ذكرتني كلمة الرئيس المصري حسني مبارك في قمة الكويت الاقتصادية بكلمته في القمة الطارئة عام 1990 والتي بين فيها استغرابه من قادة العرب وتنازعهم في وقت يغزو فيه أحد أبناء العروبة دولة عربية مستقلة ويمحوها من الوجود بينما هم يتخانقون ويمزق بعضهم ثياب بعض دون أن يحركوا ساكنا.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فالمشهد يتكرر بعد 19 عاما وبسيناريو قد لا يختلف كثيرا عن غزو الكويت، فالعدو الصهيوني قد دخل غزة ودمر كيانها وقتل من أراد من شعبها بينما العرب يتصارعون ويتبارون في الكلام وفي صنع الأمجاد الفارغة بينهم، ويعيدون تقسيم الأدوار بينهم: معسكر الصمود ومعسكر السلام، ولو أردنا تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة فلا يوجد بينهم معسكر للصمود ولا معسكر للسلام، بل هو استسلام مخزٍ يذكرنا بسقوط الأندلس حيث كان المسلمون يتصارعون ويستعين بعضهم بالنصارى ضد المسلمين.
هل يمكن ان نتصور أن جميع تلك الخطب الرنانة التي تفتقت عنها حناجر قادة العرب لم تصل الى درجة الاتفاق على إلغاء المعاهدات بين العرب واسرائيل أو طرد السفراء، بل وصلت في أقصى الحالات الى تجميد الاتفاق؟! ولم تتوصل الى استخدام سلاح النفط أو المقاطعة الاقتصادية للبلاد التي تدعم الكيان الصهيوني؟! ولم تتوصل إلى الاتفاق على رفع القضايا في المحاكم الدولية لاعتبار القادة الصهيونيين مجرمي حرب واحضارهم للعدالة؟! ولا إلى الاتفاق على كسر الحواجز التي وضعتها اسرائيل لحصار شعب غزة ورفع الحصار عنه؟! ولا حتى الى توحيد كلمتهم؟ حتى المساعدات التي أقرها العرب دعما لاعمار غزة ستأتي من دول الخليج وحدها بينما هؤلاء المتشدقون بالعروبة لن يقدموا شيئا وقد يضغطون للحصول على نصيبهم من الدعم، ويضاف الى بركات هذه الحرب تبلور محورين جديدين، محور إيراني - سوري ومحور مصري - أردني - خليجي سيتسع مع الوقت ليكمل ما تبقى من تمزق لدى العرب، ثم يأتي أبومازن شامخا لينشدنا خطبته العصماء في بيع القضية.
ما أحوجنا لاعادة قراءة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها» (أي تجتمع عليكم الأمم لحربكم أو السيطرة عليكم كما يجتمع الناس حول الاناء الكبير ليأكلوا منه).
قلنا: «أمن قلة بنا يومئذ؟!»، قال: «أنتم كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع الله المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن»، قلنا: وما الوهن؟ قال «حب الدنيا وكراهية الموت».
د. وائل الحساوي
[email protected]