أسرع مما يتطلع اليه بعض القادة العسكريين الاميركيين الميدانيين.
وستبقى قوة كبيرة للقيام بعمليات محدودة لمكافحة الارهاب ولتدريب القوات العراقية في محاولة للحيلولة دون الانزلاق مرة أخرى للعنف الطائفي الذي اجتاح العراق في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق عام 2003.
وفي ما يلي بعض التداعيات المحتملة لانسحاب أسرع للقوات الأميركية:
- فراغ السلطة:
العديد من نحو 140 ألف جندي أميركي في العراق الان قاموا خلال العام المنصرم بمهام أقرب الى مهام قوة لحفظ السلام أو قوة شرطة منها الى مهام قوة قتالية.
وتقول القوات الأميركية انهم كانوا أداة مفيدة في شكل خاص في كبح اندلاع صراع بين الجنود العراقيين أو الشرطة العراقية الموالين لحكومة يهيمن عليها الشيعة في بغداد وبين مقاتلي البشمركة الاكراد.
والبلدات الواقعة قرب حدود منطقة كردستان العراق التي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي محل نزاع بين الاكراد والحكومة المركزية. وقد تصبح نقاطا ملتهبة في أي صراع في المستقبل.
ويخشى محللون أن يحاول كل من القوات العراقية وقوات البشمركة ملء فراغ السلطة الذي سيخلفه انسحاب القوات الاميركية في أماكن مثل مدينة كركوك الغنية بالنفط. والنتيجة قد تكون دامية.
وهناك أيضا علامة استفهام كبيرة حول ما اذا كان في مقدور قوات الامن العراقية استئصال ما تبقى من جيوب للهجمات المسلحة مثل مدينة الموصل الشمالية المختلطة عرقيا وأماكن أخرى حيث توجد جماعات اسلامية سنية مثل تنظيم «القاعدة».
- الأقليات:
استطاعت واشنطن ممارسة قدر من النفوذ السياسي على حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ببساطة بسبب وجودها العسكري الكبير في العراق.
وأحد المجالات التي يقول مسؤولون أميركيون انهم ركزوا جهودهم عليها هي تشجيع الحكومة على الاهتمام بمخاوف وشكاوى جماعات الاقلية مثل السنة الذين كانوا قوة مهيمنة ابان حكم صدام حسين.
وعندما ينسحب معظم الجنود الاميركيين سيصبح نفوذ واشنطن أقل بكثير.
ويخشى سياسيون سنة من أن هذا سيسمح للمالكي أو أي شخص آخر يتولى مسؤولية الحكومة العراقية في أغسطس 2010 بأن يتجاهل مطالب جماعات الاقلية. وقد يؤدي ذلك الى عودة ظهور الاقتتال الطائفي.
- هل ستكون القوات العراقية جاهزة؟
يقول مسؤولون عسكريون أميركيون ان قوات الشرطة والجنود العراقيين التي يبلغ قوامها 600 ألف حققت خطوات هائلة خلال العام المنصرم.
والطابع الهادئ الذي اتسمت به انتخابات مجالس المحافظات في 31 يناير الماضي والتي جرت من دون هجوم كبير واحد للمسلحين شهادة على تحسن قدراتها.
لكن قوات الامن العراقية لا تزال تفتقر الى ما يسميه القادة العسكريون الاميركيون «القدرات القتالية المساعدة» مثل الامداد والتموين والقوة الجوية والقوات الميكانيكية المدربة وجمع المعلومات وتحليلها.
ومن المحتمل أن الكثير من بين 35 ألفا و50 ألفا من القوات الاميركية التي ستبقى في العراق بعد أغسطس 2010 سيؤدي بعضا من هذه المهام الى أن يتمكن الجيش والشرطة العراقيون من دعم عملياتهما.
أوباما يحقق وعده ... لكن ليس «بسرعة كافية»
واشنطن - ا ف ب - اعلن الرئيس باراك اوباما ان الولايات المتحدة ستنسحب من العراق كما وعد، لكن ليس بالسرعة الكافية في نظر الديموقراطيين في الكونغرس، الذين لا ينظرون بعين الرضا الى ابقاء قوة محدودة بـ 50 الف جندي بعد اغسطس 2010.
وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عبر التلفزيون، «لا ارى تبريرا لبقاء (...) 50 الف عسكري في العراق»، فيما عرض اوباما لتوه خطة الانسحاب. واوضحت: «كنت اعتقد انه ربما تكون (قوة من) 15 الفا او 20 الفا» كافية.
واكدت في ما بعد في بيان، انها كانت تود ان يكون عدد الجنود الباقين على الارض «محدودا الى ابعد حد ممكن».
وقال زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد لصحيفة «نيويورك تايمز»، انه لم يكن يتوقع رقما مرتفعا كهذا. واضاف في بيان «يجب ألا نبقي في العراق سوى القوات الضرورية لأمن عسكريينا الباقين في العراق والعراقيين». وعبر السناتور الديموقراطي روبرت مينينديز، الذي صوت ضد الحرب، عن «قلقه» لحجم القوة التي ستبقى في العراق بعد اغسطس 2010.
الى ذلك، يبدي الجناح الاكثر يسارا في الحزب الديموقراطي في شكل اوضح استياءه على غرار النائب دنيس كوسينيش، الذي قال: «لا يمكننا ابقاء قوات للقيام بعمليات عسكرية في بلد اجنبي والدعوة في الوقت نفسه الى انهاء الحرب».
وهذه المواقف داخل فريق الديموقراطيين الذين قاموا بحملة في الخريف الماضي حول انسحاب القوات من العراق، تنذر بتوترات مقبلة بين البيت الابيض والكونغرس. لكن هذا الخلاف الجديد بسبب التدخل الاميركي في العراق الذي اثار جدلا منذ 2003 في الولايات المتحدة ولدى المجتمع الدولي، لا يعني كما يبدو المعارضة الجمهورية التي صفقت لخطة الرئيس اوباما.