البيت الأبيض يستحضر تشرشل للرد على الانتقادات
توقيف 10 آلاف محتج في المدن الأميركية
أعلنت السلطات الأميركية، الأربعاء، أن رجال الشرطة الأربعة الذين أوقفوا جورج فلويد في مينيابوليس، أصبحوا ملاحقين قضائياً، بينما أعيد توصيف موته بـ«الجريمة»، كما كان يطالب مئات الآلاف من الأميركيين الذين يتظاهرون منذ الأسبوع الماضي.
وتواصلت التظاهرات التي رافقتها في بعض الأحيان أعمال نهب وشغب في الأيام الأخيرة، في عدد من المدن الأربعاء، من دون أن يسجل فلتان كبير.
ودافع البيت الأبيض بشدة، الأربعاء، عن قيام الرئيس دونالد ترامب بالخروج والوقوف أمام كنيسة بالقرب من مقر الرئاسة حاملاً الكتاب المقدس بيده بعد تفريق متظاهرين فجأة القوة بالغاز المسيل للدموع، الإثنين.
وقالت الناطقة كايلي ماكيناني، إن «الرئيس أراد توجيه رسالة قوية»، مؤكدة أنه سار بذلك على خطى شخصيات عظيمة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل.
وأوضحت أنه «عبر العصور رأينا رؤساء وقادة شهدوا لحظات قيادة ورموزاً قوية جداً كانت مهمة لبلد ما (...) مثل تشرشل الذي ذهب لتفقد الأضرار الناجمة عن القنابل» في لندن خلال الحرب العالمية الثانية، مؤكدة أن ذلك «كان رسالة قيادة قوية للشعب البريطاني».
وأشارت أيضاً إلى قيام الرئيس جورج بوش الابن بشكل رمزي بإلقاء الكرة في بداية أولى مباريات للبيسبول في ملعب يانكي في نيويورك بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر 2001.
وواجه ترامب انتقادات حادة بعد توجهه سيراً على الأقدام إلى كنيسة سانت جون التي تقع مقابل البيت الأبيض وتعرّضت لتخريب خلال تظاهرات قبل يوم.
ودان العديد من المسؤولين السياسيين والدينيين تفريق المتظاهرين بعنف للسماح بتصوير الرئيس أمام المبنى.
كما أعربوا عن أسفهم لطريقة رفع ترامب الكتاب المقدس أمام المصورين.
ونددت أسقف واشنطن ماريان بود بهذه الخطوة معتبرة أنها «مهينة للغاية» واستخدام «لأمر مقدس من أجل موقع سياسي».
من جهته، تخلى وزير الدفاع السابق جيم ماتيس عن تحفظه ليشن هجوماً لاذعاً على ترامب، الأربعاء، ويتهمه بالسعي إلى «تقسيم» الولايات المتّحدة.
وكتب الجنرال السابق في مشاة البحرية، الذي استقال من منصبه احتجاجاً على انسحاب قوات بلاده من سورية، «دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأميركيين، بل إنه حتّى لا يتظاهر بأنّه يحاول فعل ذلك»، مضيفاً «بدلاً من ذلك، هو يحاول تقسيمنا».
وردّ ترامب على الفور في تغريدة على «تويتر»، قائلاً: «ربما كان الشيء الوحيد المشترك بيننا وبين (الرئيس السابق) باراك أوباما هو أننا تشرفنا بطرد جيم ماتيس الجنرال الذي لقي أكبر تقدير مبالغ فيه في العالم. طلبت رسالته استقالته وكان شعوري رائعاً حول ذلك، كان لقبه فوضى ولم يعجبني وغيرته إلى الكلب المجنون».
وكان أوباما أقال ماتيس من قيادة القيادة المركزية في 2013 بسبب مواقفه البالغة التشدد حيال إيران.
«عنصرية مؤسسية»
إلى ذلك، قد تسمح الاتهامات الجديدة في إطار التحقيق في موت فلويد بطبيعتها بتهدئة الاحتجاجات في الشارع.
وكان ديريك شوفين الشرطي الذي وضع ركبته لنحو 9 دقائق على رقبة الرجل الأربعيني في 25 مايو الماضي، متسبباً بموته اختناقاً، اتهم أول بالقتل غير العمد.
وأعيدت صياغة الاتهامات الموجهة إليه الأربعاء، لتصبح «القتل عن غير سابق تصميم»، وهي أخطر، ويعاقب عليها القانون بالسجن 40 عاماً.
ويُلاحق الشرطيون الثلاثة الآخرون بتهمة التواطؤ، وجميعهم موقوفون ما يثير ارتياح عائلة فلويد.
وكانت هذه الملاحقات في صلب مطالب المتظاهرين الذين يعبرون عن غضبهم في كل أنحاء البلاد.
وقال الأميركي الأسود براين كارتر (29 عاما) الذي التقته «فرانس برس»، في واحدة من التظاهرات التي نظمت في نيويورك إن «المشكلة هي أننا اضطررنا لننزل إلى الشوارع ولنقطع الجسور والطرق السريعة لتحقيق العدالة».
وأضاف: «إذا قامت مجموعة من أربعة من السود بقتل شخص أبيض فسيتم توقيفها فوراً. لكن الأمر لا يجري بهذا الشكل بالنسبة لنا».
ورأى حاكم ولاية مينيسوتا تيم زالز، أن اتهام الأربعة يشكّل فرصة «لمعالجة مشكلة العنصرية المؤسسية والإفلات من العقاب» اللذين أديا إلى موت فلويد. و أوضح «أنها على الأرجح فرصتنا الأخيرة لمعالجة الأمر كدولة وكأمة».
10 آلاف موقوف
في عشرات المدن، خرج آلاف المتظاهرين مرة أخرى إلى الشوارع، الأربعاء، بعضهم مصمم على تحدي حظر التجول مجدداً. وقد أوقف عشرات الأشخاص في بروكلين ومانهاتن لعدم احترام الأوقات التي حددها القانون.
لكن تم تخفيف مواعيد منع التجول في واشنطن ولوس أنجليس، حيث يفترض أن يرفع اعتباراً من ليل أمس، إذا كانت الليلة هادئة. وقد تم تطبيق ذلك الأربعاء في سياتل (شمال غرب).
في لوس أنجليس، وافق رئيس البلدية إيريك غارسيتي على أحد المطالب الرئيسية لحركة «حياة السود تهم» التي تنظم الاحتجاجات وهو تخفيض ميزانية الشرطة للاستثمار في البرامج الاجتماعية والتعليمية للمجتمعات السوداء.
وتخلى رئيس البلدية الديموقراطي عن زيادة ميزانية الشرطة العام المقبل وقرر تخصيص 250 مليون دولار لمثل هذه البرامج.
وفي واشنطن، تم نشر قوة كبيرة من الشرطة مرة أخرى لمنع الوصول إلى البيت الأبيض، وإن كانت السلطات ذكرت أنها تتوقع تجمعات سلمية. وقامت الشرطة في الأيام الماضية باعتقال نحو عشرة آلاف شخص في كل أنحاء البلاد، بحسب تقديرات نشرتها وسائل الإعلام الأميركية.
وسجّلت لوس أنجليس نحو ربع الاعتقالات على الصعيد الوطني، تلتها مدن نيويورك ودالاس وفيلادلفيا.
وتم تصنيف العديد من الاعتقالات بسبب «جرائم ذات مستوى منخفض»، مثل انتهاك حظر التجول وعدم إنهاء التجمهر، بينما اعتقل المئات بتهمة السطو والنهب.
فلويد كان مصاباً بـ «كورونا»
خلصت نتائج تشريح جثة جورج فلويد، إلى أنه كان مصابا بفيروس «كورونا» المستجد.
وبحسب نتائج تشريح الجثة الكامل، التي جاءت في 20 صفحة، فإنه لم تظهر على فلويد أي أعراض لإصابته بمرض «كوفيد - 19» الذي يسببه فيروس «كورونا» عندما توفي أواخر مايو الماضي، تحت ركبة شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس.
وجاء في التقرير التابع لمقاطعة هينبين، أن نتيجة فحص الفيروس أظهرت إصابته بتاريخ الثالث من أبريل. وبعد وفاته بيوم، أي في 26 مايو، أجرى الأطباء اختبارا عبر الأنف، وأظهرت النتيجة أيضا إصابته بالمرض، حسب ما نشرت شبكة «أيه بي سي».
وكان طبيبان قاما بتشريح مستقل لجثة فلويد قالا إن سبب الوفاة «اختناق ميكانيكي»، ما يعني أن قوة جسدية تدخلت ومنعت دخول الأكسجين، وإن وفاته كانت جريمة قتل ناجمة عن الاختناق.
وقال مايكل بادن، وهو أحد طبيبين شرحا الجثة بناء على طلب عائلة فلويد، الثلاثاء الماضي، إن فلويد لم يكن يعاني من أي مشكلة طبية كامنة ساهمت في وفاته. وأضاف أن الوفاة كانت بسبب ضغط ركبة ضابط الشرطة على عنقه وظهره.