فيصل فالح السبيعي / الرأي المختلف / عاجزون عن إيقاف السيارة
1 يناير 1970
06:49 ص
يبدو أحياناً أن السيارة تندفع في طريق مظلم حيث الريح، والغبار، والمطر، والبرد، والحر. إلى أين تمضي مسيرتنا سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، واجتماعياً؟ إن الساسة عاجزون عن إيقاف المجنونة المتهورة التي تندفع في كل اتجاه، ورجال الاقتصاد عاجزون عن إنهاء المشكلة في البورصة، والأزمة العقارية، والتنموية، وتحديد ملامح المستقبل ليوم مقبل وليس لأعوام مقبلة. الوضع غير مطمئن، ولا أحد يعرف إلى أين تنتهي هذه النكسة في كل المجالات أمام طغيان حراك سياسي، واجتماعي، وإعلامي مخيف!
***
حكومتنا الرشيدة أشعرتني بقدر من الانزعاج، فهي لا تأخذ العبر من الماضي، واتضح ذلك وهي تبعثر الأموال من دون حسيب ورقيب. إن ذلك يترك ظلالاً كثيرة ويفرض أعباء خطيرة، يفرض إنهاكاً للسيولة الموقتة بعد الطفرة الكبيرة في أسعار البترول، ومتى تبدأ الحكومة بنفسها وفي كل يوم نشاهد مظهراً جديداً من مظاهر البذخ، والإسراف، والإهمال، والهبات، كأن هذه الأموال إقطاعية خاصة... مازالت الحكومة عندنا تتصرف على أساس أنها دولة من دون مؤسسات، رغم أن العالم كله يدخل الآن سراديب الأزمات إلا أن لدينا إصراراً عجيباً على أن ننفق ببذخ، وعدم مراقبة أموالنا، وعدم وجود الشفافية والوضوح في صرفها، وعدم وجود إدارة فاعلة ذات نفوذ في المراقبة والمحاسبة بالشكل المفروض... صحيح أن الأيام المنصرفة فيها بوادر من الأمل والمتابعة ولكنها ليست كافية كي نصل إلى المنشود، والوصول إلى الحقيقة.
***
لا أنكر أن قضية التغيير أصبحت الآن من حق أجيال تكدست على المستويات كلها، هناك طوابير طويلة في الانتظار، فرصة لا تجيء، ومستقبل مظلم وغامض، وغريب يدعو للخوف، والريبة، وقلاقل من هنا وهناك لا نعلم عنها شيئاً، فهل سيجيء الوقت الذي تحصل فيه هذه الأجيال على فرصتها والتي تتمناها؟
لا أنكر أننا كثيراً ما نتجاهل قضايانا الحقيقية ونغرق أنفسنا في متاهات من الجدل العقيم، إن واقعنا الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي يحتاج إلى هزة عنيفة تعيد لنا قدراً أكبر من الجدية والفهم في مواجهة قضايانا ومواقفنا، والذي يجري حالياً من مهاترات ومناكفات بين طرفين أحدهما يدعو إلى نجدة إخواننا الفلسطينيين والعرب، والآخر يدعو إلى عدم الاكتراث بمشاكلهم، وهذا كلام هراء بعيد كل البعد عن شرائعنا، وأعرافنا، وإنسانيتنا ولا يجب التطرق له لأن موضوع فلسطين مفروغ منه وهي جزء لا يتجزأ من قضيتنا، ويجب أن نعرف أيضاً أنه في كل بلد أناس نشاز يجب عدم الاكتراث لهم، لأن هذه قضية محسومة ويجب عدم النقاش فيها لأنها حق وواجب!
ونحن عندنا قضايا شائكة، وجدية، ولابد من محاولة فهمها ومواجهتها... يأتي في مقدمة هذه القضايا: التجاذبات السياسية والإعلامية وهي تدق ناقوس الخطر، ويجب الالتفات إليها بعين ثاقبة، والعمل على توافر رؤى جدية وحازمة لأنها سوف تفرز لنا سموما قاتلة. قضية تحديث التعليم لأن بناء الإنسان ليس اقل أهمية من «الداو» و«المصفاة»، وغيرها من مشاريع غير واضحة ويمكن أن تجلب لنا الخسائر. وهناك قضية تحديث العقل الكويتي بحيث يصبح قادراً على مواجهة متغيرات العصر وظروفه من دون أن يفقد هويته وجذوره، وقضية الإعلام ودوره الخطير في بناء الإنسان. وقضية الفراغ السياسي والتخبط والشد والجذب المتواصل، والذي ينبغي أن يكون الحوار أهم مقوماته، وألا نترك الساحة للجاهلين وأعداء الامة يتلاعبون بمصائرنا كما نرى الآن. وقضية الشارع وما يعانيه من تلوث السلوكيات، والأخلاق، ولغة الحوار، وخلط الحقائق وخراب الوجدان. والاقتصاد يعاني من غياب الأمانة والشفافية، وعدم الإحساس بالوطن وأمواله. وقبل هذا كله يجب أن نسعى لاستعادة مساحات الجمال التي اغتالها أشباح القبح في نفوسنا، وشوارعنا، وحدائقنا، وأسواقنا، ومدارسنا، وبيوتنا، ووسائل إعلامنا.
فيصل فالح السبيعي
محامٍ ومستشار جمعية الصحافيين القانوني