عمر شعبان / إعادة إعمار غزة بين التجاذب السياسي والاحتياجات الإنسانية

1 يناير 1970 06:32 ص
رغم بعدها الإنساني الواضح، فإن قضية إعمار قطاع غزة بعد التدمير الهائل الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على القطاع تعتبر صعبة ومتشابكة، إذ تتقاطع عندها عناصر متعددة، فيتداخل الإنساني بالسياسي والاقتصادي، والمحلي بالإقليمي والدولي، هكذا بدت القضية منذ أن وضعت الحرب أوزارها وظهر حجم الدمار الهائل الذي لحق في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة. إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد جاءت بعد حصار شديد وخانق على قطاع غزة منذ يونيو من عام 2007 مما أوصل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلى أسوأ حالاته، فالاقتصاد الفلسطيني منذ نهاية العام 2000، وهو ينتقل من سيء إلى أسوأ حتى وصل حجم الخسائر وحسب التقديرات الدولية إلى أكثر من 15 مليار دولار بنهاية العام 2005. سياسياً كذلك تأتي قضية الإعمار في ظل انقسام فلسطيني حاد ألقى بظلاله على القضايا والعلاقات كافة... فلسطينياً وعربياً. وعلى الصعيد الاجتماعي شهد قطاع غزة أعلى معدلات للفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وعدم توفر السلع والخدمات الإنسانية وانتشار الأمراض وزيادة معدلات فقر الدم وغير ذلك من آثار.
من هنا، فإن قضية إعمار قطاع غزة يجب التعامل معها كمشروع وطني تنموي لا يشمل الترميم الإسكاني والاقتصادي فقط، بل يجب أن يتعداه ليشمل الترميم السياسي والوطني لكل ما سببه الانقسام والاقتتال الداخلي والانفصال الجغرافي والوجداني الذي حدث بسبب الانقسام الذي جعل حركة «حماس» تحكم قطاع غزة بشكل كامل منذ يونيو 2007 والسلطة الفلسطينية تحكم الضفة الغربية. إن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يجب أن تأتي في إطار جديد وفلسفة جديدة شاملة، تجب معها كل ما خلفه العدوان والحصار والانقسام وتأتي بكل ما هو جديد على المستوى الوطني والاجتماعي والسياسي والعلاقات الداخلية الفلسطينية، مستلهمة تجارب الإعمار السابقة والمهمات التي كان يجب أن تنفذ مسبقاً ولم يتحقق ذلك، إضافة إلى معالجة أوجه التشوه والخسائر التي مني بها الاقتصاد الفلسطيني خلال الأعوام السابقة.
إن ضخامة المهمة يجب أن تكون دافعاً للتعاون وإيجاد شراكة حقيقية وليس سبباً إضافياً للتنافس والصراع.
لكن هناك العديد من المعيقات تعترض سبيل تنفيذ مهمة الإعمار منها معيقات تقنية (فنية) ومعيقات ساسية.
وتتضح المعيقات الفنية من ضخامة المهمة بعدما شهدت مدن قطاع غزة دماراً كبيراً، فقد تم تدمير مباني الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والشرطية كافة، ومنازل خاصة، ومزارع ومصانع، وشوارع وسيارات ومرافق عامة وبنى تحتية، ذلك كله في بقعة جغرافية محدودة نسبياً، وفي مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة جداً (الأعلى في العالم) وفقيرة جداً، وتعاني من مشكلات عدة أخرى. وقدرت الخسائر التي سببتها الحرب على قطاع غزة والتي تواصلت ثلاثة أسابيع منذ 27 من ديسمبر 2008 وحتى 17 من يناير 2009 بثلاثة مليارات دولار.
إن ضخامة المهمة واتساعها، يفرض تحديد الأولويات، وهو أمر مختلف عليه، نتيجة الأبعاد المتشابكة للقضية، إنسانياً، إذ يجب أن يسكن المواطنون الذين دمرت منازلهم فوراً. وفنياً هناك العديد من الإجراءات والخطوات اللازمة. كذلك على صعيد تنسيق المسارات هناك تباين الأرقام واختلافها في تقدير حجم الخسائر بسبب اختلاف مناهج التقييم المتبعة.
كما أن هناك تخوفاً كبيراً من قضية توفير التمويل اللازم والكافي، وفي الوقت المناسب، فالتجربة السابقة، للدول المانحة تشير دوماً إلى فجوة كبيرة بين الالتزام والتنفيذ في التمويل، ناهيك عن عدم وضوح حجم التمويل المطلوب للإعمار، والذي سيتم رصده واعتماده من قبل المانحين والمجتمع الدولي والعربي.
تجدر الإشارة إلى أن أحد أوجه القصور في تقدير قيمة الخسائر تركز على المباني من دون تقدير الممتلكات الأخرى، الأوراق والوثائق والسيارات والأثاث والمجوهرات والملابس والمقتنيات الثمينة وذات القيمة الإنسانية، بالإضافة إلى أجهزة الحاسوب والنظم والأرشيف والمعدات الفنية بالنسبة إلى المباني الخاصة بالمؤسسات الحكومية والمدنية والأهلية، وهو ما يجب أخذه في الحسبان.
ومن المعيقات السياسية تظهر قضية المعابر، إذ فرضت إسرائيل إغلاقاً كاملاً على المعابر الستة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، ومن بينها معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية، والذي ينظمه اتفاق المعابر والحركة «AMA»، والذي وقع في أكتوبر العام 2005 بين جهات خمس هي: السلطة الفلسطينية، إسرائيل، الولايات المتحدة، مصر، الاتحاد الأوروبي. ويعتمد قطاع غزة بشكل كامل على إسرائيل في استيراد كل ما يلزم. لذا فإن فتح المعابر جميعها وبشكل كامل هو الشرط الثاني الضروري لعملية إعادة الإعمار التي تحتاج إلى مواد البناء ومتطلبات الإعمار كلها.
كما تظهر قضية المصالحة والوضع السياسي، إذ بات واضحاً أن المجتمع الدولي لن يغير من موقفه المعلن بعدم التعامل مع حكومة «حماس» في غزة. هذا الموقف اتخذه المجتمع الدولي بعد فوز حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 وتشكيلها حكومة. كذلك يدرك المجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية فقط لن تتمكن من تنفيذ أي مشاريع إعمار في قطاع غزة بسب عدم وجودها هناك بعد هزيمتها على أيدي حركة «حماس» في الاقتتال الداخلي الذي شهده قطاع غزة خلال عامي 2006 - 2007، والذي انتهى بسيطرة «حماس» على مقاليد الأمور في قطاع غزة في 14 يونيو 2007. لذا، فمن الصعب أن تبدأ عملية إعمار غزة في ظل هذا الانقسام الحاد في الوضع الفلسطيني. وعليه، فإن المصالحة الوطنية تمثل شرطاً ضرورياً لبدء عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها، على سبيل المثال، وليس الحصر، أكثر من خمسة آلاف عائلة من دون مأوى بعد دمرت منازلها كلياً وخمسة عشر ألف عائلة دمرت بيوتها جزئياً، وآلاف الأطفال الذين فقدوا معيليهم، ومئات المزارعين الذين تضررت مزارعهم، ونحو 600 صاحب مصنع دمرت كلياً...
هؤلاء خصوصاً، والفلسطينيون عموماً، ينظرون بكل أمل إلى جهود المصالحة التي تديرها مصر بين «حماس» والسلطة الفلسطينية وينتظرون بفارغ الصبر مؤتمر إعمار غزة المزمع عقده في القاهرة في الثاني من مارس المقبل.


عمر شعبان

خبير اقتصادي ورئيس «بال ثينك» للدراسات الاستراتيجية بغزة، وهذا المقال يُنشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org