رؤية

أوساهيرا والميكادو واليابان

1 يناير 1970 04:48 ص

كلما شاهدتُ اختراعاً أو ابتكاراً وتفوقاً يابانياً تذكرتُ على الفور تاكيو أوساهيرا الشاب الذي صنع من اليابان بلداً ذا قوة وخطر حتى إنها دخلت حربين عالميتين، ولولا نووية أينشتاين لربما حققت النصر في الثانية.
عزلت اليابان نفسها عن العالم من 1868 إلى 1912، وهبّ خلالها تاكيو أوساهيرا والامبراطور اليابان مجدها، مثبتين للعالم أنه عندما يقدّم الأفراد مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية مهما عظمت أهميتها، ويقابل هذا باستجابة إيجابية من القيادة، فإن النتيجة تكون صنع وطن عظيم كاليابان.
يروي أوساهيرا كيف استطاع تمكين اليابان من مضاهاة جوهر الصناعة الأوروبية بصناعته لأول محرك ياباني قائلاً:
لو أني اتبعت نصح أستاذي الألماني الذي ذهبت لأدرس الدكتوراه على يديه في جامعة هامبورغ لما توصلت لشيء، كانت حكومتي قد أرسلتني إلى ألمانيا لنيل الدكتوراه في أصول الميكانيكا، بينما كنت مُصرّاً على تعلم صناعة المحرك وهو الوحدة الأساسية للصناعة الأوروبية، اشتريت من معرض إيطالي زائر محركاً صغيراً بكل ما لديّ من مال، وشغلت عن دراسة الدكتوراه بفكه وتركيبه للتعرّف على سره ونجحت في ذلك.
حملت النبأ إلى رئيس البعثة الذي سُرّ به وشجعني على الاستمرار في غايتي، وجاءني بمحرك أكبر معطل وطلب مني فكه وإعادة تصنيع قطعه المعطوبة وتشغيله ثانية، أتممت مهمتي بعد أن صنعت بيدي بديلاً لما اكتشفته من قطع تالفة.
سُرّ رئيس البعثة بإنجازي وطلب مني هذه المرة تصنيع قطع المحرك وأجزائه كلها كاملة بنفسي وتركيبها لتصبح محركاً كاملاً، شغلت في هدفي هذا عن الدكتوراه وأمضيت 8 سنوات، كنت أعمل فيها نحو 10 إلى 15 ساعة يومياً، حتى تحقق هدفي، علم الميكادو (إمبراطور اليابان) بي وأعجب بعملي فأرسل لي 5 آلاف جنيه ذهباً يساعدني بها على تحقيق مرادي، فسارعتُ إلى شراء مصنع صغير للمحركات وشحنته إلى اليابان، وعند وصولي إلى ناغازاكي أبلغت بأن الميكادو يريد مقابلتي، فاعتذرت قائلاً: إني لن استحق شرف مقابلة الميكادو إلّا بعد أن يتمكن مصنعي من إنتاج محرك صناعة يابانية خالصة، وبعد 9 سنوات أخرى تحقق الحلم وأخذت 10 محركات إلى القصر الإمبراطوري وأدرتها فأصدرت هديراً عالياً وصفه الميكادو بأجمل موسيقى سمعتها أذناه، ورددت عليه قائلاً: سيدي الآن وبفضل مساهمتكم الكريمة امتلكت اليابان قوة أوروبا الحقيقية، وانطلق بعد هذا عصر الصناعة في اليابان ووصلت إلى ما هي عليه الآن.
هل هناك أمل بأن يخرج منا أوساهيرا كويتي يضحي بسنين عمره ليقدّم للكويت إنجازاً ينهض بها ويضعها على خارطة الدول الصناعية المنتجة، وينتقل بها من تخلف الاعتماد على سلعة واحدة في صورتها البدائية، إلى عصور الصناعة والصناعة النفطية كبداية؟
للأسف لا يبدو هذا ممكناً، فالدولة تجهل كيفية إنتاج مواطن من صنف أوساهيرا وهي غير مهتمة بذلك، فنظامها التعليمي منصرف للتلقين ومهمة اجتياز الامتحانات، بدلاً من الإبداع وتنمية المواهب والهوايات، وسيستمر هذا النهج طالما استمرّ المنهج الدراسي وأسلوب التعليم على ما هو عليه، فحتى الأنظمة الحديثة في التعليم عندما بدأ الأخذ بها، سرعان ما حوّرت وكيّفت لتخدم أغراض التلقين وتحصيل الدرجات التقليدي، والمجتمع لاهٍ بتسييس حياته لخلق رأي عام ضاغط لإصلاح تراجعات البلاد.