| إعداد : نجاح كرم |
لاتزال رقصة التنورة الشعبية تمارس طقوسها الدينية بمصر منذ قرون مضت رغم انها ليست لها جذور مصرية بل اخذت من الرقص الصوفي للطريقة المولوية التي اسسها الفيلسوف جلال الدين الرومي المولود عام 1207 بافغانستان وانتقل مع والده الى العراق ثم فرت عائلته من بطش المغول حيث عاش بمدينة قونية التركية التي كانت تخضع للحكم الروماني واستمد منه لقبه الرومي ومات عام 1273، لذا تأثرت مصر وسائر الدول المحيطة بتركيا بهذه النوعية من الرقصات التي تعتمد على الحركة الجسدية لمجموعة يشكلون دائرة ملتحمة تعبر بطريقة غنائية لاستغاثة ربانية تعينهم على مواصلة الحياة، وللصدفة البحتة تتطرق السينما المصرية لهذه النوعية من الافلام التي تتحدث عن الصوفية والرقص الصوفي في الوقت الذي تحتفل فيه اليونسكو بذكرى مرور 800 عام على مولد الشاعر والفيلسوف جلال الدين الرومي، واحياء ذكراه في العديد من دول العالم ليبدأ الفيلم بابيات من السما السابعة ورقصة التنورة المستوحاة من رقصة السما الصوفية التي ابدعها الرومي وادتها فرقته الصوفية المولوية بالمدينة التركية التي عاش بها كطقس ديني في القرن الثالث عشر.
حنان وتقوم بدورها ليلى علوي فتاة جميلة وانيقة تترد على عروض رقصة التنورة في حي الحسين المكتظ بالناس بعد ان تتناول طعام الافطار مع صديقاتها، فتسحر حنان ببكر ويؤدي دوره فاروق الفيشاوي الذي يقوم بحركات صوفية جميلة تثير فضول حنان في معرفته والتقرب منه. ترددها اليومي على حلقات الذكر يلفت انتباه بكر الذي يبادلها النظرات لينتهي بهما المطاف بالسير في الحي متجولين بين بائعي الفوانيس والحلويات والاطفال الذين يلعبون بالمراجيح والفريرة ابتهاجا بقدوم رمضان، علاقتهم غير المقنعة تثير فضول الكثيرين، فحنان من طبقة متوسطة لم تكمل تعليمها ملامحها البريئة والطاهرة تعتبر ستارا من العفة لعملها كفتاة ليل وبائعة للجسد.
بكر الفقير انسان عادي مطلق من ام ولده الوحيد (وتؤدي دورها سوسن بدر) بسبب الشك في سلوكها والتي تصارع ببراعة شديدة رغباتها الجنسية وحبها للرجال ومحاولة الحصول على زوج، ابنها الذي يخالفها الرأي دائما ويرفض توجهها يتركها ليعيش مع والده رغم معرفته بعلاقته بحنان، بكر يرفض رغبة ابنه الوحيد في الانضمام الى فرقة والده وتعلم فنون رقصة التنورة وينصحه بتعلم اشياء اخرى بعيدة كل البعد عن هذه الرقصات.
تزداد الامور تعقيدا بعد توطد العلاقة بينهما وبعد ان تنهال المكالمات على حنان من زبائنها وخاصة من اتى بعد رحلة عمل طويلة ليطلبها فتأتي لمقابلته في مكان عام وتطلب منه الزواج ليرد على سؤالها السخيف بان تلحقه الى المنزل، تترد حنان وتقرر الذهاب الى منزلها وترك هذه المهنة الحقيرة والتفكير جديا بالهجرة وبعد ان ادركت تماما ان بكر مستعد للزواج منها.
اسئلة كثيرة يثيرها الفيلم في وجود شابة جميلة وانيقة تعيش في حي شعبي وكانها لم تلد فيه، تنبهر بالاجواء الرمضانية، وحلقات الذكر والرقصات الصوفية وكأنها تراها للمرة الاولى او كأنها سائحة تزور المكان وتعجب به، كذلك هيئتها ولبسها لا يتناسبا ابدا مع جو الاحياء الشعبية وخاصة حي السيدة زينب والاحياء المجاورة له المعروفة بطبيعتها الخاصة واسلوب المعيشة فيها.
بكر الذي لم يقنعنا بحبه لمهنته قدم الرقص الصوفي وكأنه رقص فلكلوري بعيد كل البعد عن الطرق الصوفية في التعلق بالخالق وسمو النفس البشرية وطهارتها والتواصل مع ملكوت الله وحب الكون والبشر، وحبه وتعلقه بحب بنت الليل ومحاولة الزواج منها, التناقض في العلاقة اثار عدة تساؤلات في محاولة المخرج انتزاع التعاطف لهذه المرأة في الوقت الذي ينبذها المجتمع والناس كافة.
كرس الفيلم مفهوماً غير عادل بحب الرجل لاي إمرأة ورفض حب المرأة من اي رجل، ومفهوم الابن الذي يرفض كل محاولات امه للزواج وتكريس حياتها لتربيته ورعايته لذلك قرر تركها والعيش مع والده رغم علمه بتكرر علاقته النسوية، الفيلم لم ينصف المرأة وجعلها مادة سهلة التأثير والغواية ومسلوبة الارادة في معظم ادوارها حيث لم يقدم الفيلم اي نموذج لامرأة محترمة سوى الام والخادمة.
من الناحية التقنية الفيلم يعتبر طويلاً ومملاً حيث تتنقل الكاميرا بحركات بطيئة في الحواري والشوارع والاطفال الذين يتجولون ويمرحون ويلعبون في المراجيح والفريرة، كما يظل المشاهد حائرا متمللا الى منتصف الفيلم يسأل نفسه كيف سيعالج المخرج العلاقة بين امرأة متوسطة الحال تعمل كبنت ليل وراقص تنورة من حي شعبي.
إعداد : نجاح كرم
[email protected]