تواصلت الاحتجاجات ضد العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة، رغم تلويح دونالد ترامب، باستخدام الجيش، في وقت وسعت البنتاغون، المتهمة بالسماح للرئيس الأميركي باستخدامها لغايات سياسية، إلى النأي بنفسها عنه، بعد تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها وزير الدفاع مارك اسبر ونشر تعزيزات عسكرية حول البيت الأبيض.
وأمس، نفى ترامب أن يكون نقل الى ملجأ آمن في البيت الأبيض خلال التظاهرات أمام بواباته الخارجية، مؤكداً أنه توجه الى المكان لمجرد تفقده.
وكات صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت أن جهاز الحماية نقل الرئيس الى الملجأ مساء الجمعة خلال تظاهرة أمام البيت الابيض.
وقال ترامب لاذاعة «فوكس نيوز»، «إنها معلومات خاطئة». وأضاف «كان ذلك خلال النهار»، موضحا أنه توجه الى المكان «مرتين أو ثلاث مرات» خلال الأيام الماضية، لكن في كل مرة من أجل «تفقد المكان».
وأوضح: «لقد توجهت معي مجموعة من الأشخاص».
وكان نائب الرئيس السابق ديك تشيني نقل الى هذا الملجأ الآمن بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001.
وأثارت أنباء نقل ترامب الى الملجأ موجة استهزاء واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ويبدو أنها ساهمت في قراره التوجه الاثنين سيراً لزيارة كنيسة متضررة من أعمال عنف.
وكان إسبر ورئيس الأركان الجنرال مارك مايلي ظهرا إلى جانب ترامب، الاثنين، عندما توجه إلى كنيسة سانت جون، المبنى الذي يرتدي طابعاً رمزياً بالقرب من البيت الأبيض وتعرض لتخريب الاحد.
وبدا إسبر في الصف الأول من مسؤولي الإدارة الذين وقفوا إلى جانب الرئيس لالتقاط صورة أمام الكنيسة، وهو يحمل الكتاب المقدس، بعد دقائق من تفريق الشرطة بعنف متظاهرين كانوا يحتجون أمام البيت الأبيض، مستخدمة الهراوات والغازات المسيلة للدموع.
وصورت لقطات للجنرال مايلي بزي التمويه العسكري يمشي وراء ترامب. وبث البيت الأبيض الصور بسرعة في تسجيل فيديو يطغى عليه الطابع الانتخابي.
وأثار الأمر استياء المعارضة الديموقراطية ومسؤولين عسكريين سابقين.
وكتب رئيس الأركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي في تغريدة: «أميركا ليست ساحة معركة ومواطنونا ليسوا العدو».
وأكد مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع، أن إسبر لم يكن يضمر شيئاً عندما تحدث عن «ساحة المعركة»، بل استخدم عبارة من «اللغة العسكرية المتداولة».
أما بشأن وجود مايلي خلف الرئيس خلال خروجه من البيت الأبيض لسبب من الواضح أنه سياسي، فقد برره المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بأنه لم يكن طوعياً.
وأوضح أن الرئيس قال لهم إنه «يريد أن يرى القوات منتشرة في الخارج»، مؤكداً أن إسبر ومايلي «لم يكونا على علم بأن قوات الأمن قررت إخلاء المنطقة».
وعبّر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب آدم سميث عن قلقه من الإدارة «الاستبدادية» لترامب و»الطريقة التي تؤثر فيها على حكم القيادة العسكرية».
وذكّر بأن «دور الجيش في حفظ النظام على الأراضي (الأميركية) محدد بالقانون».
في الواقع، يمنع قانون استخدام جنود من القوات الفعلية في مهمات لحفظ النظام، إلا في حال حدوث عصيان.
وفي حال اضطرابات عامة، يعود إلى كل ولاية قرار استدعاء شرطيين سابقين في الاحتياط في الحرس الوطني.
والأقليات ممثلة بشكل واسع في الجيش الذي يعد رافعة اجتماعية. وكان الاستياء واضحا في صفوف العسكريين بعد نحو 9 أيام على موت المواطن الأسود جورج فلويد.
وفي بلد يبجّل العسكريين، أثار إسبر قلقاً بقوله، الإثنين، إن قوات حفظ النظام يجب أن «تسيطر على ساحة المعركة»، لكنه أبدى أمس، معارضته نشر الجيش للسيطرة على الاحتجاجات والمواجهات، التي اندلعت إثر وفاة فلويد، اختناقاً تحت ركبة ضابط شرطة أبيض، الاثنين قبل الماضي.
وقال في مؤتمر صحافي، إنه لا يدعم تطبيق «قانون الانتفاضة» الذي تم تبنيه عام 1807 ويسمح للرئيس بنشر قوات عسكرية في الداخل لإخماد أعمال الشغب والاضطرابات، معتبراً أن إشراك الجيش «يمثل خياراً أخيراً».
وأشار وزير الدفاع مع ذلك، إلى أن من الصعب جدا إبقاء القوات العسكرية بعيدة عن السياسة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر المقبل.
وتعليقا على الاحتجاجات أمام البيت الأبيض، مساء الأول من يونيو، نفى إسبر استخدام عناصر الحرس الوطني قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين في ساحة لافاييت.
وأعلنت وزارة الدفاع، الثلاثاء، انها نقلت نحو 1600 من قوات الجيش إلى منطقة العاصمة واشنطن.
وقال الناطق جوناثان راث هوفمان في بيان، إن القوات «في حالة تأهب قصوى» لكنها «لا تشارك في الدعم الدفاعي لعمليات السلطة المدنية».
وأعلن رئيس الحرس الوطني، الثلاثاء، أن 18 ألف عنصر من الحرس يساعدون قوات إنفاذ القانون في 29 ولاية.
واحتجت رئيسة بلدية واشنطن موريال باوزر على إرسال عسكريين «إلى الشوارع الأميركية ضد الأميركيين»، وهو موقف عبر عنه أيضاً العديد من الحكام الديموقراطيين.
وبعد تسعة أيام على وفاة فلويد، لا تزال موجة الاحتجاجات التاريخية، تهز الولايات المتحدة.
وتظاهر ما لا يقل عن 60 ألف شخص، الثلاثاء، تكريماً لذكرى لفلويد في تجمع سلمي في هيوستن، المدينة التي نشأ فيها في ولاية تكساس، وحيث سيوارى الثرى الأسبوع المقبل.
في لوس أنجليس، ركع رئيس بلدية المدينة إريك غارسيتي مع شرطيين على ركبة واحدة، في الوضعية التي ترمز منذ 2016 إلى التنديد بعنف الشرطة ضد الأميركيين الأفارقة، وتذكر بالشرطي الذي قتل فلويد ضاغطاً بركبته على عنقه لنحو تسع دقائق.
وملأ مئات المحتجين شارع هوليوود. وتجمع آخرون أمام مقر إدارة شرطة لوس انجليس وكانوا في بعض الحالات يعانقون ويصافحون صفاً من الضباط في الخارج.
في واشنطن، تظاهر الآلاف وبينهم السناتورة الديموقراطية إليزابيث وارن، ليل الثلاثاء، متحدين حظر التجول الذي أعلنته البلدية، فيما أقيمت سواتر معدنية حول البيت الأبيض لمنع أي مواجهة مباشرة مع قوات الأمن في محيطه.
وجثا متظاهرون على الركبة خارج مبنى الكونغرس، الثلاثاء، مرددين هتاف «الصمت هو العنف» و«لا عدالة، لا سلام»، فيما تصدى لهم أفراد الشرطة قبل بدء حظر التجول الذي فرضته الحكومة.
وظل الحشد في متنزه لافاييت وغيره بعد حلول الليل رغم حظر التجول وتعهدات ترامب بالتصدي لمن وصفهم بأنهم «قطاع طرق» و«بلطجية».
في مينيابوليس، مركز حركة الغضب، حيث قتل فلويد، كان الهدوء مخيماً. وقالت صديقته روكسي واشنطن، باكية خلال مؤتمر صحافي: «أريد العدالة من أجله لأنه كان طيباً، مهما ظن الناس، كان شخصاً طيباً».
وبعد ما بدأ حظر التجول في مدينة نيويورك، سار آلاف المحتجين من مركز باركليز باتجاه جسر بروكلين، بينما حلقت مروحيات للشرطة فوقهم.
إلى ذلك، لم يقدم تقييم استخباري اطلعت عليه وكالة «رويترز»، أي أدلة على أن جماعات متطرفة حرضت على العنف والنهب.
وقال مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي، إن معظم أحداث العنف قادها «انتهازيون» استغلوا الحدث، ما يتعارض مع اتهامات ترامب بهذا الشأن.