صلاحياتٌ مستعادة لحاكمية «المركزي» بعد الصِدام مع الحكومة

هل انطلق «قطار» إعادة هيكلة مصارف لبنان؟

1 يناير 1970 06:38 م

استعاد مصرف لبنان المركزي زمامَ الصلاحية المنوطة به حصرياً، بموجب قانون النقد والتسليف في إدارة شؤون الجهاز المصرفي وتنظيمه والرقابة على ميزانياته وملاءته وسيولته، بعد تيهٍ أَرْبَكَ المرجعيات الناظمة، وبَعْثَرَ النصوصَ القانونية على خلفية الصِدام المباشر غير المسبوق وتقاذُف المسؤولية عن «الفجوة» المالية التي تعانيها البلاد، بين السلطة التنفيذية ممثَّلةً بحكومة الرئيس حسان دياب، وبين السلطة النقدية وجمعية المصارف.
ويبدو بحسب مصادر مصرفية متابعة أن عوامل متداخلة، تبدأ من التدخل الحاسم للسلطة التشريعية عبر لجنة المال والموازنة، وصولاً إلى مَخاطر انسداد قنوات الدعم والتمويل من الخارج، وتظهير الشروط الدولية لأي مساندة مرتقبة، وليس انتهاءً بإشهار تشدُّد صندوق النقد الدولي في اشتراط «توحيد» الفريق اللبناني المُفاوض لرؤيته والتزاماته، كلّها فرضتْ إيقاعاً مختلفاً في المقاربات والمعالجات المحلية لسبل الخروج من «الأزمة الشاملة».
وأتى ذلك عبر استبدال النزاع غير المُجْدي والمؤذي في نتائجه وتداعياته، بتصويبِ خطوط التواصل بين السلطتين السياسية والمالية بغية «التوافق» طوعاً أو «خضوعاً» على خطة التعافي، والتوصل الى اتفاقية تشمل برنامج قرْض مالي من الصندوق، والتطلع الى استجابة أوْسع مستقبلاً من المجتمع الدولي.
ويصنّف الخبراء مبادرة حاكم البنك المركزي رياض سلامة المستجدّة، إلى تشكيل لجنة مهنية لإعادة هيكلة المصارف، كخطوةٍ ضمن مسارٍ يعيد الأمور الى نصابها القانوني.
فالمادة 134 من قانون النقد والتسليف تنصّ بوضوح، على أن المصرف المركزي هو مَن يحدد «مبادئ تقدير عناصر الموجودات التي يتكوّن منها ما يقابل رأسمال مصرف ما، وهو يفرض على كل مصرف ما يثبت أن موجوداته تفوق بالفعل المطلوبات المتوجبة عليه تجاه الغير بمبلغ يساوي على الأقل قيمة رأسماله، وعلى المصرف الذي يكون قد أصيب بخسائر أن يعيد تكوين رأسماله».
ووفق المعلومات فإن الطابع الاستشاري للجنة والتوجيه برفْع تقاريرها واقتراحاتها إلى الحاكم بشأن المهمات الموكلة إليها، والتي تشمل درس إعادة هيكلة القطاع المصرفي، واقتراح التعديلات الضرورية على الضوابط الاحترازية لعمل البنوك، ودرس الأداء المالي، واقتراح الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة القطاع، أبقى سلطةَ القرار بيد سلامة والحاكمية وجنّب المصارف أكلاف الاستمرار في المجابهة المفتوحة والخطرة مع الحكومة ومستشاريها الذين يصرون على «الإفتاء» بتبديد حقوق المودعين وتذويب رساميل البنوك، وتحميلها مسؤولية توظيفاتها لدى البنك المركزي وتمويلها للدولة بالليرة والدولار.
وفي الواقع، نشأتْ أزمةُ السيولة في البلاد لأسباب مختلفة، ثم تفاقمت بوتيرةٍ متسارعة، نتيجة قرار الحكومة بالتوقف عن سداد ديونها المموَّلة من البنك المركزي والمصارف.
ومع تَعَذُّر الحصول على السيولة بالدولار من التوظيفات المصرفية لدى البنك المركزي، والامتناع عن دفْع مستحقات سندات الدين الدولية (اليوروبوندز)، احتدمت الأزمةُ لتبلغ لاحقاً حدّ الامتناع عن صرْف الدولارات النقدية والتحويل للخارج للمودعين المقيمين وغير المقيمين، بعدما تعرّضت احتياطات البنوك من العملات الصعبة المودعة في بنوك خارجية، لاستنزافٍ متواصل بفعل موجات السحوبات والتحويلات الكبيرة طوال الأشهر التي تلت اندلاع «ثورة 17 أكتوبر» الماضي.
وهكذا بدت المصارف «متعثّرة» عموماً، فيما يصرّ أصحابُها وجمعيتهم على تصويب الوقائع المغلوطة. فالدين الحكومي البالغ نحو 93 مليار دولار هو أصل بلاء الفجوة المالية.
وتَنَصُّل الدولة من موجبات ديونها الممكن علاجها، عبر استثمار ما تملكه من أصول ومؤسسات مُنْتِجة، أوقع البنك المركزي في «تَعَثُّرٍ» أقوى، وبذلك أصبحت المصارف الدائنة للطرفيْن بما يتعدّى 80 مليار دولار، بين توظيفات وسندات، عاجزة عن تلبية حقوق مودعيها بالعملات الصعبة، إلى حين إعادة ترتيب المسارات والخيارات بدءاً من التوصل فعلياً الى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي.
ومع انطلاق لجنة إعادة الهيكلة، يقترح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، أن يتم «الطلب من كل مصرف إعداد خطة تنفيذية لإظهار رأسمال مدفوع في مهلة سنتين لا يقلّ عن مليار دولار بالليرة، على أن يكون 25 في المئة منه متوافراً بالعملة الأجنبية، ومن خلال إيداعات لدى مصارف مصنّفة بدرجة «AA» على الأقل.
ويأتي ذلك على أن يقوم مصرف لبنان بدمج مصارف أو تصفيتها ذاتياً في حال عدم الالتزام. وتبعاً لما يعانيه القطاع المصرفي من أزمة سيولة تجعله عاجزاً عن تحرير الودائع وتحويلها الى الخارج عند طلب المودعين وفي أوقات استحقاقاتها، فإن المصارف أصبحت عاجزة أيضاً عن تمويل الاقتصاد وعن إقراض المؤسسات الاقتصادية، وبذلك لا معنى لوجودها ما لم تستعِد دورها، وفقاً لتقييم حمود، في وقت تتعرض أيضاً لخسائر محتملة نتيجة تَراجُع الاقتصاد واحتمال زيادة التعثر في محفظة القروض.
ويقترح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، أن يقوم مصرف لبنان بإنشاء مصرف خاص تساهم فيه المصارف، وتكون مهمته شراء الديون المتعثّرة والموجودات الخاضعة للمادة 154 من حصص شراكة أو مساهمة او عقارات، بغرض إعادة هيكلتها أو تصفيتها والاستفادة منها.
ويساعد هذان الاقتراحان في إدارة الودائع خلال فترة تقنين صرْفها وفي مخاطبة صندوق النقد وبيوت المال الدولية والدول الصديقة، لمدّ لبنان بالمال المطلوب لضمان الصمود إلى حين تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لأجل التوازن المالي.