نتيجة قضايا غسل الأموال المكتشفة أخيراً... وتجنّب التصنيف يتطلّب شفافية وردعاً

هل تُصبح الكويت دولة عالية المخاطر... مالياً؟

1 يناير 1970 07:47 م

عبدالرحيم: 

تأجيل تقييم «مينا فاتف» للكويت  إلى 2020 فرصة للنجاة من دخول القائمة

القضايا المنظورة وقيمها مؤشر على غياب ثقافة المساءلة

جمال: 

«عالي المخاطر» يعني إجراءات مشددة على كل العمليات المالية للدولة وشركاتها 

قد يؤخذ على الأجهزة بالدولة عدم المبادرة وأن إجراءاتها جاءت كردة فعل 

 

لا يقتصر أثر قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المتورطين فيها فقط، بل للأمر انعكاسات أخرى قد تحمل مخاطر يجب التحسب لها، يأتي على رأسها تصنيف أي دولة كـ«عالية المخاطر»، وحينها تُطبّق ضدها تدابير لحماية النظام المالي الدولي من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويتعدى أثر ارتفاع وتيرة تلك القضايا على الدولة مسألة التصنيف، إذ إن للأمر انعكاسات اقتصادية سلبية شديدة، من بينها التحفظ على التعامل مع الدولة مالياً من قبل العديد من الدول، وتطبيق إجراءات مشددة على كل العمليات المالية المرتبطة بهذه الدولة، ما من شأنه أن يتسبب في عزوف الكثير من الشركات الأجنبية من التعامل معها، كما تتأثر الشركات والمؤسسات التابعة للدولة، وخاصة فيما يتعلق بالتجارة الدولية، حيث إن التعامل معها سيكون وفق تدقيق مشدد، ما يتسبب بتأخير إنجاز تعاملاتها وزيادة تكاليفها.
ووفقاً لمختصين حاورتهم «الراي»، فإن عملية تقييم الكويت من قبل مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مينا فاتف» تأجلت إلى أكتوبر 2022، ما يحول دون دخول الكويت في قائمة الدول عالية المخاطر، بعدما ظهر من قضايا غسل أموال أخيراً، لكن الاستفادة من تلك الفرصة يرتكز على دراسة الحالة الحالية بتأنٍ شديد لوضع اليد على مواطن الخلل.

فرصة للنجاة
من جانبه، أكد رئيس مكتب الجرائم المالية والتجارية في الولايات المتحدة، الدكتور جمال عبدالرحيم، أنه كان من المقرر أن تخضع الكويت إلى التقييم المتبادل من قبل منظمة العمل المالي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مينا فاتف»، في أكتوبر 2020، إلا أن العملية تم تأجيلها لعامين آخرين لتكون في 2022.
وأشار إلى أن التأجيل جاء للحيلولة دون دخول الكويت في قائمة الدول عالية المخاطر، وذلك بعدما تم التعاطي معه من قضايا غسل أموال خلال الفترة الأخيرة، ما يعني أن أمام الكويت فرصة للنجاة من الدخول في تلك القائمة، والتضرر من آثارها، موضحاً أنه للاستفادة من تلك الفرصة لابد من دراسة الحالة الحالية بتأنٍ شديد لوضع يدنا على مواطن الخلل.
ولفت عبدالرحيم إلى أن عدد القضايا المنظورة حالياً، والقيم المالية الخاصة بها، تُعد مؤشراً حقيقياً على غياب تبني ثقافة المساءلة، ناهيك عن الابتعاد عن الشفافية، قائلاً «على الرغم من القوانين وتشكيل الجهات المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الكويت، إلا أن تبني ثقافتي المساءلة والشفافية يشكلان محورين رئيسين في فرصة الكويت للنجاة من دخول قائمة الدول عالية المخاطر، إذ إن تبنيهما ومساءلة الكبير قبل الصغير سيعكس جدية الكويت في مكافحة تلك الجرائم». وبيّن عبدالرحيم أن تجنب الدخول في قائمة الدول عالية المخاطر يتطلب منح وحدة التحريات المالية استقلالية أكبر وحرية التصرف الكاملة في البلاغات دون الرجوع إلى وزارة الداخلية أو بنك الكويت المركزي، ناهيك عن وضع سلطة وقرار تقديم البلاغات في هذا الجانب بالكامل في يد الوحدة من دون تدخل من أي جهة، مؤكداً أن الكويت في حاجة مستمرة إلى تطوير القانون رقم 106 لسنة 2013 الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ليتواكب مع المتغيرات المتلاحقة التي تشهدها الساحة، مع ضرورة الاستفادة من معطيات القضايا الحالية، والوصول إلى مكامن الخلل التي دفعت نحو وصول تلك القضايا إلى هذا المستوى من حجم التعاملات والإجراءات، إذ إن طريقة تعامل الدولة معها سيكون لها أثرها في التقييم، الأمر الذي لا يمكن إغفاله حتى لا تدخل الكويت قائمة الدول عالية المخاطر.

طابع عالمي
بدوره، قال رئيس لجنة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في جمعية المحامين، حيدر نوار جمال، إن قضايا غسل الأموال التي تنظرها جهات التحقيق في الكويت اكتسبت طابعاً عالمياً، وينظر إلى نتائجها جميع المعنيين بالعالم، وذلك لامتداد آثارها إلى دول عديدة، وتضمنها متهمين من جنسيات مختلفة.
ويرى جمال أن امتداد آثار وإجراءات القضايا المنظورة في الكويت إلى أكثر من دولة، يدل على أن هذه الجريمة ذهبت بعيداً، وأن عملية الغسل أصبحت في مراحل متقدمة، وهو مؤشر خطر، فكلما ابتعدت الأموال عن مصدرها الجرمي، أي مكان الجريمة الأصلية، كان من الصعب اكتشافها ومعرفة مرتكبيها من قبل الجهات المختصة.
واستطرد قائلاً «في حالة قضايا غسل الأموال التي يتم التحقيق فيها حالياً بالكويت، فإن اكتشافها وملاحقة مرتكبيها يعطي إشارات أخرى إيجابية، رغم أن الأمر يحمل مؤشرات أخرى أكثر خطورة، فوصول القضايا المنظورة إلى مراحل متقدمة، يأتي نتيجة عدم المبادرة بالكشف عنها رغم ضخامة مبالغها».
وحول مؤشرات الحالة الكويتية الحالية، قال «أن تصل متأخراً خيراً من ألا تصل، وعلينا الآن النظر إلى المؤشرات الإيجابية في تلك القضايا، وهي أنه تم التحرك جدياً لمكافحة هذه الجريمة، ونتمنى أن يستمر ذلك، وأن تتم محاكمة ومعاقبة كل من يثبت ارتكابه هذه الجرائم».
ولفت جمال إلى أن عملية مكافحة غسل الأموال تتم من خلال منظومة متكاملة نصّ عليها القانون، وتتضمن جهات حكومية وأشخاص ومؤسسات عاملة بالقطاع الخاص حددها القانون، كالبنوك وشركات الصرافة والتأمين وغيرها، مبيناً أنها تعتبر خط الدفاع الأول في مكافحة الجريمة، ولذلك أوجب عليها القانون القيام بالعديد من الالتزامات في سبيل ذلك.
وأكد جمال على ضرورة تفعيل دور وحدة التحريات المالية، مبيناً أن الأمر يتطلب تعديل صلاحياتها القانونية، وذلك من أجل القيام بدورها على أكمل وجه، خصوصاً وأن تنوع القوانين المطبقة وتوزع المهام على الجهات المختصة والرقابية يؤدي إلى التداخل في الاختصاصات والتأثير على التنسيق فيما بينها، ما يضعف من فاعلية الرقابة والمتابعة.
وأكد جمال أن معطيات القضايا المنظورة حالياً أمام جهات التحقيق في الكويت يجب أن تدفع اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب نحو تفعيل دورها المنوط بها وفقاً للقانون، وذلك من خلال تقييم مخاطر هذه الجريمة لكشف مكامن القصورالتي قادت إلى هذا الكم من القضايا، وتطويرالإستراتيجية الوطنية لمكافحتها، مع نشر تفاصيل ما توصلت إليه لإطلاع المختصين والمهتمين والمواطنين عليها.

التقييم المتبادل
وقال جمال إن موعد التقييم المتبادل للكويت من قبل «مينا فاتف» تم تحديده مسبقاً، ولا يعني أن البلاد أخلت بجميع المعايير التي يستند عليها التقييم، مضيفاً «هناك الكثير من المعايير تعتبر الكويت ملتزمة بها، وبالتالي من الصعب القول إن وجود مثل هذه القضايا قد يدرج اسم الكويت في قائمة الدول عالية المخاطر، وذلك شريطة أن يكون التعامل مع تلك القضايا بمنتهى الشفافية وصولاً إلى تحقيق عنصر الردع، لنثبت أمام العالم نجاح إجراءات مكافحة غسل الأموال، وإلا قد يعتبر الأمر قصوراً وينعكس بصورة سلبية قد ترقى لتصنيف عالي المخاطر».
وذكر أنه لو صُنفت الكويت كدولة عالية المخاطر، فإنه سيتم التحفظ على التعامل معها مالياً من قبل العديد من الدول، وسيتم تطبيق إجراءات مشددة على كل العمليات المالية المرتبطة بالدولة، ما سيؤدي إلى عزوف الكثير من الشركات الأجنبية عن التعامل معها، كما ستتأثر الشركات والمؤسسات التابعة لهذه الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالتجارة الدولية، حيث إن التعامل معهم سيكون وفق تدقيق مشدد، ما سيؤخر التعاملات ويزيد كلفتها.
وأكد جمال أنه يمكن للكويت تجنب تصنيفها كدولة عالية المخاطر، من خلال وضع إستراتيجية شاملة وفقاً للمستجدات التي طرأت، والتنسيق بين الأجهزة المختصة لمكافحة هذه الجريمة بكل جدية وفعالية، والسعي والمبادرة إلى منع وقوع عمليات غسل الأموال، أو إلى كشفها بعد وقوعها والالتزام بأعلى مستوى بما نصت عليه التوصيات والمعاهدات الدولية.

فحص ومراجعة جميع القوانين

وفقاً لـ«مينا فاتف» فإن الهدف من التقييم المتبادل، العمل على تقييم الأنظمة الحالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في كل بلد على حدة، على يد فريق من الخبراء المختصين في شؤون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تستلزم عملية التقييم المتبادل قيام المقيِّمين بفحص ومراجعة جميع القوانين والضوابط الحالية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للدولة محل التقييم، للوقوف على مدى فعاليتها ومطابقتها للتوصيات. 

هكذا يتم التقييم

يستند التقييم المتبادل الذي تقوم به «فاتف» إلى العديد من المعايير، ومنها:
1 - تحديد مدى توافق التشريعات والأنظمة مع توصيات المجموعة.
2 - مدى الالتزام بالتشريعات والتوصيات من الأجهزة الحكومية.
3 - التزام الجهات الخاضعة للقانون في القطاع الخاص.
4 - مدى فاعلية الإجراءات المتبعة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبعد ذلك، يبدي فريق التقييم الملاحظات ويكشف مكامن الضعف، ويضع الاقتراحات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، ويضع مدداً محددة يجب خلالها تعديل الأوضاع كافة، وذلك من خلال تقرير التقييم المتبادل، لتتم بعدها متابعة الإجراءات المتخذة لتلافي تلك الملاحظات من خلال ما يسمى بتقارير المتابعة.

خطة ملاحقة من السلطات الثلاث

دعا جمال السلطات الثلاث في الكويت (التنفيذية والتشريعية والقضائية) إلى العمل على وضع خطة ملاحقة مدروسة بعناية، تستهدف تحديد الآليات القانونية والتنفيذية المطلوبة لاسترداد جميع الأموال المنهوبة في الخارج، وإعادتها إلى الكويت، مبيناً أن هناك العديد من التجارب الناجحة لبعض الدول، والتي يمكن الاستفادة منها لتحقيق الصالح العام للكويت.