كتاب «الرجل الذي يملك الأخبار» تناول الشخصية الإعلامية العالمية التي استحوذت على «وول ستريت جورنال»

روبرت مردوخ... الإمبراطور غير المتوّج

1 يناير 1970 07:02 ص
| تعريب عمرو علي زين العابدين |
شكّل الكتاب الصادر، أخيراً، عن مطابع «برودواي» الأميركية، بعنوان «الرجل الذي يملك الأخبار... داخل العالم السري لروبرت مردوخ» للإعلامي مايكل وولف، مادة دسمة للنقاد في الصحف العربية.
يقول ديفيد كارر في «ذي تايمز»: «ربما تشكل النجاحات المتواصلة في أعماله التي تمتد بطول قارات عدة، وزيجاته المتعددة، والكفاح الذي يؤرقه بين الأجيال المختلفة، لتجعل منه مادة دسمة لصحف ومجلات التابلويد، لكن الرجل الذي يملك وسائل الإنتاج يأبى أن يجعل نفسه حنطة لمطحنته. إنه روبرت مردوخ - مالك جريدة (النيويورك بوست) - الذي أصبح محور كتاب مايكل وولف الجديد (الرجل الذي يملك الأخبار... داخل العالم السري لروبرت مردوخ). مردوخ معروف بأنه قد أسس بعض الصحف، إضافة إلى نشاط لا نهاية له في مجال القنوات التلفزيونية بتأسيسه لشبكة «فوكس نيوز»، كما أنه أضاف إلى إمبراطوريته أخيراً جريدة (ذي وول ستريت جورنال)، وهي صحيفة لم تكن معروضة للبيع، ومع ذلك استطاع السيطرة عليها بإصراره وحنكته».
ويضيف كارر: «لقد كرّس وولف جانبي القنص والهيمنة ليكونا كخلفية في تحليله لشخصية مردوخ، فجاء هذا الكتاب مثل تحفة فنية مدهشة، رغم أنها تحفل بفجوات كبيرة في التنفيذ، وقد خدمت النقاط الفنية التي ساقها المؤلف دوراً تهكمياً، لكنها حققت مع ذلك تجربة مُرضية للمهتمين بالأوساط الإعلامية. وكلا الإعلاميين، أي مردوخ ووولف، متشابهين في أمور كثيرة، فكلاهما يحبان النميمة وينشرانها. مردوخ حقق نجاحاً تجارياً فائقاً ووولف لم يخفِ سراً بأنه يشتهي تحقيق ذلك. وفي مجال عمل، هجين ومستمر حتى يومنا هذا، إذ يعمل وولف كاتب مقال في مجلة (فانيتي فير)، كما أنه مؤسس لنشرات إخبارية تسمى (نيوزر)، فإن وولف حاول بشكل ما أن يطفو فوق طبقة الأثرياء الجبابرة، وأن يسعى كذلك إلى اقتناص كل فرصة ممكنة. أما تأريخه لقصة شراء مردوخ لصحيفة (وول ستريت جورنال) من أسرة بونكروفت في العام 2007 فشكّل القاعدة الروائية للكتاب - المليء بالتفاصيل المتلاحقة التي تجعل العالم التجاري يبدو مثيراً وقاسياً، لكن، عموماً، لم يقدم وولف نفسه مطلقاً على أنه مراسل، فعلى مر أعوام نجح وولف في شق طريقه بطريقة أقل حذراً وأحياناً أشد قسوة من بقية الصحافيين الذين اعتبرهم خاسرين قدامى».
ويتابع كارر: «رغم أننا نجد (الرجل الذي يملك الأخبار) يهاجم موضوعه بمرح عرضي، إلا أن الكتاب يحتوي على استشهادات قليلة حقيقية من كلام مردوخ نفسه لكنها مذهلة. لقد كانت مجرد قصاصات من هنا وهناك، لا شيء أكثر، لكن شخصيته بدت مثل طيف غير ثابت، رغم أن وولف تحدث معه لساعات كثيرة على مر أشهر عدة. وقد وصف وولف مردوخ بشكل حذر، إذ قال إنه (لا يجيد وصف نفسه وينزعج كثيراً عندما يطلب أحد منه أن يفعل ذلك)، ثم أضاف وولف أن (مردوخ يتذمر كثيراً عندما يجبر على التحدث عن نفسه). وهذا يفسر سبب عزوف مردوخ عن الجلوس على أريكته استعداداً لتحضير وولف لكتابه. لكن هذا لا يبرر الفشل العام في إعطاء نظرة للقارئ، كما يعد العنوان الثانوي (داخل العالم السري لروبرت مردوخ). وبدلاً من ذلك، سطّر وولف آراءه الغزيرة للإجابة عن سؤال كيف أصبح مردوخ في هذه المكانة؟ فقال عنه (إنه يميل إلى إيجاد ضجة أو نقل حركة مرتبكة في ضجة ما، أو في تضخيم الحركة الفوضوية داخل إطار ما، والتي تؤدي تدريجياً إلى تغيير محيطي على نطاق واسع... أو لبعضه). ويمضي هذا الأسلوب من التهكم الحذر ببطء حتى يصل إلى خلاصة الكتاب، وبعدها يسقطه بإيجاز، ويصل بالقارئ إلى النقطة التي تجعله يشعر تقريباً بأن وولف يتوقف قبل أن يصل إلى الحافة. لكنه مع ذلك بدا ذكياً وعاقلاً حقاً، وغالباً ما يتطرق في أسلوبه نحو العمق. وبأسلوبه الجذاب يلاحظ كيف أن مردوخ (يملك حساً تجارياً مرهفاً يعرف من خلاله متى تلوح أمامه الفرصة وكيف يقتنصها)».
ويرى كارر أن «مردوخ، رغم غياب الجانب الشخصي من حياته، على الأقل، في هذا الكتاب، رجل شديد الاهتمام والانشغال إلى الدرجة التي يصعب معها الاستماع إليه. كما وصف العمل معه بأن (كل ثانية تعمل فيها (مع مردوخ) هي نفسها مثل الثانية الأخرى التي تجعلك تفكر فيها عما يريده، فهو يفرض نفسه بداخلك). لقد أوضح وولف أن مردوخ كان يتوسل لعائلة بونكروفت من خلال مفاوضات عن ضمان حرية إدارة التحرير لصحيفة (وول سترتيت جورنال). ورغم التحالف الكبير الذي كان بين وولف ومردوخ، والذي كان سيدفع نحو التعقيد والتملق، إلا أن وولف بقي أميناً مع طبيعته المشاكسة، تماماً كما وصفه ترولوب: (ان سخريته تنبع من طبيعته اللاذعة أكثر من كونها تنبع من خطايا العالم الذي يحيا فيه)».
ومن ناحية أخرى، حسب كارر، فإن «وولف لم يأخذ موقفاً تجاه ميل مردوخ لاستخدام أدواته الإعلامية لتحسين أعماله التجارية، لكنه رسم له صورة كأنه شخص غريب الأطوار، شديد الولع بتسخير الأخبار لمصلحته، رجل واثق من نفسه لكنه مستمع سيئ، ليس له اهتمام بأساليب الإعلام الجديدة وليس لديه أصدقاء حقيقيون للتحدث عنهم. كما أشار أيضاً إلى أنه رجل عائلة جيد، رغم أن لديه ثلاث عائلات. ووولف، مثله مثل الرجل الذي يكتب عنه، نمّام ماهر جداً في استخلاص المعلومات والإحساس بنقاط الضعف. ولفت وولف إلى أن عصبة مردوخ العاملة في شركته (نيوز كوربوريشين) لن تجد حالاً أفضل مما هي عليه مع مردوخ، وبأن بيل أوريلي، رئيس مجلس إدارة (فوكس نيوز)، يتحدث ببذاءة مع مرؤوسيه ويكرهه الجميع - بما فيهم مردوخ نفسه - وأن روجر إيلز، المؤسس الفعلي لمجموعة (فوكس نيوز)، شخص يهابه الجميع حتى مردوخ نفسه. وأكمل وولف في سرده لكيفية تمكن مردوخ من استمالة وإغواء شخصيات متنفذة وسياسيين واقتصاديين لخدمة مصالحه التجارية وشراء دور نشر وصحف ذات وزن ليضيفها إلى امبراطوريته. حتى أنا كنت قد كتبت شخصياً عن هذه الممارسات في صحيفة (النيويورك تايمز) بأن مردوخ (مارس عادة استخدام أدواته الإعلامية لدفع مصالح شركته التجارية)، ثم بعد إتمام صفقة (ذي جورنال) كتبت عنه أنه أحد أكثر الشخصيات إثارة للإعجاب في مجال وسائل الإعلام الجديدة، وتحديداً لأنه كامَل بين جميع مصالحه التجارية، لكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، لأن النص الثانوي دائماً ما يفوتك إذا ما كنت الشخص الواقع تحت التوجيه، أليس كذلك؟».
ويختم كارر قراءته النقدية للكتاب في «ذي تايمز»: «هل يجب أن أشعر - أنا أو نحن أو أنت - بالوضاعة بالاستمتاع بوقت طيب محدود مع رجل يؤمن بأن إعطاء انطباع الأخلاقيات هو أفضل من التحلي بها فعلياً، وبأن دوافعهم المؤسساتية الرجعية ستوضع في النهايات الاستحواذية المعاصرة؟ على الأرجح لا. فكثيرون قبلنا أغلقوا عيونهم وانتظروا رحيل روبرت مردوخ، لكنه لم يرحل».
أما بيتر ويلبي في «الغارديان» فيقول تعليقاً على كتاب وولف: «لم يسبق لمالك صحيفة أن تمتع بجزء من النفوذ الذي يمتلكه روبرت مردوخ. فقد توسع نفوذه العالمي في وسائل الإعلام في عصر شكّلت فيه هذه الوسائل كثيراً من جوانب ثقافتنا وتطلعاتنا، وكما يصوّر بروس بيج إمبراطورية مردوخ (الإعلامية) بقوله: (لديه قدرة كبيرة على اختراق جهاز المناعة غير الكامل وسط المناخ الديموقراطي). إن مايكل وولف اقترب منه وحاوره بنفسه مرات عدة، ليس هو فقط، بل أيضاً أسرته والمقربون منه. وقدم وولف لنا سرداً روائياً يصوّر فيه كيف تمكن مردوخ من السيطرة على جريدة (وول ستريت جورنال) العام 2007، وأضاف إلى هذا السرد لقطات سابقة بتفاصيلها الدقيقة عن صفقات مردوخ السابقة وكيف نجح فيها». ويلفت ويلبي إلى أن «وولف غاص في حياة مردوخ ليعطي لمحات عن العاملين في شركة (نيوزكورب) التي يملكها مردوخ أيضاً عن علاقاته بزوجاته وأبنائه وكيفية تعامله مع منافسيه وحلفائه. كما أخبرنا المؤلف عن مردوخ بأنه غامض، حذر، خطير، بارد ومسيطر. وأشار بشكل مباشر إلى الكيفية التي يحكم بها مردوخ محرريه. لكن المؤلف أغفل كثيراً عن جانب أكثر أهمية، وهو كيف يؤثر مردوخ في تشكيل العالم الذي نعيش فيه، وهذا جانب مهم. وبدلاً من ذلك قدّم لنا المؤلف مردوخ على أنه شخصية تقليدية غريبة الأطوار، ووصفه بأنه سيئ ومحبوب وتهيمن عليه زوجاته اللواتي يدفعنه للذهاب إلى دور الأوبرا حيث يغالبه النوم فيها، وأظهره أيضاً على أنه شخصية ليبرالية لحد كبير رغم سنه البالغة 77 عاماً».
ويوضح ويلبي أن «وولف كان محقاً عندما وصف مردوخ بأنه لا يهتم سوى بالسلطة والنفوذ، وهو لا يريد السلطة لشيء مخصوص، بل لذاتها. ومردوخ - كما يصوره - ليست له تطلعات اجتماعية، إذ إنه لا يسعى وراء الشهرة أو المجد الشخصي، رغم أنه يميني التوجه بشكل واضح ويمتدح الأسواق المفتوحة، لأنها تجزي المجتهدين، خصوصاً نفسه، لكنه في الوقت نفسه ليس لديه وعي سياسي عميق. ويريد مردوخ التأثير على السياسيين فقط ليظهر أن بإمكانه القيام بذلك، وهذا هو مقياس نفوذه ونجاحه. وهو يربط نفسه بالشخصيات الجديدة مثل مارغريت تاتشر وتوني بلير، لأنهم يحتاجونه أكثر، وعندما يفوزون فهم يدينون له بالكثير. وشركته الإعلامية (نيوز كورب)، ما هي إلا شركة عائلية، بل محل بقالة لكن بمستوى هائل، وهي خاضعة لنزوات مالكيها، ويبدو أن أبناءه لن يفعلوا أي شيء غير سوى أنهم يعملون له. أما مساعدوه في الشركة فيحاولون القيام بما قد يخطر في باله، تماماً كما لو أنه موجود بالفعل. ورغم أنه غير موجود، غالباً، إلا أنه قد يتواجد في أي وقت ويتجلى مثل شبح ، كما صور بيرس مورغان أحد رؤساء التحرير السابقين لصحيفة (نيوز أوف ذا وورلد)».
ويذكر ويلبي كيف أن «وولف وصف شركة (نيوز كورب) بأنها من أكثر الصحف رجعية، لأنها مناهضة لاستخدام التكنولوجيا في مجال الإعلام. وقد أخذ الأمر أعواماً حتى أدخلت الإنترنت إليها، وهي تفتقد للاستراتيجية الاقتصادية وللتخطيط التجاري، وليس لها تصور مرسوم لعلامتها التجارية، وما تبيعه مجرد منتج من الدرجة الثالثة وغير أصلي، ولهذا فهي تبيع بأسعار مخفضة. وتتكون إدارة (نيوز كورب) من أشخاص متوسطي المهارة تقريباً، وغالبيتهم - حسب وصف وولف - لن يمكن تعيينهم في أي مكان آخر. ورأى وولف أن إمبراطورية مردوخ الإعلامية هي أكثر الأنشطة التجارية البعيدة عن شكل الأنشطة التجارية، وأنها غارقة في الديون لدرجة أن ديون الشركة في عقد الثمانينات فاقت أصولها بمليارات عدة من الجنيهات الإسترلينية، ومع ذلك قام مردوخ بشراء مزيد من الصحف للحصول على مزيد من النقد، حتى لو كان ذلك يعني مزيداً من الديون، إذ إنه اشترى شركة (فوكس للقرن العشرين) عندما لم يجد المزيد من الصحف لشرائها وبدا في نهاية عقد الثمانينات وكأنه على وشك أن يخسر إمبراطوريته».
ويختم ويلبي: «أنا أشك في أن مردوخ تعاون مع وولف، لأنه عرف ما سيسفر عنه الكتاب من سرد لاذع هزلي شخصي بحت مكتوب بأسلوب وولف الصحافي البارع في مجلة (فانيتي فير). وهذه من ضمن أنماط الصحافة غير الرنانة من ناحية أنها لا تدّعي تناول أسئلة كبيرة عن توزيع السلطة والمال، والتي يقرّها مردوخ. وإن كان وولف قاسياً غالباً حيال مردوخ فحاله حال الكثيرين، ذلك أن الرجل العجوز لديه جلد سميك ولا يهتم كثيراً بما يقوله الرأي العام عنه طالما أنه هو مستمر - هو وسلالته - في ممارسة نفوذه».