«الراي» تحدثت إلى نجلا عموري... المدرِّبة على الحياة واختصاصية علم النفس وتقنيات الشفاء

... هكذا نتعامل مع الضغط العصبي المتحكّم بحياتنا في زمن «كورونا»

1 يناير 1970 11:08 م

هناك نوعان من الـ «Stress» ...  الأول ضروري نحتاجه عند مواجهتنا لخطر ما والثاني الذي نضعه على أنفسنا لتحقيق أكبر كمية من الإنجازات

الجري الدائم وراء المال والعمل ومتطلّبات الحياة وضَعَتنا تحت ضغطٍ هائل

«كوفيد - 19» لا شك موجود ... لكن في المقابل ثمة أمور أفضل مِن ترقُّبه ... أمورٌ تنبع من داخلنا

يمكننا التحايل على دماغنا بأننا مرتاحونعبر التنفّس بشكل عميق والابتسامة والاسترخاء والانشغال بعمل نحبه

علينا تغذية «الأنا المراقب» بالإيمان والصلاة والتأمل ليكون قادراً على التحلّي بنعمة قبول ما يضعه الله سبحانه وتعالى في طريقنا

 

نعيش اليوم ظروفاً صعبة في «زمن كورونا»... يحوط بنا الخوف من كل جهة، الخوف على صحتنا، على عملنا ومَصدر رزقنا، على مستقبل أولادنا، نشعر بأننا نخضع لظروف أقوى منا لا قدرة لنا على مواجهتها، ونشعر بالذنب لأننا لا نقوم بما يكفي من أعمال أو نشاطات ونتساءل ما الهدف من هذا كله؟
كيف نستطيع أن نواجه ظروفاً لا يمكننا التحكم بها؟ هل نملك ما يكفي من القوة حتى لا ينهار عالمنا كما عرفناه؟
«الراي» تحدثت إلى نجلا عموري، المدرّبة على الحياة والاختصاصية في علم النفس وتقنيات الشفاء ومنسّقة مركز إدارة السترس في مستشفى ومركز بلفو الطبي اللبناني، والتي تكشف عن مكامن القوة داخلنا لنتمكن من مواجهة الـ«Stress» (الضغط العصبي) الذي نعيشه وتخطي هذه المرحلة الصعبة.

ثمة نوعان من الـ«Stress» في حياتنا، تقول عموري: «الأول هو Stress ضروري نحتاج إليه في حياتنا عند مواجهتنا لخطر ما، وهو يحضّنا على الدفاع عن أنفسنا وتخطي الخطر، إما من خلال الهروب أو عبر المواجهة. أما النوع الثاني، فهو الـStress الذي نضعه على أنفسنا لتحقيق أكبر كمية من الإنجازات، وهو يُلْقي علينا وعلى أجسامنا ضغطاً كبيراً وكأننا نشارك في سباق ماراثون نصل إلى نهايته شبه مُنْهارين. وإذا كان النوع الأول مفيداً في حياتنا، فالثاني مُضِرّ، مُتْعِب يستهلك قوّتنا وطاقتنا... وتجاه أزمة كورونا كنا بحاجة إلى الأول لنحمي أنفسنا ونخاف على سلامتنا ونهرب من الخطر. لكننا في الوقت ذاته ورغم الخوف خفّفْنا من الغليان الذي كنا نعيشه وبدأنا نرى الأمور من منظار مختلف».
وتضيف: «بداية، ربما أخَذَنا فيروس كورونا، كما الجسم الطبي على غفلة، لكن اليوم صار بإمكاننا جميعاً أن نتعامل معه وبتنا قادرين على أن نحوّل انتباهنا من الخارج إلى الداخل وأن نصغي إلى الأنا الداخلية فينا وما تحتاج إليه. لا شك أن الأمر ليس بالسهولة التي نتصوّرها، لكن عندما نشعر بالضغط يمكننا أن نتوقف قليلاً وأن نقول إننا لا نستطيع السيطرة على كل شيء مِن حولنا، ولذا يجب أن نفتش عن الضوء داخلنا وأن نركّز على نقاط القوة فينا لا على المشاكل في الخارج. فنحن قادرون على اختيار ما نودّ رؤيته، فلماذا إذاً لا نختار رؤية الجمال؟ فـ(كوفيد - 19) لا شك موجود، لكن في المقابل ثمة أمور أفضل مِن ترقُّبه، أمورٌ تنبع من داخلنا، من إيماننا بالله مثلاً، من محبتنا لمَن حوْلنا، من استمتاعنا بأمور يومية صغيرة. لسنا مسجونين داخل ظروف الحَجْر الصعبة، والقرار يعود إلينا لإعادة تنظيم أولوياتنا والاستفادة من الظروف الحالية للقيام بما يُسْعِدُنا. لا بل إن الكون يبدو وكأنه يضع أمامنا صعوبات حتى يوقظنا إلى إمكاناتنا وإلى كل ما نستطيع القيام به، بحيث نتمكن من استغلال هذا الظرف الصعب لنعيد شحن أنفسنا بعدما أرهقنا الـStress الذي كنا نعيشه سابقاً. فالجري الدائم وراء المال والعمل ومتطلّبات الحياة وَضَعَتنا تحت ضغطٍ هائل، والآن تأتينا رسالة كونية لتعلمنا أن الأشياء البسيطة في الحياة يمكنها أن تجعلنا أسعد وأكثر نشاطاً. ففي حياتنا العادية، كنا منقطعين عن القِيَم والأولويات، واليوم آن الأوان للعودة إلى جذورنا، للاتصال بالآخَر بمحبة والإصغاء إليه وإيجاد أوقات حقيقية معه».

طرق للتحايل
وكيف يمكن أن نتقبل هذا الظرف القاسي؟ أيمكننا أن نتحايل على دماغنا وعواطفنا وندّعي كأن الأمور أفضل مما هي عليه؟ تجيب: «في الواقع يمكننا التحايل على دماغنا بطرق بسيطة يمكن أن نتعلّمها. عبر التنفّس بشكل عميق، عبر الابتسامة والاسترخاء، وعبر الانشغال بعمل نحبه، يمكننا أن نوحي لدماغنا بأننا مرتاحون. حين نريح جسمنا ونسترخي، قد لا يشعر دماغنا بأننا نعاني من الـStress. أحياناً، يجب أن نكتفي بأن نكون فقط لا أن نعمل. أن ننظر إلى أنفسنا ومشاكلنا من أعلى، وحينها لن نراها بالحجم نفسه. أما إذا كنا عالقين في الحاضر نطلب دائماً المزيد من حياتنا ونسعى لأن نحقق إنجازات كبيرة ومهمة، فسنبقى عرضة للضغط العصبي والخيبات ولن نشعر أبداً بالسعادة. قد يهزمنا الفيروس لأنه يمنعنا من تحقيق أهدافنا، ولكن إذا توقّفنا وتَرَكْنا للأنا المُراقِب أن يتأمل ويصحّح ما في حياتنا من أخطاء، فعندها نستطيع أن ندرك ماذا نريد من الحياة وكيف السبيل لأن نكون سعداء. فالسعادة ليست بكثرة الإنجازات، بل بتحقيق أمور نحبها وننال من خلالها السعادة وإن كانت بسيطة. السعادة هي إيجاد محيط نحبه من حولنا ولو بأبسط الأمور: بمشية في الطبيعة، بابتسامة لشخص نحبه، بالتأمل، بالرقص أو بمتابعة عمل نكون شغوفين به».

الأنا المراقب
وماذا تعني عبارة «الأنا المُراقِب» وما أهميتها في تخطي «السترِس»؟... تردّ: «في داخل كل منا مستويان من الأنا: الأنا المتحرّك الذي يعيش تفاصيل الحياة اليومية ويكافح صعوباتها ويتأثّر بها، والأنا المُراقِب الذي يتأمل هذه التفاصيل. هذا الأخير يجعلنا ننظر إلى حياتنا كفيلمٍ لنعمل على تعديل النقاط المظلمة، غير الواضحة أو المشوَّشة فيه. هو يُعْطينا القدرةَ على تسليط الضوء عليها بغية تصحيحها وتجميلها. هذا الأنا علينا تغذيته بالإيمان والصلاة والتأمل ليكون قادراً على الاستسلام للقوة الإلهية وليتحلّى بنعمة قبول ما يضعه الله سبحانه وتعالى في طريقنا. فحين يصبح هذا الأنا حاضراً، حيادياً متقبّلاً للمشاكل يصبح بإمكانه أن يدفعنا إلى عيش حياتنا بطريقة أفضل من خلال مسامحة أنفسنا والآخَرين على ما ارتكبناه من أخطاء. فمحبة أنفسنا هي الخطوة الأولى نحو حياة صحية، والمسامحة تساعدنا على الشفاء من جروح الماضي حتى لا نستمرّ بالنزف في المستقبل. أما اجترار الذنوب، فلا يقود إلا إلى الإفراط في العمل أو السماح للآخَرين بالاستفادة منا أو الانغماس في تخريب الذات مثل تعاطي الممنوعات أو الإفراط في تناول الطعام. وحين نغفر للآخَرين، فإنما نحن لا نقوم بذلك من أجل الشخص الآخَر ولا نعني به أن ما فعله كان أمراً مقبولاً، بل نحن نسامح لتحرير أنفسنا لنتمكّن من أن نمضي في حياتنا. ومسامحة أنفسنا تعني أيضاً التخلي عن دور الضحية الذي نَسجن أنفسنا فيه. فاليوم نشعر مثلاً بأننا ضحية الفيروس، والحَجْر، والظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن في الحقيقة حين نفهم أن الحياة تَحْدُثُ من أجلنا ولا تَحْدُثُ لنا فقط، نفهم أن كل ما يحدث له هدف علينا السعي لاكتشافه. ولا يمكن أن نصبح أشخاصاً أفضل إلا من خلال المشاكل حين نتقبلها ونقتنع أنها حدثت لسبب ما. لقد حان الوقت للتوقف عن تدمير ذاتنا والبدء بملاحظة عواطفنا والشعور بها ومعالجتها ثم ترْكها».

3 خطوات
وكيف يمكن لنا ونحن في حَجْرِنا المنزلي أن نحب الحياة ونتطلع إلى الأمام؟ تقول: «نميل خلال هذه الأوقات الصعبة إلى فقدان تركيزنا وعيش فراغ وجودي. لا نعرف ما هدفنا في الحياة، هل هذا كل شيء؟ ويسأل واحدنا نفسه لماذا أنا هنا؟ ما أهدافي في الحياة؟ كثير من الناس يسيرون مع التيار يميناً ويساراً بلا هدف، تجرفهم رياح العالم حيثما تشاء، إنما إذا أردتُ تحقيق الاكتمال الذاتي عليّ أن أحدد الهدف الذي أسعى للوصول إليه، صغيراً كان أم كبيراً، ومن ثم أرسم 3 خطوات تساعدني في بلوغه:
* أسال نفسي: ما هي النتائج التي أود الوصول إليها؟
* لأيّ هدف أقوم بهذا الأمر: من أجل ذاتي، سعادتي أم من أجل تحصيل المال؟
* ما هي خطتي للوصول إلى أفضل النتائج؟».
وتضيف: «لا شك أننا نعيش أوقاتاً صعبة وأننا غير واثقين من المستقبل، لكن ما يجب التفكير فيه أنه ما زال باستطاعتنا التحكّم بأفكارنا ونظامنا وعاداتنا وما زال بإمكاننا أن نضع الكثير من الأهداف لحياتنا وليس بالضرورة أن تكون أهدافاً مادية. يمكننا أن نسعى وراء النمو والمشاركة مع الآخَرين والتكاتف في ما بيننا، وأن نسعى إلى الابتعاد عن الجهل والحقارة والعودة إلى خيارات أجمل تساعدنا على جعل العالم مكاناً أفضل».
وحين نطلب من عموري نصيحة أخيرة من مدرّبة على الشفاء؟، تجيب: «اجلسوا وصحِّحوا وضعية سلسلة ظهركم، خذوا نفساً عميقاً واسألوا أنفسكم مَن ستكونون حين تنتهي هذه الأزمة؟ هل ستكونون أشخاصاً ممتلئين بالندم لأنكم سمحتم لمخاوفكم بأن تتحكم بحياتكم أو سترسمون الحياة التي تستحقونها؟ هل ستركّزون على نموّكم الشخصي حتى في هذه الأزمة الصعبة أم ستتراجعون إلى الخلف؟ أياً تكن مشاعركم اليوم لا تحاولوا تَجاهُلَها لأن الإنسان لا ينمو ويتطوّر إلا من خلال ما يختبره من مشاعر الخوف. اغمضوا أعينكم مع نفَس عميق وتفحّصوا طاقتكم الداخلية لتسمحوا لها بالتحرك بحريةٍ، تَنَشَّقوا وازفروا كل ضغطٍ وسترس تختزنونه في أي جزء من جسدكم... انتبِهوا إلى أفكاركم، اتركوا لها أن تاتي وتذهب بحرية كالغيوم في السماء. لا تقاوموها، لأن كل ما نقاومه يبقى محبوساً في الداخل. تنفّسوا واتركوها تذهب. العاصفة ستنتهي وسيأتي منها خيرٌ وسيصبح العالم مكاناً أفضل. لا بأس بأن نشعر بأننا ضعفاء، فنحن أناس نشعر بالخوف والقلق، وهذا طبيعي. اتبعوا مشاعركم ولا تتجاهلوها وستمرّ من خلالكم إلى الخارج لتترككم أكثر خفّة وسعادة من ذي قبل».