ممدوح إسماعيل / أوباما و«طالبان» ولعبة إطفاء الجمر

1 يناير 1970 06:04 ص
كان لافتاً في خطاب أوباما السياسي توجهه نحو أفغانستان بالقوة العسكرية، في الوقت الذي يقرر فيه الانسحاب العسكري المتدرج من العراق، وهو خطاب يعكس تناقضاً واضحاً مع مقولته المعنونة بالتغيير، وما جاء تحتها من دعم للديموقراطية، وحقوق الإنسان، وما يتطلبه ذلك من إعطاء الشعوب حقها في تقرير مصيرها، وإنهاء الاحتلال.
وكان قرار الرئيس الأميركي في 18 فبراير 2009 بإرسال 17 ألف جندي أميركي إلى أفغانستان لزيادة القوات العسكرية الأميركية هو تأكيد لسياسته العسكرية تجاه أفغانستان، وقد قال أوباما عقب قراره: «الوضع في أفغانستان يبدو أنه يزداد سوءاً، وأن الحل يتطلب ما هو أكثر من مجرد القوة العسكرية».
ثم قال أوباما لمحطة «سي. بي. سي» في مقابلة يوم 18 فبراير: «إن هناك الكثير من بواعث القلق في شأن صراع استمر وقتاً طويلاً الآن، ويبدو بالفعل أنه يتدهور في الوقت الحالي».
ومن الواضح أن تصريحات أوباما تعكس قلقاً واضحاً من هزيمة عسكرية للولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، بمعنى عدم تحقيق لأهدافها، وهو ما أكده كل من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في بولندا عقب اجتماع وزراء دفاع حلف الأطلسي بقوله: «القوات الأميركية تواجه اختباراً عسيراً في أفغانستان». وأشار، أيضاً، قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ماكيرنان إلى أن بلاده تواجه عاماً صعبا في أفغانستان. من هنا يتضح أن هناك رغبة سياسية أميركية واضحة في تحقيق نصر عسكري سريع في أفغانستان بتغيير خريطة أفغانستان الجيوسياسية بالقوة، رغم المعرفة العسكرية بوجود صعوبات على الأرض.
فالحقيقة أن المقاومة الأفغانية (طالبان) تسيطر على نحو ثلاثة أرباع أفغانستان سيطرة شبه ميدانية، وذلك لأسباب كثيرة منها إعادة «طالبان» تنظيم صفوفها، وقيامها بعمليات عسكرية كثيرة ومتنوعة، وأيضاً السياسة الغاشمة العسكرية الأميركية، ومنها الغارات الأميركية العشوائية التي تقتل المدنيين، ولا تفرق بين طفل أو امرأة أو شيخ، وقد زادت في الأعوام الأخيرة، حتى وصلت العام 2008 إلى مقتل 2100 مدني أفغاني جراء الغارات الأميركية، وهو ما دفع كثير من الأفغانيين لدعم «طالبان»، وذلك بخلاف الفساد وضياع الأمن. لكن لا تفوتنا هنا الإشارة إلى أهم محور له أثر واضح في أفغانستان، ألا وهو طبيعة الشعب الأفغاني، والذي يأبى الاحتلال، وقد سطر التاريخ له دحر الإسكندر المقدوني والبريطانيين، ثم الاتحاد السوفياتي، الذي انتهى على يد الأفغان الفقراء الأقوياء. ويبقى هنا جزء مهم لم تفهمه ولم تستوعبه الإدارة الأميركية في طبيعة الشعب الأفغاني، ألا وهو الجلد والصبر الشديد.
وقد اشتهرت في أفغانستان مسابقة معروفة باسم «إطفاء الجمر»، وهي عنوان واضح لطبيعة الشعب الأفغاني، والذي يتميز بالصلابة والجلد عامة، خصوصاً مقاتلي «طالبان» المنحدرين من الجنوب الأفغاني من قندهار التي اشتهرت عندهم المسابقة الشعبية المشهورة التي يُطلق عليها «إطفاء الجمر»، وهي مسابقة تتلخص في حمل اللاعبين لجمر مشتعل بأيديهم لمدة طويلة حتى تنطفئ، ويكون الفائز في هذه المسابقة هو من لا يتحرك أو يتأوه، وهو ما يدل على مدى قوة الجلد عند أفرادها.
ويبقى أنه قد مضت أعوام سبعة على الاحتلال الأميركي المدعوم بقوات «الناتو» لأفغانستان، ولم يتأوه الشعب الأفغاني من جمر الاحتلال، بل صمد وصبر وقاوم، ومع ذلك عندما أوشك جمر الاحتلال على الانطفاء قرر أوباما إشعال جمر جديد غير مدرك ولا مستوعب لحقائق التاريخ والواقع الأفغاني الذي يجيد الصبر على جمر نار الاحتلال حتى ينطفئ ويرحل.
وأخيراً، أليس من حق الشعب الأفغاني أن يهنأ بحقه في اختيار حر لحكومته بعيداً عن فوهات المدافع وصواريخ الطائرات الأميركية؟ وما قيمة شعارات حقوق الإنسان إذا لم يسعد الشعب الأفغاني بحقه في تقرير مصيره؟
يبدو أن شعار التغيير الذي رفعه أوباما لسياسته إقليمي فقط داخل الولايات المتحدة الأميركية. أما خارجها فليس من حق الشعوب المسلوبة حقوقها أن ترى تغييراً في السياسة الأميركية.
لكن يبقى السؤال في ظل زيادة القوات العسكرية الأميركية المحتلة لأفغانستان: هل ينجح الأفغان كعادتهم في لعبة إطفاء الجمر مع أوباما؟


ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]