جمال شتائنا في قصره، فما إن يأتي ويحط رحاله على روابينا حتى يرحل، يجعلك في شوق إلى دغدغاته الباردة، وحنان شمسه...
وقباحة وضعنا ناتج عن فقداننا لبوصلتنا، في حربنا ضد إسرائيل، نقف مع الأعداء لا الأصدقاء، ونبني العداوات، نخاف من نفوذ «أعجمي» في المنطقة التي أصبحنا فيها بلا نفوذ، بعد أن تركنا نفوذنا على قارعة الطريق!
تساءلت ماذا لو اتفقت إيران مع إسرائيل..؟! بعيدا عن كلمات احمدي نجاد، وشعارات الموت لإسرائيل... فمن قبل كان الناس في جامعة طهران يهتفون بالموت للاتحاد السوفيتي كل جمعة، ومع ذلك أصبحوا «سمنا على عسل» وتعشوا معا «مرق شبزي» وبنوا مفاعلاتهم النووية بفضل الروس!
الإيرانيون خلافا للعرب، لا يملكون تراثا عدائيا ضد اليهود، وليست ضمن ذاكرتهم الشعبية، ولم تكن مخيمات الفلسطينيين في ضواحي طهران، ولم يكن اليهود يوما يشكلون خطرا عليهم، ولم يكن الفرس يوما أعداء لليهود!
وإذا كان «نبوخذ نصر» أسر اليهود وجلبهم إلى بابل، فان كورش الفارسي هو الذي اصدر فرمانا بإطلاق حريتهم وإعادتهم إلى ديارهم، وهذه حادثة ماثلة في الذاكرة اليهودية التي تعيش على التاريخ!
تصوروا فقط لو تعب الإيرانيون من صراخنا-كما يسخر معارضو اردوغان منه الآن في تركيا بالقول «هنيئا لك أصدقاؤك الجدد من العرب» لأنه سيتورط معهم- وملوا من بكائياتنا ومطالبنا، ووجدوا ضالتهم في التحالف مع تل أبيب حفاظا على مصالحهم، عندها لن تصل الصواريخ إلى غزة بل إلى كافة أرجاء الوطن العربي، وبدلا من تبادل السفراء معهم قد يرسلون «قائم مقام» لكل دولة لتملي أوامرها على الحكومات،انه عالم لا يرحم، ولا يحترم الضعفاء، الذين لا يعرفون أصول اللعبة، ستقسم البلاد إلى نفوذ يهودي وتركي وفارسي، فالدول تحمي ظهرها بالتحالفات ونحن نكشفها!
إيران هي إيران سواء حكمها الصفويون، القاجار، البهلوية، أو الملالي أو حتى الشيوعيين، من يحكم يحكم من اجل بناء مصالحه ومصالح بلده، صراعه الداخلي في البلاد مع التيارات المختلفة شيء ومصالحه القومية شيء آخر، هذا ما يجب أن نفهمه!
اسلاميون نعم، ولكن في إيران المذهب يخدم النظام، أكثر مما يخدم النظام المذهب، والدين يصبح فارسيا بطريقتهم، والعلاقة المتينة بين «العمامة والصولجان» تاريخية وليست جديدة، سواء كانوا في الحكم، أو كانوا على أطرافه، فعمائم قم موجودة وتؤثر وهي خارج السلطة، وان دخلت السلطة فإنها تفكر كمن يحمل تيجان الملوك، الفرق في أشكال التيجان فقط!
إنهم يلعبون ويحاربون دون دماء، يعرفون قواعد اللعبة ويلعبونها، فرغم كل الاتهامات بالإرهاب ودعم الإرهاب، ألم نتساءل لماذا لا يوجد إيراني واحد في غوانتانامو؟! لماذا لا يوجد إيراني واحد فجر نفسه في سيارة مفخخة؟! لماذا لا يشارك إيراني واحد في أي عملية إرهابية طوال ثلاثين سنة؟! كيف يمكن لدولة تقود الإرهاب كما يدعي الأميركان، ولا يعتقل إرهابي إيراني واحد!؟ إنها قواعد اللعبة مرة أخرى! إنها قواعد اللعبة، تعادي إيران أميركا في لبنان، وتصالحها في أفغانستان، أميركا تمنع تهريب الأسلحة الإيرانية من الوصول إلى غزة، وسمحت أو شجعت إيران على إرسال طائراتها وأسلحتها إلى البوسنة، هكذا هي اللعبة تنافس، وصراع، وتعاون!
الإيرانيون يحاربون بطريقتهم منذ القدم، وهي طريقة «البارسيون»، وهي طريقة مشهورة في عالم القتال والفروسية، فالمقاتل الفارسي على حصانه يهرب من العدو بأقصى سرعته، ثم يلتفت بعكس اتجاه الحصان، ليرمي العدو الذي يلاحقه بالنبال فيرديه قتيلا... ويبدوا انهم يستخدمون نفس الوسيلة يتحركون إلى الداخل، بينما سهامهم موجهة للخارج... يتجهون شمالا ويصوبون جنوبا!
وأتساءل أيضا: لماذا نحن مستمرون في شتم «الحفاة، الأعاجم، الصفويين، المجوس،...» ونصفهم بالكيان الفارسي، كما وصفنا إسرائيل بالكيان الصهيوني استصغارا- مع العلم ان كلمة «كيان» في اللغة الفارسية تعني الملك-؟ وهل أفادت مصطلحاتنا وشعاراتنا وشتائمنا مع اليهود، حتى تفيد مع الفرس حتى نعيد صياغتها؟!
وأتساءل: لماذا ورغم المد القومي الحديث، أصبح لإيران نفوذا في بغداد العربية أكثر من اي دولة عربية أخرى؟ الإجابة قد تكون: لان الإيرانيين كانوا مستعدين للتغيير القادم إلى بغداد، ونحن نائمون!؟
وأتساءل: لماذا نخاف من ولاء الشيعة العرب لإيران، ولا يخاف الإيرانيون من ولاء الإيرانيين السنة للعرب؟ الاجابة: لأنهم يمتدون ونحن منكمشون!
ولماذا المال العربي رغم وفرته بلا فائدة؟ والمال الفارسي هو
المؤثر؟ لأنهم يعرفون كيف يقبضون ثمن ما يدفعون!
في احتفاليته المشهورة وقف الشاه محمد رضا أمام قبر كورش هاتفا «كورش نم قرير العين فنحن يقظون» وأظن ان رجال الدين في قم، ورغم كرههم له، يرددون ما قاله كلما مروا بقبره..!
بعيدا عن الفرس وقبور ملوكهم، قال اخطر أعدائك، من بين جميع الأعداء الذين يمكن أن تصادفهم، ستكون أنت دائما..!، هكذا تكلم زرادشت، وهذا ما ننساه دائما، فمن بين جميع أعدائنا من اليهود والفرس والترك والروم... نحن أخطر أعدائنا!
جعفر رجب
[email protected]