استوقفني أحد كبار السن في الجمعية التعاونية ليسألني باهتمام: «مساعداتنا التي نرسلها للفلسطينيين، هل يرسلونها لفتح او لحماس؟!» قلت له: «أنا أعرف بأن أغلب الجمعيات الخيرية في الكويت ترسل المساعدات مباشرة إلى فلسطين لتصل إلى يد الشعب الفلسطيني دون تسلمها لفتح أو حماس». قال: «هذا جيد لأنهم اذا كانوا سيرسلونها لهؤلاء فلن نتبرع بها»، ثم بدأ بالتذمر مما يسمعه هذه الأيام من تبادل اتهامات بين زعماء فتح وزعماء حماس والكل يصف الآخر بأنه حرامي ويسرق الأموال ويسأل: كيف يمكن ان نستأمنهم على أموالنا؟!
في اعتقادي ان ما يجري بعد انتهاء العدوان على غزة أسوأ بكثير من ذلك العدوان الهمجي، فما ان وضعت الحرب أوزارها حتى تسابق قادة فتح وقادة حماس على توجيه الاتهامات لبعضهم البعض ووصف كل منهم للآخر بالتخوين والسرقة وتطاحنوا على من يجب ان توجه اليه المساعدات وكأنما هي غنائم حرب خرجنا منها منتصرين يريدون قسمتها على المحاربين!!
ما ذكره هذا الرجل ينطق بلسان غالبية الناس في عالمنا العربي إذ ان صراع الأشقاء الفلسطينيين ينفر الناس منهم، لذا فإن واجب الحكومات الخليجية التي هي المانح الوحيد لإعمار غزة ان تبحث عن طرق لتوصيل المساعدات سواء العينية منها او لبناء البنية التحتية التي خربها اليهود، عن طريق توصيلها مباشرة او تأسيس مؤسسات فلسطينية في الداخل تتبع لها لتتولى كل شيء بنفسها، وليس ذلك من باب تخوين القيادات ولكن لإنهاء الخلاف بين الأشقاء ولإجبارهم على التوحد ان كانوا يريدون المساعدة من العرب، وأخيراً لطمأنة قلوب المتبرعين إلى ان مساعداتهم لم تدخل في خضم الصراع السياسي الذي دمر غزة ومازال.
النصر ليس بالكلام
ما نسمعه هذه الأيام من تحويل مأساة غزة إلى نصر بالكلام والاحتفالات بالنصر يناقض الواقع الذي يحتم الاعتراف بالهزيمة والبحث في الأسباب التي قادت إلى تلك الهزيمة والدمار الساحق الذي حل بشعب اعزل من دولة عدوانية ظالمة، وقد قلنا هذا الكلام عن حرب لبنان عام 2006 وكيف جر حزب الله بلاده إلى مغامرة طائشة عندما أسر أربعة جنود اسرائيليين، ومع ان هنالك مفارقة وحيدة بين تلك الحرب وهذه الحرب اذ ان حزب الله استطاع صد العدوان الاسرائيلي البري وأوقع فيه خسائر فادحة، لكن ذلك لا يمكن تسميته انتصاراً تحت اي ظرف من الظروف، فالانتصار الحقيقي هو التعامل مع الواقع وما يفرضه من امور كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين «بالكرار» (أي المنتصرين) رداً على من اتهمهم «بالفرار» عندما قادهم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الانسحاب من المعركة والرجوع بالجيش سالماً بدلاً من مواجهة عدو لا قبل لهم به.
ولو كان الانتصار بالمقاييس التي يدعيها البعض لأصبح المسلمون أعظم امة منتصرة على وجه الأرض، فأفغانستان قد انتصرت لأن الأميركان قد احتلوها بالكامل لكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى «بن لادن» أو «الملا عمر»، والعراق منتصر بالرغم من مقتل مليون إنسان بعد الغزو الأميركي والسبب هو ان الولايات المتحدة قد قررت الانسحاب بعد ست سنوات، والصومال منتصر لأن الولايات المتحدة واثيوبيا قررتا الخروج منه وتركه فريسة للحرب الأهلية تكمل ما تبقى من دمار فيه!!
لقد سطر الله تعالى في كتابه دورساً كثيرة في ثمانين آية في سورة آل عمران بعد الهزيمة في غزوة احد التي قتل فيها سبعون صحابياً بسبب خطأ أفراد - وليس القيادة - وبين للفئة المؤمنة فداحة الأخطاء التي تقع فيها ومدى تدميرها عليهم دون ان يجاملهم او يعتبر ذلك نصراً، فهل يحق لنا ان نعتبر مقتل وجرح الآلاف من الأبرياء العزل نصراً مبيناً على الأعداء؟!
د. وائل الحساوي
[email protected]