يخلعون ثوب اليأس رغم.. السواد الطاغي

المصممون اللبنانيون.. «حياكة الأمل» في زمن البؤس 

1 يناير 1970 11:02 م
  • داني أطرش يؤكد لـ«الراي» الإصرار على الصمود وسرّه... الـ secret garden

حين يُذكر اسم لبنان تُذكر معه أسماء كبار المصممين الذين ساهموا في صنع مجده الإبداعي وكانوا خير سفراء له عبر العالم أجمع.

مبدعون نعم، لكنهم أيضاً مواطنون لبنانيون يعانون مثلهم مثل كل أبناء بلدهم من الصعوبات الجمة التي تمر بها "بلاد الأرز".

سابقاً كانت لهم مساهمة كبرى في تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني وتشغيل عدد كبير من اليد العاملة في المهن الرديفة، واليوم هم ضحايا الركود الاقتصادي والأزمة المالية التي يعانيها لبنان وضحايا جائحة "كورونا" التي طالت كل بلدان العالم وحركتها الاجتماعية والسياحية. لكن رغم كل شيء لم يستسلموا وها هم يسعون جاهدين للعودة الى الساحة العالمية والعربية وحجز دورهم على جدول عروض أسبوع الموضة الباريسي الشهير.

 لا يختلف اثنان على أن قطاع الموضة كان من أشدّ المتأثرين بجائحة كورونا عالمياً وقد توقفت عجلته بشكل شبه كامل، لكن الروح الإبداعية لم تخبُ بل كانت دور الأزياء ومصمموها يعملون بصمتٍ لابتكار مجموعات جديدة تكون أنشودة للحياة والأمل والمستقبل وإن بشكل جديد وأساليبِ عرْضٍ تراعي إجراءات السلامة.

ويعد خير دليل على ذلك أسبوع الموضة الباريسي للهوت كوتور لموسم خريف وشتاء 2020-2021 الذي بدأت فاعلياته في الأسبوع الثاني من يوليو، وقد انتقلت عروضه من الصالات والمسارح الباريسية المعروفة الى شاشات الإنترنت لتُبث أونلاين الى العالم أجمع وفق جدول غرفة النقابة الفرنسية كما يخبرنا الصحافي المتخصص بأخبار الموضة والمسؤول الإعلامي لعدة دور أزياء علي جفال.

لبنان على روزنامة العروض العالمية

لقد انطلق أسبوع الموضة الفرنسي "أونلاين"، يقول علي جفال، ويشارك فيه كل المصممين ودور الأزياء الملتزمين بغرفة النقابة الفرنسية  وفق جدول معين وتوقيت خاص لكل عرض وتُبث العروض على موقع النقابة الرسمي وعبر مواقع التواصل الخاصة بكل مصمم.

من لبنان  كان يفترض أن يشارك ثلاثة مصممين منتسبين للنقابة في العروض وهم جورج حبيقة، دار ربيع كيروز، وإيلي صعب الذين حرصوا على أن يكونوا حاضرين في روزنامة العروض ويحافظوا على الوجه الأجمل للبنان، فيما بعض المنتسبين اختاروا عدم المشاركة نظراً للظروف الراهنة مثل زهير مراد. وحضرت على جدول العروض دور الأزياء العالمية مثل ديور وشانيل وفالنتينو وغوتييه وغريمالدي وشاباريللي وستيفان رولان وسواهم على أمل أن ترجع العروض الى منصاتها المعتادة.

أما المصممون اللبنانيون غير المنتسبين الى غرفة النقابة والذين يَعرضون عادةً خارج الروزنامة الرسمية، فلا أحد منهم ستكون له عروض لهذا الموسم، ونذكر منهم اسماء كبيرة مثل جورج شقرا، طوني ورد، داني أطرش، رامي قاضي وسواهم رغم أن البعض قد حضّر مجموعته.

المصمم جورج حبيقة الذي عُرضت مجموعته في بداية أسبوع الموضة الباريسي اختار معرض رشيد كرامي الدولي في مدينة طرابلس ليكون مسرحاً لعرضه حيث تم التصوير في هذا الإطار الرائع بإنتاج لبناني 100 بالمئة ومشاركة تقنيين لبنانيين وعارضات موجودات في لبنان الى جانب طالِبات جامعيات. أما إيلي صعب ففجّر مفاجأةً غير متوقَّعة، إذ بعدما حُدّد له موعد لعرض مجموعته في ثالث أيام اسبوع الموضة غابَ عن العروض واكتفى بنشر فيديو قصير على صفحته الخاصة على إنستاغرام وعلى الصفحة الرسمية لغرفة النقابة الفرنسية حمل عنوان "العودة الى الجذور" ويقوم مَن فيه بمقارنةٍ بين روعة العمل اليدوي على تصميم المجموعة وهدوء الطبيعية اللبنانية.

وفيما أعلنت دار إيلي صعب ان تقديم مجموعتها لن يتم قبل شهر سبتمبر أي خارج روزنامة أسبوع الموضة، لم تُعرف بعد الأسباب التي أدت بالمصمم اللبناني إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، وربما هي ظروف "كورونا" أو أحوال لبنان المرهَق بالمشاكل.

من جهتها "ميزون ربيع كيروز" شاركت في عروض أسبوع الموضة وجمعت بين بيروت وباريس وبين الحقيقة والواقع الافتراضي، حيث شارك المصمم في فيلم للمجموعة الجديدة التي تم تصميمها في بيروت وتنفيذها في باريس حمل عنوان " 320\38" ويختصر عنوان الدار في كل من المدينتين.

مستقبل ضبابي للموضة

نسأل ناقد الموضة والصحافي علي جفال عن رأيه في استمرارية العروض وواقع المصممين اللبنانيين في هذه الفترة فيقول: "خلال فترة الحَجْر كل الطلبات كانت متوقّفة، لكن العمل على المجموعات كان يتمّ من البيوت لتُجْمَعَ فيما بعد في الاتيلييه. لقد تأجّلت كل المناسبات والأفراح، لذا كان عند المصممين الوقت الكافي لإنجاز مجموعاتهم بهدوء. لكن مما لا شك فيه أن الوضع المالي الاقتصادي اللبناني سيكون له تأثير سلبي على صناعة الأزياء في لبنان. فهذه الصناعة التي كانت تُدْخِل الأموال الى البلد وتشغّل عدداً كبيراً من اليد العاملة تباطأت حركتُها جداً وربما تكون هذه العروض الخرطوشة الأخيرة قبل القرار النهائي. فالاستمرارية مرهونة بتحسن الظروف، وقد يكون المصممون قادرين اليوم على إطلاق مجموعة جديدة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون ذلك ممكناً في شهر سبتمبر المقبل او يناير؟. اليوم ثلاثة أسماء شاركت في العروض، وربما قد يتضاءل العدد الى اثنين أو واحد لاحقاً، ولا سيما  أن دور الأزياء تتكبّد مصاريف كبيرة سواء بالنسبة للأقمشة والمواد الأولية الباهظة الثمن التي تعمل عليها أو بالنسبة للموظفين واليد العاملة الحِرَفية مع غياب شبه تام للمبيعات في الوقت الراهن وانتفاء اي مساعدة حالية أو سابقة من الدولة".

وأضاف: "ثمة دور أزياء صغيرة غير قادرة على الاستمرار وقد أقفل بعضها أبوابه بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في لبنان والبلاد العربية. ففي لبنان كل شيء متوقف اما في البلدان العربية فغالبية المطارات لا تزال مقفلة وصالات الأعراس مغلقة وحفلات الزفاف في حال حصولها مختصرة جداً ومحصورة بين الأهل".

إذاً هل يمكن الكلام عن مستقبل قاتم للموضة في لبنان؟ "ليس قاتماً بقدر ما هو ضبابي" يقول جفال "فاليوم اهتمامات الناس في مكان آخَر، وحتى برامج الموضة التي كان يترقّبها الناس في لبنان مثل برنامج " شو الموضة" الذي أقدّمه شخصياً استُبدلت بالبرامج السياسية والاقتصادية. فالناس منهمكون بتحصيل لقمة عيشهم وبالُهم مشغول على يومهم وغدهم، وإذا قدّمنا لهم برنامج موضة سينال انتقادات عدة ويحمل مفعولاً عكسياً".

داني أطرش: نعمل كصرّافين أكثر منا خياطين

ندخل الى عرين عالم الموضة ونلتقي مصمم الأزياء اللبناني المعروف داني أطرش الذي أعدّ مجموعةً جديدة وعمل عليها بهدوء وصوّرها كاملة وينتظر الوقت المناسب لعرْضها "أونلاين".

نسأله عن وضْع المصممين اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة؟ فيجيبنا بجملة تختصر الواقع: "صرنا نعمل كصرافين أكثر منا خياطين ... فنحن نسعى جاهدين لتأمين رواتب موظفينا والعاملين معنا ونفكر كيف بإمكاننا وضع استراتيجية مالية تمكّننا من تأمين ما نحتاجه من أغراض ودفْع ثمنها نقداً بدل التفكير بما نودّ القيام به من أفكار مُبْدِعة لمجموعتنا. موظفونا أمانةٌ في أعناقنا وكان علينا أن نتخذ قراراً واضحاً: إما الإقفال او التضحية معاً وتقديم تنازلات مادية واعتماد دوامات مختصرة. فهؤلاء العاملون الذين وقفوا الى جانبنا طوال عشرين عاماً وشهدوا على صعودنا، لا يمكننا التخلي عنهم في أول صعوبة. لذا كان القرار واضحاً بالاستمرار رغم الصعوبات الجمة. من جهة أخرى لا بد من التأكيد أن قطاع الموضة في لبنان قطاع مُنْتِجٌ يعمل على تشغيل عدد كبير من القطاعات الى جانبه مثل الفنادق، مكاتب السفر، وكالات تأجير السيارات، مزيّنو الشعر وسواهم، ولذا من الأهمية بمكان أن يبقى صامداً وقادراً على الوقوف على قدميه".

وأضاف أطرش: "وضْعنا اليوم صعب جداً والأمور غامضة بالنسبة إلينا. لقد مررنا بأوضاع سيئة في الماضي لكن بقي الأمل قائماً، أما اليوم فهو شبه مفقود، لا مال ولا إمكانية للسفر ولا نعرف ماذا ينتظرنا في الغد. عادةً كنا نخصص شهر يونيو للعمل على مجموعتنا وشهر يوليو لعرضها في باريس، ثم يأتي أغسطس فنعمل على حفلات الزفاف والمناسبات اللبنانية التي تزدهر في الصيف، ليكون فيما بعد شهر سبتمبر مخصصاً للدول الخليجية التي تكثر مناسباتها في الخريف. وحالياً هذا البرنامج تعثّر، فلا عروض في باريس، والسياحة في لبنان غير معوَّل عليها، ويبقى الأمل في سبتمبر بانطلاقةٍ جديدة مع عودة الحياة الى طبيعتها بإذن الله في دول الخليج".

 وتابع: "لقد تلقّينا أكثر من ضربة ولا سيما مع إلغاء الكثير من حفلات الزفاف الضخمة في الخليج أو تأجيل بعضها. ومع منْع السفر وإقفال المطارات لم يعد بإمكاننا حتى إرسال تصاميمنا إلى مَن يطلبها، أو أن بعض الفساتين التي أرسلناها لم يعد يصلح لحفل زفاف تأجّل من الشتاء الى الصيف ... واليوم أتساءل مع استمرار انتشار الإصابات هل سيكون التواجد في اي بلد آمِناً وهل سيجرؤ الزبائن على استقبالنا في بيوتهم كما تعوّدوا ان يفعلوا؟ ولكن يبقى الأمل معقوداً على رغبة السيدات في الحصول على كل جديد ولا سيما أنهن لم يسافرن الى الخارج هذا الصيف وهن في شوق للعودة الى الحياة والجمال".

رسالة أمل

وختم المصمم ذائع الصيت داني أطرش: "من جهتي أردت رغم كل شيء أن أطلق مجموعة جديدة وكاملة، وقد عملتُ عليها بعد تخفيف فترة الحَجْر بهدوء ومن دون الضغط الذي كنا نعانيه سابقاً. وأخذنا وقتنا في التفاصيل والعمل اليدوي والتطريز وقد أنجزنا 25 قطعة بدل 33 وصوّرناها وسنعرضها قريباً أونلاين. والمجموعة مستوحاة من فكرة الحديقة السرية  Secret Garden وقد تم تصويرها في متحف ويبدو كل فستان كأنه لوحة نتطلع إليها. فيها الكثير من الشك وقماش التول والموسلين المطرّز، أما ألوانها فتراوحت بين البوردو والأوف وايت والكاكي إضافة الى ألوان فرِحة ترمز الى الأمل كالأصفر".

ولا ينسى أطرش التوجه برسالة الى الأشقاء في دول الخليج قائلاً: كنتم ولا تزالون قيمةً مضافة الى لبنان ونتأمّل عودتكم إلينا لأن لبنان لطالما كان مزدهرا بوجودكم.

ولكن تبقى في القلب غصّة حول بلد كان منارة للموضة وبات اليوم يجاهد للاستمرار باحثاً عن نوافذ أمل تعيد إليه وهجه.