طوابير أمام مراكز الصيرفة لـ «الفوز» بالعملة الخضراء

ضخّ الدولار في السوق اللبناني كـ «نقْل الماء في السلة»

1 يناير 1970 06:39 م

أنبأت مبادلاتُ العملات في أسواق بيروت بصدقِ مخاوف حاملي الليرة اللبنانية من انعدامِ مفاعيل أي اجراءاتٍ نقدية لخفْض سعر الدولار «المحلّق» في السوق السوداء، ما لم تقترن بتبدّلات نوعية في أحوال البلاد. فما كتبه الاجتماعُ الرئاسي ومجلس الوزراء والتزم بتنفيذه البنك المركزي عبر شركات الصيرفة المرخّصة، غلبت فيه روحية التسكين المؤقت للألم الناتج على «تقطيب» الجرح النازف وتَدارُك مَخاطر مُضاعَفاته.
وسريعاً، اصطدمت المباشرةُ بتنفيذ آليةِ ضخِّ نذرٍ يسيرٍ من العملة الخضراء من البنك المركزي عبر شركات الصرافة المرخّصة، تنفيذا لقرارٍ رئاسي وحكومي، في أول أيامه بطوابيرِ انتظارٍ وحجمِ طلبٍ كبيرٍ فاقَ التوقعات «الطيّبة»، لتفوز قلة من «المحظوظين» بالتحويلِ على سعرٍ يقارب أربعة آلاف ليرة للدولار الواحد، مقابل نحو 4700 ليرة في السوق السوداء، ويَرْجع «الخائبون» الى انتظارِ فرصٍ أخرى من تخصيصٍ يصل الى نحو 300 مليون دولار. بينما يُقدَّر أن وفرة الليرة في المنازل والحسابات و «شهية» الطلب السوري الخاص والمتحسِّب لضربة قانون «قيصر» الأميركي، والذي يقرّ به غالبية المراقبين، تكفلان استهلاك هذا الرقم وأضعافه بلقيمات مقبّلات الطعام.
وحتى قبل أن تنطلق الآلية الجديدة لضخ الدولار والحصول عليه، كان المنتظرون على تَحَسُّبٍ بأن «القرار» السياسي «بضغط» الدولار تدريجاً وبلوغاً الى سعر 3200 ليرة، يتوخى إعادة تهدئة الشوارع التي تجابهت وتشاركت في الاحتجاج والاعتراض الى حدود تخريب وحرق المحلات التجارية في وسط العاصمة ومناطق مختلفة، فيما كان الخبراء والمحللون يحسبون ضآلة ما يمكن عرْضه من الدولارات لجبْه موجاتِ طلبٍ ليس الاقبالُ المحلي سوى جزء من مكوّناتها.
وبدا الجهازُ المصرفي مُحايِداً في «التركيبةِ» التي رستْ على «إقناعِ» المركزي، بخلاف قناعة حاكمه، بالوقوف في الصف الأول لمعركة النقد. فالدولار لدى المصارف مُحدَّد الهوية والصرف. ودولار الودائع وشهرته «لولار» يتمّ صرْفه بسعر 3 آلاف ليرة وضمن قيود زمنية وكمية، والدولار «الطازج» (Fresh) مميّز بقابليته للصرف النقدي والتحويل. أما الاشتراك في الآلية المستجدّة، فهي محصورة كمعبر لمرور السيولة بالليرة وبالدولار بين البنك المركزي والصرافين.
عموماً، يفضّل المصرفيون والخبراء قراءة النتائج الموضوعية للآلية عقب انقضاء أيام على تطبيق مفاعيلها في السوق، كونها ستُنْتِجُ أيضاً انطباعات أقرب الى مدى فاعلية منصة التسعير الالكترونية المشتركة مطلع الأسبوع المقبل. إنما العنوان النقدي، في رأيهم، لا يمكن فصْله عن العواصف العاتية التي تضرب بنية الاقتصاد وماليته، وأيُ تفكيرٍ في عزْله يبدّد الأكلاف والجهود التي تستهدفه، تماماً كنقل الماء بالسلة.
وفي تطبيق الآلية الجديدة لضخّ الدولار والاستحصال عليه، يتوجب على الصرافين أن يعلّلوا طلباتهم وأن يذكروا اسم المستفيد، على أن يقوم مصرف لبنان وخلال 48 ساعة بتحويل الطلبات التي قُدّمت من الصرافين والتي تمت الموافقة عليها من قبل المصرف المركزي الى حساباتهم الخارجية لدى المصارف التي سيشير إليها الصراف عندما يتقدّم بالطلب الى مصرف لبنان. وتقوم المصارف بتسديد هذه الطلبات وتسليم الأموال نقداً. أما في ما يتعلق بالصرافين غير المرخصين والذين يعملون خارج القانون، فالوعد قائم بملاحقتهم ومعاقبتهم تبعاً لقرارات الحكومة ووزارة الداخلية.
كذلك طَلَبَ «المركزي» من مؤسسات الصرافة في لبنان الاشتراك في المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة المنشأة من قبله عبر التسجيل على التطبيق الالكتروني المسمى «Sayrafa» العائد لهذه المنصة والمحمّل على اللوحات الالكترونية التي تُسَلَّم خصيصاً لهذه الغاية إلى كل مؤسسة صرافة.
وسيتم تخصيص لوحة أو لوحات الكترونية عدة للعمل داخل مركزها الرئيسي وكل فروعها على أن يجري تحديد موقع كل لوحة على تطبيق «Sayrafa» وعدم إجراء أي عملية شراء أو بيع للدولار الأميركي وأي عملة أخرى خارج المركز أو الفرع المخصصة أي لوحة له. وكل مؤسسة ملزمة بتحديد وإدخال السعر اليومي المعتمد من قبلها للتداول بالدولار الأميركي وأي عملة أخرى قد تضاف لاحقاً عبر التطبيق، وذلك قبل الساعة التاسعة صباحاً من كل يوم عمل ويمكن تعديل هذا السعر خلال النهار.
وبذلك، على مؤسسات الصرافة الامتناع عن إجراء أي عملية شراء أو بيع للدولار الأميركي من دون إدخالها على تطبيق «Sayrafa». كما يتوجب عليها التقيّد بأي حد أقصى لسعر بيع الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية قد يحدّده مصرف لبنان وعدم اعتماد هوامش بين سعر البيع وسعر الشراء تخرج عن العادات المألوفة. وأي صراف مرخص يقوم بالعمل خارج هذه الآلية سيُحال على الهيئة المصرفية العُليا وتُشطب رخصته.