فنجان قهوة على سطح كوكب آخر / أميمة الخميس: أحب ذلك العناد الأرعن بداخلي
1 يناير 1970
06:52 ص
| باسمة العنزي |
أسئلة تسلقت جدار الفضول، محاولات غير مخطط لها لطرق باب العفوية بشيء من المغامرة، بمعنى أدق اندلاق الأسئلة وليدة اللحظة دون محاولة تشذيبها أو قولبتها أو حتى تجميلها. وبما أن أي خطوة في درب العبث واللاجدوى بحاجة لآخر يملك حسا مغامرا متخلصا من مأزق الرسمية والحيادية، مدركا أنها تجربة شرب فنجان قهوة على سطح كوكب آخر اخترت الوارفة المتألقة ببحرياتها وترياق إبداعها... الروائية والقاصة السعودية أميمة الخميس.
عزيزتي أميمه، سأبدأ معك لعبة تداعي الأسئلة، فأرجوك لا تعيدي إجاباتك الأولى، ولا تراجعي رقيبك الداخلي مهما حدث.
- بداية... قهوتك عربية بالهيل أم تركية محلاة بالسكر؟
* القهوة صديقة قديمة أفتتح أنا وإياها بوابات الصبح، وأرشو كآبة المساء بترانيم فناجينها، أحبها في جميع أرديتها أحبها نجدية بالهيل، وتركية لكن دون سكر، أشربها ميلونج في فينا، وكابتشينو في روما، وقوية ملطفة بالحليب في نيويورك.
- هل تزعجك معرفتك حقيقة أنك أفضل روائية وألمع قاصة سعودية؟
* لا لكن قد تزعجني صيغة التفضيل... (أفضل وألمع)، تزعجني لأن النقد الفني والأدبي قد يتقهقر من خلالها إلى زمن المعيارية عندما كان النابغة الذبياني ينصب خيمته الجلدية الحمراء في سوق عكاظ، فيتوافد عليه الشعراء من أنحاء جزيرة العرب، ليختار أيهم أشعر!
وقد ترعبني كلمة ( أفضل وألمع)، لأنها متعلقة بالكامل والتام والمطلق بينما تجربتي مابرحت في حال صيرورة متبدلة متغيرة، حيث يغيب الأفضل دائما في اللامتناهي والمرتقب والمتوقع.
- بفضول... من هي سهام الملهمة في إهداء البحريات؟
* سهام هي سيدة البحريات، والدتي، سدرة المبتدأ، التي رطبت عروق الوعي برائحة البحر وشذى زهر البرتقال اليافاوي.
- أمامك لعبة شطرنج أي الأدوار ستختار أميمة ذات النزعة القيادية؟
* سؤال يحمل إجابته، فعلى افتراض أنني أحمل النزعة القيادية، فسأختار أن أكون الحصان الذي يشهق فوق الرقعة دوما بخطوات جسورة، لكنها أحيانا خرقاء، بينما في الواقع أشعر أن القيادة مستنزفة ومتطلبة أفضل أن أكون القلعة النائية القصية الملتفة بضباب عوالمها الخرافية وغيوم أساطيرها.
- لو ولدت قبل مئة عام أي المدن ستختارين؟
* لربما سأختار(باريس أو فيينا)، لعلي عندها سأصادف (الفيلسوف نيتشه والروائية أنييس نن أو النحات رودان أو الروائي اليوناني نيكوس كازنتزاكي، الذي قطن باريس تلك الفترة او العظيم سلفادرو دالي)، كنت حتما سأبحث عن جميع الذين جعلتني سطورهم اشهق وأقشعر من وقع الحضور المهيب للكشف وللمعرفة، عوالمهم التي قادتني إلى حافة المجهول الغامض المحتشد بغواية المغامرة.
- هل أنت مخلوقة ليلية تلهمها العتمة أم نهارية مشبعة بالتفاصيل؟
* أنا من قوم... الصبح إذا تنفس... الضوء يفتق جميع كوامني وينابيعي، مع الفجر أحس العالم من حولي طازجا مجلوا نضرا، قابلا لجميع التفسيرات، ومحملا بالتوقعات، في الصبح أتقافز بين السطور بمرح كجندب مبتهج، ولكن المساء يملأ قلبي بلواعج وشجن وصور قاتمة، حين أكتب في الليل أجر نفسي بين السطور كسلحفاة هرمة، بعد الساعة العاشرة مساء يصبح إدخالي في مزاج احتفالي لحضور مناسبة نوع من التعذيب.
- متى ترددين مع خالد الشيخ (مطر على كتبي وأوراقي التي ابتلت... مطر على ناس هنا عبروا تركوا مظلات هنا وتُركت أنتظر)؟
* اردد مع خالد الشيخ أغنيته الجميلة ( زنابق لمزهرية فيروز)، أو (دموع قلبي وتر وينك ياعازف عود؟)، أو أغنية (أنت وياي وأنا وياك)... تجربته جميلة وأخاذة ارتبطت بفترة اليفاعة لدي، ولها خصوصية في المشهد العربي، لكن لاأدري لما توارى نوعا ما عن المشهد أخيرا.
- على المنضدة أمامك، مفتاح سيارة وقلم حبر أسود ومحفظة نقود وأحمر شفاه، أيهما ستلتقطين أولا؟
* سألتقط مفتاح السيارة لربما هو الحلم النسوي الدائم بمساحة أكبر للاكتشاف، وكل الأشياء تؤجل إلا بهجة الاكتشاف والدهشة، فالدهشة هي أعظم أفراح البشرية.
- ما الفرق بين جارتك ربة البيت وزميلتك المبدعة في النادي الثقافي؟
* لا أدري على أي مستوى سيكون الفرق... هل هو من ناحية الطول أو الوزن أو كمية الملح في الطبخة أو نوعية القصص التي يسردنها على أطفالهن قبل النوم؟!
جميع نساء الأرض لهن لغة مشتركة لا أتوقف كثيرا عند التصنيف الاجتماعي في اختيار صداقاتي، دوما أجد في كل شخصية بعدا نادرا وومضة اختلاف والتقي وآياهن على أرضية إنسانية، نتداول بها ما تواتر لنا من حكمة وفلسفة الجدات، وما تيسر لنا من أخبار مطرزة بالنميمة، وما يمر بنا من صبابات ولواعج نطرزها بلغة الحدس وتفسير الأحلام.
- متى تنسحب أميمة من حلقات النساء؟
* قد أكون مقلة في اجتماعاتي أو نشاطي الاجتماعي، ولكن بعض الاجتماعات التي تحاصرني الظروف بها، أحاول أن انسحب منها عندما تتوحش النميمة بها إلى مستوى شرير لا إنساني، أو عندما تبدأ الأحاديث تلف في دائرة
مغلقة على تفسيرات وتحليلات سطحية وبسيطة تبعث على الغيظ، قد لأجرؤ على مغادرة المكان، لكن انسحب منها إلى داخلي وأصمت لأنه السبيل الوحيد، الذي يجعل روحي تخرج من الاجتماع بأقل عدد من الكدمات.
- من خذلك؟
* لا أعلق كثيرا من التوقعات على الآخرين فأطاردهم وأحاصرهم إلى أن نصل أرض الخذلان، فالآخر له ظروفه وتقلباته وقدراته التي على الغالب لا تستجيب لتوقعاتي، ولكن الذي يخذلني أحيانا الوقت، فقد أنظم يومي لبرنامج معين لكن تتفتت ساعاته بين يدي كبسكويتة هشة.
- أميمة هل أنت فخورة بنفسك؟
* ليس كثيرا... لكنني أحب ذلك العناد الأرعن بداخلي الذي يصر على النهوض والمواصلة بعد كل خيبة أو فشل، وأحب تلك المخلصة القابضة على قائمة أحلام الطفولة كالجمر، مصرة على عدم العودة إلا بعد تحقيقها.
- حتى أسماك الزينة الرقيقة في أحواضها المنزلية يأكل الكبير فيها الصغير، ألا ترعبك أحيانا قسوة الحياة؟
* لعل هذه القسوة هي المستحثات الخفية والغامضة للموجودات، لتتحدى واقعها وتتمرد عليه وتتجاوزه ألم يقل نيتشه يوما ما (مرحى للحسد والكراهية والتعجرف، فهي الوقود الذي يشعل الميل الجارف لدى البشر للتفوق والانتصار لواقعهم ضد كل ماهو متوحش وبدائي).
- عندما نلتقي يوما... هل ستخبرينني أن أسئلتي لم ترق لك كثيرا؟
* أنا متأكدة عندما نلتقي ستحلق بنا أحاديث كثيرة، ولربما سننسى موضوع هذه الأسئلة، سأكون حينها مبتهجة بصديقتي الباسمة، التي أنسج وآياها ممرا فاخرا يربط نجد بالكويت، ممر غريب نادر وموشى بعسجد الكلام.