دراسة نشرتها «دورية الشؤون الخارجية» رصدت دوره في سياسة الولايات المتحدة عبر مراحل مختلفة
مستشار الأمن القومي الأميركي... الرجل الذي يحمي الرئيس من نفسه
1 يناير 1970
07:38 ص
| رضوى عمار * |
مع قدوم الادارة الأميركية الجديدة الى البيت الأبيض، وتزايد المشكلات التي تواجهها واشنطن على المستويات كافة، اهتمت الدوائر الأكاديمية والبحثية الأميركية بتقديم نصائح للادارة الجديدة لمواجهة تلك التحديات الجمة والمتصاعدة، والتي تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل جملة من المؤسسات والوكالات في صناعة القرار الأميركي لاسيما على الصعيد الخارجي.
وفي اطار هذا الاهتمام الأميركي بالقيادات التي تتولى مناصب قيادية في ادارة أوباما، لاسيما الوكالات والمؤسسات الأميركية الفاعلة في صناعة القرار الأميركي؛ نشرت «دورية الشؤون الخارجية» في عددها عن شهري يناير وفبراير 2009 دراسة بعنوان «في ظل المكتب البيضاوي: مستشارو الأمن القومي والرؤساء الذين خدموا معهم من جون اف كنيدي الى جورج دبليو بوش» أعدها كلٌّ من ايفو اتش. دالدر وهو زميل كبير بمؤسسة بروكينغز، وآي. ام. ديستلر، أستاذ شاول شتيرن في المشاركة المدنية بكلية السياسة العامة التابعة لجامعة ميرلاند. وتركز الدراسة على عرض خبرة مستشاري الأمن القومي عبر مختلف الادارات الأميركية، وتحليل أوجه النجاح أو الاخفاق للاستفادة منها في المرحلة المقبلة.
تطور المهام
تبدأ الدراسة بالحديث عن مهام مستشار الأمن القومي الذي يعمل بصورة أساسية مع الرئيس الذي يقوم بتعيينه، وتلاحظ الدراسة أن مهام مستشار الأمن القومي قد شهدت تطوراً كبيراً. ففي الخمسينات ابان حكم الرئيس الأميركي ايزنهاور تم التركيز على التخطيط السياسي، الا أنه ابان فترة ادارة جون كينيدي تم التركيز على السياسة الخارجية، حيث بدأ رحلته مع مستشاره ماك جورج بوندي، والذي عمل أستاذاً وعميداً لجامعة هارفارد الأميركية. واستطاع بوندي حشدَ عددٍ من الموظفين أطلق عليهم ادارة بوندي المصغرة، اهتمت بتقديم المشورة والتحليلات الى الرئيس، بجانب قيامها بالرقابة على أداء الحكومة الأميركية. وقد ساعد على ذلك التوافق بين كينيدي ومستشاره خلال فترة عملهم التي استمرت 1000 يوم، فترة رئاسة كينيدي، فقد عرف بوندي رغبة كينيدي في الحصول على المعلومات الشاملة حتى يواجه المشكلات من زواياها كافة، وهو ما أتى ثماره في أزمة الصواريخ الكوبية.
ورغم ذلك فقد كشفت الأحداث التي أعقبت اغتيال كينيدي عن عدم وجود صياغة واحدة لمحددات الدور الذي يقوم به مستشار الأمن القومي، فذلك يعتمد بصورة كبيرة على توجهات الرئيس، فالرئيس جونسون ركز على قضايا السياسة الداخلية، ورغم أن الفضل يعود اليه في الدفع بعدد كبير من التشريعات في الكونغرس سواء في ما يتعلق بالحقوق المدنية، العدالة الاجتماعية، الرعاية الصحية، والفقر، الا أنه في ما يخص قضايا السياسة الخارجية فقد وضع ثقته في دين روسك وزير الخارجية، وروبرت ماكنمارا علاوة على القادة العسكريين الكبار.
ورغم أن والت روستو، خليفة بوندي الذي رحل عن الادارة 1966 كان على علاقة حسنة بجونسون الا أن الواقع كشف عن اخفاقه في ادارة العملية السياسية، ومن ثم لم تكن العلاقات الودية أو الكفاءة وحدها هي المحك لنجاح دور مستشار الأمن القومي الأميركي.
أشارت الدراسة الى خبرة ريتشارد نيكسون ومستشاره هنري كيسنجر، فكلاهما كان لديه رؤية واقعية للعالم. حيث نفذ كيسنجر أغلب السياسات الخارجية المهمة لنيكسون سواء في فيتنام، أو الاتحاد السوفياتي، ضبط التسلح، بالاضافة الى الزيارة السرية التي قام بها للصين، وهي الأولى من نوعها، عام 1949 الأمر الذي كان ايذانا بعلاقات جديدة مع الحكومة الشيوعية.
وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد حققت انجازات ملموسة الا أنها تركت هاجساً خطيراً لدى المسؤولين كافة في الادارة، دفع كيسنجر الى زرع أجهزة تنصت للتأكد من عدم تسريب المعلومات، ما ولد غياب الثقة بين كبار الموظفين، وبالتالي السعي للالتفاف حول كيسنجر وأحياناً الرئيس. غير أن خبرة كيسنجر قد كشفت عن أهمية أن يكون مستشار الأمن القومي المفاوض الأول في القضايا المعقدة، نظراً لقدرته على التوصل لاتفاق رغم ما يؤديه من صراعات مع وزير الخارجية.
منصبٌ يثير الجدل
انتقلت الدراسة بعد ذلك الى دراسة الأزمات التي قد يثيرها مستشار الأمن القومي، فتثير الى الأزمة التي حدثت في ظل ادارة كارتر وبريجنسكي عقب الغزو السوفياتي لأفغانستان 1979. الأمر الذي أدى لاستقالة سايروس فانس وزير الخارجية بعد خلافه السياسي مع كارتر بشأن أزمة حجز الرهائن في ايران، والتي أظهرت الولايات المتحدة بموقف الدولة الضعيفة في مواجهة الثورة الاسلامية الايرانية، وقد فشل بريجنسكي في حماية الرئيس مــــن أخطـــائه.
وفي هذا المضمار، دعا كثيرون الى أن يخضع صاحب منصب مستشار الأمن القومي لمجلس النواب، الى جانب ذلك اقترح البعض إلغاء المنصب بدعوى أنه قد سبب ولادة الصراعات السياسية داخل الادارة الأميركية.
وفي عهد رونالد ريغان، كان هناك قناعة بأن مستشار الأمن القومي لاعب قوي صاحب سلطة على خلاف ما سبق، وأن سلطة وزير الخارجية والوزراء الآخرين تراجعت لصالح منصب مستشار الأمن القومي. وقد شغل عدد كبير من الشخصيات منصب مستشار الأمن القومي في ظل ادارة ريغان، غير أنهم لم يحققوا نجاحاً ملموساً. فقد كان ينقص وليام كلارك، رغم ارتباطه بريغان، الخبرة والمعرفة. وأيضاً دخل روبرت ماكفارلين، الذي عرف بعمله الشاق، في خلافات مع عدد من الوزراء خصوصا جورج شولتز وزير الخارجية، ووزير الدفاع كاسبر واينبرجر، الى جانب جون بويندكستر الذي كان ترجمة للمبدأ القائل: ان تعزيز عدم كفاءة مستشاري الأمن القومي ينتج عنه كارثة، وهو ما ظهر جليّاً في الأزمة الايرانية.
ومع ذلك فقد تحسن الوضع نسبيّاً في العامين الأخيرين لادارة ريغان، ويرجع ذلك نسبيّاً لوجود تطورين ملحوظين. تمثل أولاهما في الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف الذي أتاح الفرصة لريغان لأن يجد درباً لانهاء الحرب الباردة، والثاني في استقالة واينبرجر من منصبه في البنتاجون ما شكل بداية لنهاية النزاع مع شولتز الذي كان سبباً لشل الادارة، وفي العام الأخير لادارة ريغان تولى فرانك كارلوسي وزارة الدفاع، وكولن باول مجلس الأمن القومي، الأمر الذي أفضى الى التعاون سواء في علاقات واشنطن وموسكو، أو العلاقات داخل ادارة ريغان.
ولكن الدراسة تشير الى أن جورج بوش الأب استطاع استثمار نجاح ادارة ريغان، خصوصا بعد أن أعلن غورباتشوف انسحابه من أوروبا الشرقية، وقد كان جورج بوش الأب بالفعل خير من يدير هذه الفترة فهو أكثر من اهتم بالسياسة الخارجية، وقد عمد بوش الى التعاون مع وزير الخارجية جيمس بيكر، وسكوكروفت مستشار الأمن القومي في الاتجاه ذاته.
وقد شهدت ادارة بوش الأب عدداً كبيراً من الأحداث تمثلت في سقوط حائط برلين، وتحرير شرق أوروبا، وتفكك الاتحاد السوفياتي، الذي أنهى الحرب الباردة دون حرب، ثم جاء التحدي الذي أبرزه صدام حسين عقب غزوه للكويت في أغسطس 1990.
وهنا ظهرت حلقات التعاون بين بوش الأب ومستشاره في قضايا الأمن القومي، حيث نجحا في الدفع بتحالف دولي لاجبار العراق على الخروج من أراضي الكويت.
السياستان الداخلية والخارجية
اهتمت ادارة بيل كلينتون، بقضايا السياسة الداخلية، وقد شغل أنتوني ليك منصب مستشار الأمن القومي ورغم عمله كمساعد تنفيذي لكيسنجر الا أنه لم يحتذ به، وسعى ليك للاحتفاظ بعملية الأمن القومي بعيداً عن السياسات باعتبار أن هناك مخاطر في حالة قربه من الرئيس. الا أنه عقب ما حدث ابان العام الأول،
في البوسنة والصومال وهايتي، أدرك ليك فشل طريقته في الادارة ومن ثم سعى للتغيير وحل المشكلات القديمة والتوقع للمشكلات الجديدة بشكل أفضل، الى جانب ذلك أصبح أكثر نشاطاً في السياسة الخارجية، وقد أتى ذلك بثماره، حيث تم انتخاب رئيس ديموقراطي جديد لهايتي، كما انتهت حرب البوسنة أكثر حروب أوروبا دموية منذ 1945، الى جانب اقامة علاقات جديدة مع الصين، وتوطيد العلاقات مع موسكو.
وعلى المنوال ذاته، ركزت ادارة جورج دبليو بوش على مشكلات الداخل الأميركي، الا أن الهجمات الارهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 أعادت ترتيب أولوياته. وقد كانت كوندوليزا رايس جزءاً رئيساً في اعادة الترتيبات، الى جانب نائب الرئيس ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وحتى كولن باول وزير الخارجية. ولم يسهل كل الأطراف الأمر على رايس، انما الذي ساعدها هو ثقة الرئيس فيها. وقد كانت مهمة رايس في تلك الفترة القيام بما يريد الرئيس ما مثل فشلاً حقيقيّاً، حيث كان بوش هو صاحب القرار.
وعلى عكس الحال في الفترة الثانية لادارة بوش، شغل ستيفن هادلي ليخلف رايس التي أصبحت في ما بعد وزيرة للخارجية في 2005. وقد اختلفت الظروف حيث أدرك بوش فشل خطته في العراق عام 2006، وفي هذا المضمار استطاع أن يستمع لستيفن هادلي الذي قدم للرئيس عدداً واضحاً من الخيارات تتيح سياسة جديدة في العراق. بالاضافة الى أنه عمل مع فريق عمل مختلف عن الذي عملت معه رايس، فالسياسة الأميركية في العراق دفعت رامسفيلد الى التنحي عن منصبه، وحل محله روبرت جيتس ورغم بقاء تشيني نائباً للرئيس الا أنه ظل في عزلة دون حلفاء.
المعادلة الصعبة
تنتهي الدراسة الى أن مستشار الأمن القومي يقضي معظم وقته مع الرئيس أكثر من أي مسؤول آخر في الادارة الأميركية، ومن يتولى المنصب عليه أن يأخذ في الاعتبار عدداً من التوازنات الصعبة، ورغم أن الرئيس يدير العملية الا أنه ليس دائماً على صواب، وذلك ما أكدته خبرات عديدٍ من الادارات الأميركية، ومنها خبرة الرئيس دبليو بوش والأحداث التي أعقبت 11 من سبتمبر لاسيما التقارير التي تتحدث عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، التي ثبت عدم صحتها في ما بعد. فالرئيس لا يعلم كل شيء وهو بحاجة لمستشارين أكفاء يحمونه من نفسه.
بالاضافة الى ذلك، فانه من الضروري أن يقوم مستشار الأمن القومي بادارة القرارات التي تخص قضايا الأمن الخارجي والداخلي، وأن يُسهم في خلق خيارات حقيقية وواقعية، الى جانب قيامه بالاشراف على القرارات التي يتخذها الرئيس، وهذا ما تبناه الرئيس أوباما في اختياره الجنرال جيمس جونز، الذي قال عنه أوباما: «سيأتي الى مهمته بخبرة مزدوجة من الخدمة في الجندية وكديبلوماسي». فجونز أول عسكري يتولى هذا المنصب منذ 1987، ولعل الهدف من هذا التعيين رغبة أوباما في أن يساعده جونز في كسب ثقة المؤسسة العسكرية واعادة تحديثها، ناهيك عن خبرة جونز في مجال التعاون الأطلسي العسكري وقبوله لدى الأوروبيين ما قد يساعد أوباما في تعزيز التعاون بين ضفتي الأطلسي مرة أخرى، هذا فضلاً عن المامه بكثيرٍ من القضايا التي تواجه ادارة أوباما.
ففي نوفمبر 2007 اختارته كوندوليزا رايس ليكون مبعوثاً أمنياً خاصّاً للشرق الأوسط بهدف مساعدة الفلسطينيين في تشكيل مفهوم أمني لدولتهم، ومراقبة تنفيذ الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لتعهداتهم الأمنية الواردة في خطة «خارطة الطريق» والتي شكلت أساساً للمفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية عقب انعقاد مؤتمر «أنابوليس للسلام»، بالاضافة الى أن الكونغرس قد كلفه في أوائل 2007 برئاسة لجنة من كبار الخبراء السياسيين والعسكريين لاعداد تقرير بشأن الوضع الميداني في العراق، وقد أصدرت اللجنة تقريرها الذي أوصى بتقليل حجم القوات الأميركية في العراق محاولةً منها لتغيير صورتها كقوة احتلال. وهو ما يظهر رغبة أوباما في علاقات تعاونية مع مستشاره للأمن القومي لاسيما على الصعيد الخارجي والاستفادة من خبرة جونز لتعويض نقص خبرته في القضايا الدولية.
* عن «تقرير واشنطن»