سنوات العمر تمضي، ومعها يكبر ذلك الطفل الذي خزّن في داخله الكثير من قَصاصات الذكريات المليئة بأفراح وأحزان... آمال وآلام.
وقفةٌ أمام المرآة في الكِبر، قد تعيد ذلك الطفل الصغير، أو قد تكشف الوجه الآخَر الذي يُخْفيه صاحبُه عن محيطه الخاص والعام... قد تنطلق محادثة مع الذات، يحاورها، يتأملها، يلومها في بعض الأحيان وفي أخرى يكافئها... ليقول في النهاية «هذا أنا» أو «لست أنا».
«الراي»، منحت الفنانين الفرصة للوقوف أمام المرآة والانطلاق بالبوح بكل ما يجول في خاطرهم والغوص داخل أعماق النفس. فماذا تقول الفنانة نداء شرارة؟
• عندما تقفين أمام المرآة مَن ترين أولاً، الفنانة أم الطفلة التي كبرتْ وأصبحتْ ما عليه الآن؟
- أشاهد نفسي كبيرة دائماً، ولم أرَ نفسي صغيرةً في يوم من الأيام حتى عندما كنت صغيرة. واليوم عندما كبرت، أقول ليتني أعود طفلة صغيرة.
• عادةً، ماذا تتحدثين مع نفسك؟
- أتحدث عن نفسي عندما يتعلّق الأمر بالمستقبل، لأنني أخافه. يقيني كبير برب العالمين بأن الغد ربما يكون أفضل، ولكنني أظلّ خائفة. أعرف أن رب العالمين كتب لي الأفضل، ولكنني أخاف من نفسي ومن أن أصبح كسولة ولذا أحاول دائماً أن أضع خططاً للمستقبل كي أطوّر نفسي.
• على ماذا ندمتِ في مسيرتك الفنية؟
- لم أندم على شيء في كل حياتي، ولستُ من الأشخاص الذين يندمون، لأنني أحسب قراراتي جيداً. ربما أندم على ردات فعلي لأنها تكون خاطئة أحياناً. أنا حساسة جداً، واليوم صرتُ أتعامل مع الأمور بروية أكثر.
• عندما تلتقين بأصدقاء الطفولة، هل تنسين معهم أنك فنانة مشهورة؟
- في الأساس أنا أنسى أنني فنانة مشهورة في بيتي، وعلاقتي جيدة بكل زملاء الدراسة وزميلات الكلية وكذلك المدرّسات صديقاتي اللواتي كنّ معي عندما كنت مدرّسة. أحياناً هن يذكّرنني بأنني فنانة مشهورة. أنا لم أتغيرّ وأنسى دائماً أنني فنانة، وأنا فنانة على المسرح فقط.
• كل إنسان أخطأ في حياته خلال مرحلة الطفولة أو الشباب وفعل أموراً طائشة. هل تخافين أن يتحدّث بها أحدٌ ما اليوم أمام الآخَرين؟
- لم أرتكب أخطاء لا في مرحلة الطفولة ولا في مرحلة المراهقة. طفولتي كانت متّزنة جداً لأنني كنت متزنة ومسؤولة، وفي مرحلة المراهقة كنت صاحبة شخصية قوية ومسؤولة. كنتُ من الطالبات النجيبات، ولأن أهلي منحونا الحرية شعرنا بالمسؤولية ونشأنا على مبدأ الرقابة الذاتية، وكل الناس يشيدون بأخلاقنا كعائلة. كنت أتمنى أن تكون لي أسرار كصديقاتي المراهقات ولكن حياتي خالية منها. وأنا على يقين من أن الحب الحلال لا بد وأن يأتي، وكل شيء جميل سيأتي في المستقبل.
• ما الشيء الذي تحبين القيام به، لكن لكونك فنانة لا تستطيعين ذلك؟
- أنا أفعل كل ما يخطر على بالي. برجي الجدي وشخصيتي ثابتة. ويمكن القول إنني لا أحب المغامرات وهذه ناحية سلبية في شخصيتي، كما لا أعرف التجريب. مثلاً أنا معتادة على هاتفي «الآيفون»، وربما لو استبدلْته بآخَر قد يربكني، وفي حال غيّرتُه أشترى الموديل الأحدث منه.
• أي حياة تشعرين بأنها أفضل... ما قبل الشهرة أم بعدها؟
- فكرة الشهرة لم تسيطر عليّ، ولغاية الآن أنا قادرة على السيطرة عليها، وأنا سعيدة لأن اسمي ينتشر يوماً بعد يوم وشهرتي تزداد، وأنا أخذتُ حقي في الإعلام والصحافة وهذا بفضل جهدي وتعبي. كلتا الحياتين بالنسبة إليّ جيدتان. حياة ما قبل الشهرة كان لها ظروفها وخصوصيتها التي ما زلت أحافظ عليها بعد الشهرة.
• متى قلتِ «ليتني لم أدخل المجال الفني»؟
- قلت هذا بعد أن حصلت على لقب أفضل صوت من برنامج «ذا فويس» بسبب الصعوبات التي واجهتْني، وخصوصاً أنني لم أربح سوى ألبوم غنائي. وكنتُ أظن أن العروض والحفلات بعد البرنامج ستكون كثيرة، لكنني وجدتُ أنه يجب أن أشتغل على الألبوم كي أستطيع العمل. هذا الأمر علّمني الصبر وأن الاجتهاد هو الأساس وليس الموهبة فقط.
تخرّجتُ من البرنامج على أساس أنني نجمة وأجمل صوت في العالم العربي، ولكن اكتشفتُ أنها البداية وأنه يجب أن أجتهد وأشتغل على نفسي. وبسبب كثرة الضغوط التي تعرّضتُ لها في تلك الفترة، لأنني كنتُ أُسأل دائماً عن الألبوم والأغنيات وفي الوقت ذاته تعرضت للكثير من الانتقادات، قلت «يوه شو خلاني أعمل بحالي هيك». لكن سرعان ما تغيّرت هذه الجملة في رأسي بمجرّد أن طرحتُ الألبوم، لأنني حظيتُ بالحب والاهتمام. كنتُ أعرف أنه لن تنجح سوى أغنية أو أغنيتين من أغنياته العشر وهذا كان يكفيني، ولكن نجحتْ أكثر من أغنية وكلٌّ منها حققتْ في بلد معين نجاحاً كبيراً، وهذا ما عرّف الناس عليّ أكثر وأَدْخَلَ الفرحَ إلى قلبي.
• متى شعرتِ بأن الفن أنقذك من شيء سيئ؟
- ليس الفن هو الذي ينقذ، بل إن الله عزّ وجل يختار للإنسان ظروفاً وأوقاتاً معيّنة كي ينقذه. ربما الناس لا يعرفون عن حياتي الشخصية، ولكنني شخص مسؤول تجاه عائلتي وأنا فخورة بذلك، والفن أعطاني مسؤولية وأنا شخصية قوية قادرة على تحمل الظروف والصعاب.
• ما موقفك في حال كنتِ في مكان ما، ولم يتعرّف عليك أحد؟
- لا مشكلة عندي في ذلك، ولكن نادراً ما يحصل معي هذا الأمر، لأنني غالباً ما أكون معروفة في أي مكان أتواجد فيه. لكن بعض الناس لا يعرفون أغنياتي بعد البرنامج أو لم يشاهدوني في «ذا فويس»، بل في برامج أخرى، ولكن في العام الأخير الكل يتعرّف عليّ حتى في المطارات، في كل العالم العربي، ولديّ محبّون فيه.
• في العادة، كيف تكافئين نفسك؟
- أقول كلاماً جميلاً لنفسي، وهذا الأسلوب أعتمده منذ أن كنت تلميذة. أحاول أن أعزز نفسي بشكل إيجابي وأقف أمام المرآة وأقول «برافو عليك». وهذا ربما لأنني مضطرة لإعطاء الطاقة لكل مَن يحيط بي، وأعزز لهم ثقتهم بأنفسهم. وأنا لا أنظر سوى للأشياء الجميلة، ولذا أكره النقد، وهذا أكثر ما يزعجني في «السوشيال ميديا»، واحتجتُ إلى فترة كي أتخطاه. عندما تهبط معنوياتي، أقف أمام المرآة وأقول يجب أن تكوني أقوى، وقد تخطيتُ الأصعب. عادةً لا أكافئ نفسي بأمور مادية لأنها عندي من الكماليات.
• وفي المقابل، كيف توبّخين نفسك إن أخطأت؟
- لا أوبّخ نفسي. ما أفعله أنني أحاول تصحيح الخطأ إذا حصل. واليوم صرتُ أدرك أننا لسنا على صواب دائماً ويفترض بنا أن نتقبّل أنفسنا، وأن نصحح أنفسنا. أصعب شيء أن يزْعل الإنسان من نفسه ويجْلدها لأنه لن يعرف كيف يرتاح أو ينام.
• ما الذي تَغيّر في شخصيّتك مع مَن هم حولك بعد دخول الفن؟
- صارتْ شخصيتي أقوى وأكثر قسوة. لكن بعد وفاة شقيقي زادت حساسيتي، وأبكي إذا حاول أحد المزاح معي. كنت أظن أنني كبرتُ على الهموم والألم ولكن فجأة شعرتُ بأنني لست قوية بعد وفاته. ربما الفراق يُضْعِفُنا.
• متى تنسين أنك فنانة؟
- أنسى دائماً أنني فنانة إلا على المسرح وفي المقابلات. في أي موقع تصوير يعرفون أنهم سيضحكون ويمزحون عندما يعلمون أنني سأكون حاضرة. ربما البعض يتصنّعون، وهم أحرار، لأنهم ربما يرتاحون هكذا أكثر. وفي رأيي يجب أن يكون الفنان عفوياً ولكن ليس إلى الحدّ الذي يجعل الناس يقلّلون من هيْبته.
• هل تشعرين أحياناً بانفصام في الشخصية بين شخصيتك الحقيقية والفنية؟
- أبداً، أحياناً يقولون لي افصلي. بعد وفاة أخي محمود كنتُ مرتبطة بتصوير برنامج، ولكنني لم أتمكن من السيطرة على نفسي، ولذلك جلستُ لوحدي في غرفة لمدة ساعة وأنا أبكي كي أتمكن من استجماع نفسي. ليْتني أتعلّم كيف أفصل، وهذه مشكلة. والمشكلة الثانية أنني لا أتقبّل الأشخاص بعيوبهم، بل أحاول أن أغيّرهم وأن أعطيهم طاقة إيجابية، لأن الأشخاص الكئيبين يستنزفون طاقتي.