لا أعتقد بأن القارئ ينتظر منا إبداء رأينا في التشكيلة الوزارية الجديدة، فقد اتفقت الآراء على رفضها ليس لسبب تأخر تشكيلها أو محدودية التغيير فيها، ولا لأن غالبية وزرائها الباقين قد رفعوا مذكرة استقالتهم في الحكومة الماضية لاعلان عدم امكانية التعاون مع المجلس، وبما أن المجلس لم يتغير بل ازداد شراسة في نقده للحكومة وللأوضاع القائمة، إذاً فالناس قد لخصت تعجبها في سؤال واحد وهو: هل هنالك سرّ وراء الإبقاء على نفس الحكومة وعدم تغييرها، وهل هي نية مبيتة لتعجيل الصدام مع المجلس وبالتالي التسريع بحل المجلس؟! وان لم تكن هذه هي النية فما الذي يمنع من البحث عن وزراء جدد يرضى عنهم الشعب؟!
في تصوري ان الأمر لا يصل إلى درجة المؤامرة التي يصورها البعض ولكن يمكن تشبيهه بمركب قد دخله الماء الى منتصفه، وعملية انقاذه ممكنة ولكنها صعبة جدا، لذا فإن الجميع يتنصل من قيادته ليصل به بر الأمان، وقد رفض كثير من الكفاءات المشهود لها بالنزاهة والقوة الركوب فيه أو قيادته لئلا يغرقوا معه.
لذا فإني أشفق لحال الشيخ ناصر المحمد وهو يقابل العشرات يوميا ليعرض عليهم الوزارة وهم يرفضون.
كذلك لا ننكر ان في الوزارة السابقة ممن أعادوا توزيرهم كفاءات مشهود لها، لكن المشكلة تكمن في عدم التجانس بين الوزراء أو في ضعف تشكيلة الحكومة بشكل عام وترددها أمام المجلس.
أما رسالة الاستقالة للحكومة السابقة بعد انسحابها من جلسة الاستجواب فأعتقد بأنها كانت الضربة القاضية، إذ ان الحكومة تعلم بأنها لن تجــد أفــــضل من ذلـــــك المجلس في التعاون معها وتمرير القوانين المفيدة للبلد، بل قد مرر المجلس خلال بضع جلسات من انعقاده الكثير من القوانين والمشاريع المعروضة عليه ورفض المزايدات من أعضائه حتى في القرارات غير الشعبية مثل الدواوين واسقاط القروض وغيرها، وساد فيه صوت العقل والحكمة، بل كان المجلس مستعدا للوقوف مع رئيس الحكومة في استجوابه لولا تلك الحركة التي فاجأت الجميع وأربكت الحسبة وعطلت المجلس شهرين من عمره دون فائدة.
أما الاحتجاج بوجود عدد من النواب المشاكسين في المجلس لا يزيد عددهم على أصابع اليد، فهل هنالك مجلس نواب في العالم كله لا يوجد به مثل هذه النوعية من النواب، وما هو تأثيرهم على سير المجلس ان لم يستطيعوا منع التصويت على القرارات المهمة فيه؟! لقد رأينا في بعض برلمانات العالم نوابا يستخدمون الضرب والشــــتيمة لتمرير اقتراحاتهم، ولكن العجلة تدور من دون مشاكل، نحن ندرك بأن ثقافة التعامل مع الآخر قد تغيرت كثيرا في مجتمعنا - وليس في المجلس وحده - ونحن نشعر بالألم لوصول الأمور الى ما وصلت اليه، لكن ذلك يجب ألا يمنعنا من مواصلة المسيرة والسعي لاصلاح ما يمكن اصلاحه، اما التشنج الذي تتبعه الحكومات المتتالية في كل مرة تضيق بسلوك المجلس وإعلان عدم التعاون معه، فهذا يشكل خللا كبيرا في الحكومة لا في المجلس، لا سيما وان حجم المخالفات التي يقع فيها بعض الوزراء كبيرة وبعضها يصل الى درجة تبديد المال العام وكسر القوانين، لا شك ان تلك المخالفات الجسيمة تبرر أحيانا غضب المجلس وشدته.
كـــذلك فان أصــــحاب الحناجر المتضخمة في المجــــلس قد وجــــدوا بــــالــــتـــجــــربــــة بأن هــــذه الوسيلة تُخــــضع لـــهم اعــــتى الوزراء وتجــعلهم طـــوعا بأيديهم، بينما النواب العقلاء تهملهم الحكومة وتدوس على رقابهم.
نتمنى للشيخ ناصر المحمد ولفريقه الوزاري النجاح والتسديد وليست الفضيلة في أن نعزف على وتر التثبيط والتفنن في الدوس على رقبة الوزارة، فهذه أسطوانة يجيدها الجميع، ولكن الفضيلة في ان نسدد خطاهم وندفعهم الى النجاح بإذن الله فنجاحهم هو نجاح للكويت جميعها.
د. وائل الحساوي
[email protected]