محمد الدلال / أفكار / سقوط الليبراليين العرب في غزة!

1 يناير 1970 06:49 ص
في ظل سقوط الشهداء والقتلى بالمئات، وقد تتجاوز الألف لمن لم يتم حصره، أو ظل تحت الأنقاض، وفي ظل آلاف من الجرحى والمصابين من أصحاب العاهات المستديمة، والآلام العظيمة، بل في ظل هدم المساجد ودور العبادة، والمساكن على رؤوس ملاكها وأصحابها، وفي ظل تشريد الناس وحصارهم وتجويعهم وترويعهم، وفي ظل منع المساعدات الإنسانية والطبية من الدخول إلى غزة، وفي ظل قصف الجامعات، والمستشفيات، ومقار المنظمات الدولية، وفي ظل استخدام إسرائيل للأسلحة المحرمة دولياً في عدوانها على المدنيين في غزة، نقول في ظل ذلك كله، وفي إطار جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني، وبتواطؤ ودعم أميركي غربي قبيح، يبرز الصمت الليبرالي العربي المخيف أمام الكارثة الإنسانية كأحد صور التخاذل والتراجع في الفكر الإنساني، وفي دعم حقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال والعدوان والظلم، بل ما هو أكثر من ذلك أن صمت معظم وجل التيارات والرموز الليبرالية العربية، إلا ما ندر، أو مواقفها الهزيلة في الوقوف ضد ما يجري من جرائم حرب في غزة يأتي في إطار استمرار تراجع الفكر الليبرالي أو التنويري الذي ينادي بتقديس العقل الإنساني، والإنجاز الحضاري الذي تفتق فأنجز المواثيق الدولية للحقوق المدنية، والاجتماعية، والسياسية والمواثيق الأخرى لحقوق الإنسان كافة، إضافة إلى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحاكم الدولية، والتي لا أثر لها ملموس في إيقاف العدوان على غزة.
إن الشعوب العربية لا ترتجي كثيراً من المنظمات الدولية، أو الدول الغربية الليبرالية، وعلى رأسها الإدارات الأميركية المتعاقبة في الوقوف مع شعب فلسطين المظلوم والمعتدى عليه، فقد سقطت تلك المنظمات، وتلك الدول عندما أيدت الكيان الصهيوني في عدوانه، وتمادت بمنع إصدار القرارات الدولية لإدانته. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، بل الأنكى من ذلك إمداده في عدوانه، وغيه، وظلمه، وجرائمه، بالعتاد والسلاح على رؤوس الأشهاد، بل إن الشعوب أخذت تكفر بالفكر الليبرالي العربي المدعي للإنسانية، والتسامح، والحريات، والديموقراطية، ولكنه في التطبيق العملي، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعدوان الصهيوني الأخير على الشعب الفلسطيني نجده إما صامتاً، وإما رافعاً صوتاً نشازاً بعدم انطباق تلك المواثيق، ولا أحقية للشعب الفلسطيني في المقاومة للاحتلال، ولا أهمية لهدم المساجد، أو البيوت على أصحابها، أو استخدام الأسلحة المحرمة دولياً على رؤوس المدنيين قبل المقاومين، أو فرض الحصار للقتل البطيء للشعب كله ومعاقبته لاختياره ديموقراطياً خيار المقاومة بعد أن فشلت محاولات السلم كافة، والاستسلام مع الصهاينة المعتدين!
نقول لحملة الفكر الليبرالي من بني يعرب إن التاريخ لا يرحم، وإن الشعوب لا تحترم من لا يحترم أو يتناقض في ما ينادي به مع ما يطبقه على أرض الواقع «كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون»، أو مع من لا يراعي في قوله وعمله الأسس الحضارية الإنسانية، أو الفكرية لشعوب المنطقة.
إن النتيجة البارزة في الأحداث أخيراً تؤكد سقوط الليبراليين العرب في امتحان غزة، فقد سقطوا في امتحان المبادئ الإنسانية، وسقطوا في امتحان دعم الشعب المظلوم، وسقطوا في تلاقيهم مع حضارتهم العربية والإسلامية، وسقطوا في تفعيل آلياتهم الإعلامية والمجتمعية لدعم الجانب الإنساني لكارثة غزة، وسقط بعض رموزهم بتخذيل الشعب الفلسطيني ومقاومته وصبره على العدوان. ولكنهم في المقابل، وبكل أسف ومرارة، نجحوا في أمر لا غبار عليه، لقد نجحوا في تطابق مواقفهم مع الدول الداعمة للعدوان الصهيوني، ومع عدد من الأنظمة العربية المتخاذلة المؤيدة للعدوان، والمؤيدة للحصار، والداعية إلى استسلام المقاومة من أجل سلام هزيل يسلب الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه، بما فيها حقوق قد كفلها النظام الدولي، أو المواثيق الدولية للحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، ومهدوا الطريق إلى استمرار العالم العربي تحت سيطرة فكر الاستبداد، والانفراد في الحكم، والهيمنة الخارجية على مقاليد الحكام، والشعوب، وتراجع التنمية البشرية... فبئس النجاح، وبئست المواقف!
محمد الدلال
محامٍ وكاتب كويتي
[email protected]