رؤى
الأخلاق في شعر عنترة بن شداد العبسي
1 يناير 1970
02:07 م
| محمد سعود المطيري |
إن غرس الأخلاق من المفاهيم الجميلة، والتي يحثنا عليها ديننا الحنيف، وحرص عليها منذ بعثة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ولعل من تعاليم الإسلام السمحة هي تعزيز الأخلاق الحميدة بين البشرية جمعاء، فإن القراءة المتواضعة في دواوين الشعر الجاهلي، والتي لا تبتعد كثيراً عن الشعر في صدر الإسلام.
فمن وأد البنات إلى توريث الابن زوجة أبيه، يتجلى لنا أن الجاهلية لم تكن تعتمد القاعدة الأخلاقية، التي تولد مع الإنسان بالفطرة، والتي تعتمد على المنطقية بالتعامل معها بالإضافة إلى استنكار المجتمع الإنساني، لتلك الأخلاقيات غير الطبيعية.
وكما يقال إن الشعر هو ديوان العرب، ومنه نستسقي الكثير من القيم والعادات التي تكون موجودة في تلك الفترة الزمنية، والتي لم تكن هناك الدستور الإلهي الذي يقوم بتنظيم ورسم الطريقة السليمة في تلك الحياة.
إن القراءة البسيطة في شعر أحد أروع الشعراء وفارس بني عبس على الإطلاق عنترة بن شداد يتجلى لنا ان الحياة في تلك الحقبة الزمنية، هي حياة بعيدة كل البعد عن الأخلاق الحميدة في معظم التعاملات الاجتماعية.
فمن حياة العبودية وحياة الفر والكر وعدم اعتراف الأب بابنه، بل ونفيه بعيداً عن حياة المدنية إلى الصحراء القاحلة مرافقا للإبل، والتي تعدم الشخصية الذاتية للابن غير المعترف به.
ولعل المعاناة هي التي تلد في حجرها المشاعر الجميلة والرائعة، والمعاناة هي التي تدفع صاحبها إلى الارتقاء في طموحه، والذهاب بعيداً في طموحه إلى الاعتراف بذلك الفتى ودفاعه المستميت عن قبيلته، ودحر العدوان في كثير من المعارك ولعل داحس والغبراء خير مثال.
في الحقيقة إن أكثر ما يلفت نظرنا هي تلك النظرة الأخلاقية، والتي لا تنم إلا عن واقعية ومنطقية، ففي العصر الجاهلي نجد ذلك الفتى، الذي يغض طرفه بعيداً عن جارته ولا ينظر إليها رغم عدم وجود قواعد أخلاقية، تنظم هذا الشي وتحذر منه، وهو القائل:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يـواري جارتـي مأواهـا
إني امرؤ سمح الخليقـة ماجـد
لا أتبع النفـس اللجـوج هواهـا
تلك هي روعة شاعرنا الكبير عنترة بأخلاقه التي قد وصلت إلى العصر الإسلامي، رغم إن الإسلام لم يؤكد تلك القيم إلا بعد تأسيس الدولة الإسلامية في مكة المكرمة، في فترة لم تكن تلك القيم لها الدستور، الذي ينظم عملها بين البشر فكانت العادات هي الطاغية في تلك الفترة.
ولعل شاعرنا الرائع عندما يلفت نظرنا إلى تلك القيم الجميلة، نعلم أن الفطرة هي التي ترسم الكثير من القيم في حياتنا، رغم جهلنا عن تلك القيم إلا أن فطرتنا تحدد الكثير من ملامح تلك القيم، كما أن البحث في كثير من أبيات شاعرنا نجد أنه لا يهمل تلك القيم الأخلاقية الجميلة، والتي غابت في كثير عن أبيات الكثير من الشعراء، سواء في عصرنا الحديث أو في العصور الماضية.