... عندما تنتصر كرة القدم «الحقيقية»

1 يناير 1970 06:31 م

بُعَيد مباراتَي الدور نصف النهائي من دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، أوردت صحيفة عالمية خبراً مفاده أن نادي باريس سان جرمان، بطل فرنسا، دفع في سبيل التعاقد مع البرازيلي نيمار دا سيلفا وزميله كيليان مبابي مبلغاً يتجاوز ما دفعه بايرن ميونيخ الألماني على التشكيلة الأساسية التي بدأت المباراة أمام ليون الفرنسي في دور الأربعة.
هل هذا يعني بأن الأموال لا تصنع مجداً؟ لدى بايرن ميونيخ، النادي الواقع في ولاية بافاريا جنوب ألمانيا، الإجابة عن ذلك.
ثمة حدود لكل شيء في ألمانيا، إلّا للعمل، وليس أي نوع من العمل. نتحدث عن العمل «المدروس» الذي يفرز، إذا ما بلغ مرسى النجاح، شعوراً بالرضا «الهادئ».
بعد التأهل إلى المباراة النهائية للـ«تشامبيونز ليغ»، كان المشهد متناقضاً: لاعبو باريس سان جرمان يحتفلون وكأنّ اللقب بات في الجيب، ولاعبو «بايرن» يتبادلون التحية وأطراف الحديث وكأنّ شيئاً لم يكن.
هل هذا غرور؟ بالتأكيد لا. هو منطقٌ خاصّ بالعقلية الألمانية.
حتى بعد صافرة نهاية مباراة القمة التي أعلنت بايرن ميونيخ زعيماً على «القارة العجوز»، كان الاحتفال... بحدود.
إداريّو النادي الذين نجحوا في قيادة «السفينة البافارية» إلى برّ الأمان من خلال اكتساح الأخضر واليابس، محلياً وقارياً، عبر تحقيق «الثلاثية التاريخية» (الدوري والكأس الألمانيين ودوري الأبطال)، لم ينفجروا فرحاً. قاربوا الانتصار باعتباره حقاً لمؤسستهم بعد عمل دؤوب وتخطيط سليم قاد النادي إلى أعلى نقطة من منصة التتويج.
حَرقُ المراحل ممنوع في ألمانيا، كما في «بايرن». هذا ليس قراراً إدارياً، بل هو «أسلوب حياة».
لطالما اتُهم القيّمون على النادي بـ«البخل»، وتحديداً الرئيس الأسطوري السابق، أولي هونيس، من قِبل الجماهير المتطلبة، غير أن النجاح وحده هو ما أكد صوابية السياسة المالية المتحفّظة.
الرئيس التنفيذي للنادي، كارل-هاينتس رومينيغه، كان يبتسم بتواضع خلال مراسم التتويج. حتى الابتسامة كانت تخفي خلفها شيئاً. هونيس، الذي حضر كضيف، كان يتصرف وكأنّ ما حدث مجرد أمر متوقع... ومنطقي.
التتويج بـ«السادسة» هو نتاج عمل وتخطيط لا يمكن أن يصيبا إلا النجاح، وإن تأخر موسماً، اثنين أو ثلاثة.
لكن كل ذلك يحتاج أحياناً إلى عناصر ومعطيات وليدة لحظتها وغير متوافرة عند انطلاق التحدّي.
في نوفمبر الماضي، أقيل المدرب الكرواتي نيكو كوفاتش، وجيء بمساعده هانز-ديتر فليك، فانقلب الوضع رأساً على عقب، وتحوّل الفريق من الفشل التام إلى البطل المطلق لألمانيا وأوروبا وباللاعبين ذاتهم. توماس مولر «وُلد من جديد»، البرازيلي كوتينيو استعاد الثقة المفقودة، والأهم من كل ذلك أنْ لا لاعباً غير قابل لتعويضه في التشكيلة. هذه أيضاً فلسفة ألمانية قائمة على تفعيل دور المجموعة كي لا يتضرر النسق في حال غاب أحد عناصرها أو تراجع في مستواه.
ماذا يعني أن تخوض مسابقة بقيمة دوري الأبطال وتفوز بالمباريات كافة (11) ولا تتعادل ولا تخسر؟
ماذا يعني أن تسحق توتنهام وتشلسي الإنكليزيين وبرشلونة الإسباني؟
في ألمانيا، ثمة عُرفٌ يقوم على عدم السماح للمستثمرين الأجانب بالاستحواذ على الأندية، كما هو الحال في غير دولة أوروبية، وفق قاعدة «50+1» التي تمنح الأكثرية في النادي إلى الجمعية العمومية (الأعضاء من الجماهير) على أن تكون البقية للرعاة الذين يفضل هونيس تسميتهم بـ«الشركاء».
على هذا الأساس، يعتبر تتويج «بايرن»، مساء الأحد، انتصاراً للرؤية والتقاليد و«البال الطويل».
نعم، «كرة القدم الحقيقية» ما زالت قادرة على تحقيق الانتصار.