كان فقيرا عربيا من أبناء قحطان وعدنان، لم يكن يفرق بين الأخ عدنان أو قحطان، فكلهم ربعه، كونه يؤمن بالوحدة العربية، من نواكشوط إلى طهران!
كان اسمه علاء الدين- والدين تلفظ بفتح الدال لا بكسرها- وكان يردد دائما «اسمي علاء الدين بفتح» لداء «لا الدال» فقد اشتهر كونه أشهر «حفاي» الكوفة والفقر داؤه الابدي، بحثا عن الرزق، حمل رحله بين البلدان، قبل اختراع الجوازات، ومر بجميع بلاد العالم، بصحبة حصانه الذي كان حمارا، فاستخرج له هوية حصان بالواسطة، كان مديونا كأجداده وأحفاده، فالدين جينة وراثية في عائلته الكريمة.
هروبا من سلاطين البر، وسراقها، وتجارها، وصعاليكها، ومخابراتها... خرج في يوم كهذا، وجو كهذا، وغيوم تشابه هذه السحب التي تظلل راسك، كان يسير على شاطئ بحر، أو شط نهر- اختلف الرواة في ذلك-بصحبة حصانه الذي قاده بعيدا عن الناس، فسار مسيرة سنتين في يوم واحد، وإذا به أمام قمقم دفن نصفه في الرمال، نذكركم انه شاهد قمقما، لا قمما، فالوضع العربي مصاب بإسهال قممي هذه الأيام، ويحتاج إلى أكل الروب والموز، حتى يحافظ جهازه الهضمي على توازنه...!
تذكر علاء الدين قصة المارد والأمنيات الثلاث، التفت يمنة ويسرة خوفا من كاميرات المراقبة أو المباحث أو الكاميرا الخفية...اخرج القمقم ومسح عنها التراب العالق منذ ألف عام، ثم فركها بقفطانه مرة تلو أخرى فلم يخرج الجني، فركها بعمامته فلم يخرج الجني «لعنة الله على هذا المارد، لعل القمقم مستعمل أو الجني في إجازة أو ذاهب الى قمة من هذه القمم...» جلس على الشاطئ أمام القمقم، كان في حالة مأسوية، خنقته العبرة فقد كان يأمل الكثير... دمعت عيناه، وسقطت دمعة من عينه على القمقم... فلم يخرج الجني أيضا، قلب في القمقم فقرأ في قاعه، لائحة بالتعليمات «لإخراج الجني انقر مرتين على الجانب الأيسر، لطلب موعد امسح ثلاث مرات، للاستفسار اطلب الرقم صفر...» نقر مرتين فخرج المارد من القمقم لابسا «بيجامة» مقلمة بالأبيض والأزرق، بيده فرشة أسنان، وكان بطول برج دبي، وبعرض وجه المسؤولين العرب..!
ودون تردد منه وقبل أن يكمل جملته الشهيرة «شبيك لبيك...» قال علاء الدين: اعرف لدي ثلاث أمنيات...
المارد تنحنح، وتثاءب كأسد أفريقي، لخمسة وعشرين دقيقة، فنوم ألف سنة ليس كنوم ساعة، وقال: أيها الفتى، أولا ليست ثلاث أمنيات بل خمس، لكل مارد إمكاناته، ثانيا لا تقل لي حب وزواج، فانا مارد ولست خطابة، ثالثا أيها الأحمق الصغير، لا تحاول خداعي، وتقول لي كيف أنا الجني الكبير أعيش في هذا القمقم، فهذه خدعة قديمة نتعلمها ونحن في الابتدائي، رابعا لا اعلم لماذا دائما اخرج لفقير حافي منتف، لا غني ولا تاجر ولا على الأقل حسناء سمراء من بني يعرب، خامسا لا اعرف لماذا أنا هنا في بلادكم، لماذا لا نخرج إلا في بلاد العربان، لا اعرف لماذا لم يؤلف الغرب بدلا من ليلى والذئب، وسندريلا... قصة عن الجني، لكنت الآن أسير في الشانزليزية واشرب القهوة الفرنسية، وأتمتع بمشاهدة المونوليزا، وأنام في قصر فرساي...
واستمر الجني في حديثه وجلس علاء الدين بالقرب منه، منتظرا انتهاء حديثه الذي لا ينتهي، وكأنه زعيم عربي يريد تحرير فلسطين في «حتتين» خطبة، وراسين معسل!
علاء الدين كان يمني نفسه بالنعيم، فوجد نفسه بمنطقة نعيم الجهراء، لا نعيم الجنة... القصة لم تنته، بل بدأت!
جعفر رجب
[email protected]