بعيداً عن التحقيق في الذمم المالية والنيات الحسنة أو السيئة في مشاريع النفط التي تم الغاؤها مثل مشروع المصفاة الرابعة وعقد الداو وغيرها، والتي تكلفت الملايين بل والمليارات لدراسة جدواها، والملايين تعويضاً للمكاتب الاستشارية التي قامت بتلك الدراسة، والمليارات التي ستكسبها تلك الشركات التي تم فسخ العقد معها تعويضاً عن خسائرها، بعيداً عن كل ذلك فإن الإنسان يحق له التساؤل عن الطريقة التي تتم بها دراسة جدوى المشاريع الرئيسة في الكويت، ما الجهات التي تقوم بالدراسة وما خبرتها؟ وما حجم التنسيق بينها وبين الأطراف التي تتأثر مباشرة بالتنفيذ، وهل تضع الدراسات في حسابها فترات الكساد الاقتصادي ومدى تأثيرها على المشروع بحيث لا تخسر الدولة المليارات من وراء انخفاض أسعار النفط أو هبوط العملة؟!
وإذا كانت تلك الدراسات متوافرة لتلك المشاريع فلماذا لم يتم نشر أي شيء حولها بحيث يطمئن المواطن إلى ان الدراسات تمت على الوجه الصحيح، ولماذا لم تقدم الحكومة تلك الدراسات ونتائجها إلى مجلس الأمة ليطمئن النواب إلى سلامة الاجراءات؟! بل لماذا قامت الحكومة ممثلة برئيس مجلس الوزراء والمجلس بإلغاء الصفقات إن كانت مقتنعة بجدواها وفائدتها للبلد؟! وهل يصل الضغط السياسي من المجلس إلى درجة تخلي الدولة عن جميع مشاريعها من أجل إرضاء مجموعة من النواب؟!
إذا كان الضغط السياسي من المجلس قد وصل إلى درجة الاستجابة له حتى على حساب مصلحة البلد فإن الحكومة يجب عليها ان ترحل لأنها لا تستحق ان تدير شؤون البلد، أما ان كان هنالك مثالب كثيرة في المشاريع التي تم الغاؤها وبعد وصولها إلى مراحلها الأخيرة فإن الخلل أعظم ويكمن في ان الجهات المستأمنة على التخطيط لجميع القطاعات المهمة هي جهات فاسدة ولا يمكن ان نأتمنها على ثرواتنا وبلادنا!!
اليوم نسمع نفس الاسطوانة تتكرر من التكتل الشعبي حول مطالبته للحكومة بعدم إقرار خطتها للاستقرار الاقتصادي وحتى قبل ان تدرسها اللجنة المالية في المجلس وتعدل عليها، وبحسب المنظومة الفريدة للعلاقة بين الحكومة والمجلس فإن الحكومة ستستجيب وستنسف كل ما عمل الخبراء على صياغته أشهراً طويلة، لكي تتصدر الكويت مكانتها المرموقة في تطبيق المثل القرآني للمرأة التي تغزل طوال النهار ثم تقوم بنقض ما غزلته في آخر الليل!!
كتاب يستحق القراءة
الأخ الفاضل الكاتب عيد الدويهيس ألف كتاباً قيماً بعنوان «تطوير البحث العلمي الخليجي» ضمنه احصائيات محزنة حول البحث العلمي في عالمنا العربي وفي الدول المتقدمة، وحجم الانفاق عليه ومكانته ومدى الاستفادة منه (إسرائيل تنفق 5 في المئة من دخلها على البحث العلمي بينما تنفق الدول العربية 0.15 في المئة فقط)
النقطة الأساسية التي ركز عليها الأخ عيد في كتابه بأن القرارات المهمة والحيوية في الدول المتقدمة لا يقررها التنفيذيون وحدهم وإنما مراكز البحث العلمي التي تقوم بالدراسة الشاملة لجميع المشاريع لتساعد التنفيذيين في اتخاذ القرار المناسب. أتمنى من حكومتنا الموقرة ان تأخذ بتلك النصيحة حتى لا تدخلنا في متاهة الدراسات الناقصة أو الفاشلة التي تكلفنا المليارات من الدنانير والتي يقوم بها أشخاص غير مؤهلين.
على الأقل فإن الحكومة ستجد من تضع عليه اللوم في نتائج دراساتها ومشاريعها إن فشلت وتحمّل المراكز البحثية النتيجة.
د. وائل الحساوي
[email protected]