طارق آل شيخان / دوق بروخشتاين / دروس من غزة

1 يناير 1970 09:51 ص
الأحداث الدامية التي حدثت في غزة جراء العدوان الإسرائيلي ضد المدنيين والأطفال والنساء، جعلتنا نخرج بعدد من الاستنتاجات التي يمكن أن نلخصها بالتالي:
1) الاستماتة الإسرائيلية للقضاء على «حماس» في غزة، وهو ما فشلت به تل أبيب فشلاً ذريعاً، ومرد ذلك إلى أن اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد يريدون استمرار تسويق نظرية أن الإرهاب الإسلامي لا يزال هو من يهدد الولايات المتحدة والعالم المتحضر. والتعاطف الحالي مع الفلسطينيين والمظاهرات التي يقوم بها الرأي العام الغربي، يعني أنه بدأ بالتراجع عن تصديق هذه النظرية، ووصف العرب والمسلمين بتهمة الإرهاب، في ظل وجود مجازر بحق الإنسانية ترتكب من قبل الإسرائيليين، وبالتالي فإن فشل الاستمرار في تسويق نظرية الإرهاب الإسلامي يعني فشل مشاريع التحريض الإسرائيلية ضد العالم العربي والإسلامي، خصوصاً أن الرأي العام الغربي بدأ فعلاً بمعرفة حقيقة وخفايا نظرية الحرب على الإرهاب، والانتهاكات التي ارتكبت في العراق وأفغانستان ومعتقل غوانتانامو، والذي أمر الرئيس الأميركي باراك أوباما بإغلاقه أخيراً.
2) أكدت المظاهرات المؤيدة لغزة في تركيا، والتي احتضنت أكبر المظاهرات في العالم سواء في العالم العربي أو في العالم قاطبة، أن أنقرة هي أكبر ناصر ومؤيد للعرب وقضاياهم. بل إنها أصدق من إيران في دعمها للقضية الفلسطينية، ويتضح ذلك من التحفظ الإسرائيلي بعدم فتح جبهة سياسية تركية ضدها، وتجنب الدخول في مناوشات سياسية مع أنقرة لن تكون في مصلحة تل أبيب. كما أن اللهجة الشديدة التي استخدمها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان كانت أقسى وأعنف لهجة يستخدمها زعيم مسلم أو عربي ضد إسرائيل، ما يعني طموحاً تركياً جديداً للعب دور على ساحة الشرق الأوسط، أو بعبارة أخرى منافسة إسرائيل على زعامة الشرق الأوسط وعدم ترك المجال لها.
3) أثبتت أحداث غزة أن سياسة بوش المنحازة إلى إسرائيل كانت أكبر حافز على توحد الشعب العربي بعروبته وبإسلامه، وتوحد المسلمين قاطبة مع بعضهم البعض، تماماً كالجسد الواحد، إذا اشتكى عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى. فالسياسة الأميركية المتحيزة في نظر العرب والمسلمين لإسرائيل تحفزهم وتجبرهم وترغمهم على نسيان خلافاتهم الطائفية والمذهبية والحدودية والفكرية، ليتحدوا في ما بينهم لمواجهة هذا المصاب الجلل. وتحيز الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش لإسرائيل في ارتكابها للمجازر جعل العرب والمسلمين يؤمنون بأن المستهدف هو الإسلام والعرب. ولهذا فلابد من التوحد شيعة وسنة، عرباً وعجماً، فرقاً ومذاهب، «قوميين» و«إخواناً» و«شيوعيين».
4) أصدرت الأحداث في غزة شهادة وفاة أولية للجامعة العربية، فالجامعة من مهامها الحفاظ والدفاع عن مصالح العرب وتوحدهم، وهو ما عجزت عنه بشكل واضح ولا لبس فيه. ولولا قمة غزة التي عقدت في الدوحة، وقمة الكويت الاقتصادية، لانتهت رسمياً ما يُسمى بالجامعة العربية. ولا نبالغ إذا قلنا إن مجلس التعاون قد يكون أكثر قوة ومصداقية من الجامعة العربية في المستقبل القريب نتيجة التنسيق المشترك للسياسة الخليجية المتوحدة، والمصداقية في العمل العربي المشترك، وبعدها وعدم تورطها في الخضوع لإسرائيل نتيجة ما تسمى الاتفاقيات مع تل أبيب.
إن هذه الاستنتاجات، أو لنقل هذه الدروس والعبر التي ساقتها مجازر غزة، تحتاج إلى مراجعة تامة من قبل الأنظمة العربية، لكي تراجع سياساتها ومصالحها. فليس من المعقول أن يكون هناك نظام عربي يسمي نفسه دولة مستقلة، وهو يتعرض إلى المهانة والاستهزاء من قبل إسرائيل، ويقف ساكناً جامداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا مجرد مشاورات واتفاقيات تراعي بالدرجة الأولى المصلحة الإسرائيلية. إن التاريخ لا يرحم. وحتماً سيذكر التاريخ هذه الأنظمة إما بالجبانة وإما بالشجاعة.


طارق آل شيخان
رئيس «كوغر»
[email protected]