رواق

الوزير الروائي

1 يناير 1970 05:03 م

بادئ ذي بدء، هذه التساؤلات وأجوبتها، والمقالة برمتها تنحصر جغرافياً في الكويت، وغير قابلة للقياس أو التطبيق على أي مكان في العالم لخصوصيتها... فالكويتي غير!
هل يصلح الوزير أن يكون روائياً؟
هذا السؤال أعادنا سنوات إلى حديث وزير التربية الراحل الدكتور أحمد الربعي عن نيته أن يصدر رواية، عن تجربة مناضل من صفوف المقاتلين وزنازين السجون إلى مقاعد الوزراء، في إسقاط واضح على تجربته، لكنه رحل، رحمه الله، قبل أن يُكتب للرواية أن تصدر وربما أن تُكتب!
هل يصلح الروائي أن يكون وزيراً؟
هذا السؤال يأخذنا - أيضاً - إلى حديث وزير التربية الحالي الدكتور سعود الحربي، مدافعاً عن روايته الأخيرة «اعترافات متجمّدة»، في مرافعاته أمام مستجوبه النائب فيصل الكندري، الذي طالبه بالاعتراف بكتابتها، وهو الذي كتب غيرها الكثير، نحو 16 إصداراً على ذمة ويكيبيديا، سبقت توليه الوزارة.
الوزير لم يستطع أن يصبح روائياً فأدين بوزارته، والروائي استطاع أن يصبح وزيراً فأدين برواياته، ومع ذلك، تعدّدت الأسباب والاستجواب واحد، والوزارة واحدة، كلاهما اعتلى المنصة وردّد أبياتًا شعرية في هجاء السياسة التي يمارسونها!
الروائي وظيفة - إن صح القول - فنية أو أدبية، الوزير وظيفة سياسية، والسياسة تسرق الإنسان من كل شيء، الفن والأدب وحتى الحب، لذلك اتهم الوزير برومانسيته، وكان المتهم يطلق تهمته قبل الاطلاع على الرواية نفسها، ما سهل خطأه في التصنيف فصحّح له الوزير بأنها رواية سيكولوجية، بحكم تخصصه، ومعروف أن الروايات غير الرومانسية عموماً يصعب تسويقها، لكن الاستجواب منح الرواية تسويقاً غير مسبوق، جعلنا نكتشف كاتباً بعد صدور كتابه السابع عشر!
عند الاطلاع على تجربة معالي الوزير الروائية شعرت بالسعادة، في أن يكون لدينا وزير في الحكومة الكويتية قادر على الإنتاج الأدبي، بغض النظر عن جودة إنتاجه وعن أدائه السياسي.
تحمل الرواية فكرة الحاجة إلى الاعتراف، للذين لا نعرفهم ولا يعرفوننا، من دون أن نطارد باعترافاتنا، ومن دون أن تهتز صورتنا أمامهم، فنحن الذين نرسم هذه الصورة في عيونهم للمرة الأولى والأخيرة، ثم نختفي عنها من دون أحكام سابقة أو حتى لاحقة تلاحقنا، وتعمد الروائي الوزير أن ينسب دور البطولة للمستمع، فالذي يتحدث كثيراً يخسر كثيراً والذي يستمع كثيراً فاز أخيراً.
عمل بسيط جداً أدبياً، لكنه ثري بفكرته، رغم سهولة قصته، وضعف حبكته، أسلوب اعتمد على وصف الطقس والطبيعة والسماء ملبدة بالغيوم، والثلج يتساقط والشمس تعاود المغيب، أسلوب يشبه مناهج اللغة العربية في المدارس الحكومية، لا سيما أنه يصدر عن وزير التربية.
لكنه في النهاية عمل جدير بالقراءة، كتجربة فريدة لروائي صار وزيراً، فكتب رواية أثناء فترة وزارته، أنصح بقراءتها، للذين ينوون استجواب وزير التربية، قبل أن يكتبوا صحيفة استجوابهم.