خواطر صعلوك

التطوع والمتطوعون... قراءة مشهد!

1 يناير 1970 05:07 م

لكي لا نظلم مفهوم التطوع، ولكي لا نظلم المتطوعين دعونا نفرق بين أشياء عدة مهمة.
أولاً: التطوع المؤسسي حديث في دولة الكويت باستثناء الحركة الكشفية، والتي غابت عن مشهد التطوع في أزمة كورونا، لأن توجهات وزارة التربية هي تحجيم الحركة وليس تطويرها، وما تمت ممارسته من تطوع في المدارس والجامعات لا يهيئ الفرق التطوعية للتعامل مع الأزمات.
ثانياً: يتعامل المتطوعون مع أصناف مختلفة من البشر، فيهم من يعتقد أن «السلطة إذا كانت من غير صوص»، فهذه جريمة تستحق تصوير مقطع فيديو ونشره أثناء مواجهة الطواقم الطبية للموت، وفيهم الذي للمرة الاولى في حياته يجد أشخاصاً يخدمونه لأنه طوال عمره يخدم الآخرين فقط، وفيهم المتعلم والجاهل والغاضب والكريم، ومنهم من يقدر التطوع ومَن لا يعرفه، أو مَن مارسه... فالمتطوعون يتعاملون مع الجميع.
ثالثا: المتطوعون أنفسهم قادمون من طبقات اجتماعية مختلفة ومراحل عمرية متنوعة، فمنهم القادم من بيت من تلك البيوت البرجوازية العريقة المؤسسة على ثلاث طبقات كبيرة من الرخام الملكي في عهد هنري الرابع، ومنهم الذي يأمل أن يصنع له التطوع وظيفة ما، ومنهم من نزل من بيته لله، ومنهم من نزل من أجل تحقيق الذات، أو من أجل توسيع علاقاته الاجتماعية أو مهارة يكتسبها... ولكن لا شك أن المحرك للجميع هو حب الكويت.
وفي ظل زمن كورونا والاجهاد النفسي على الجميع سواء المتطوِّع أو المتطَوَع له، قد تحدث حوادث فردية مثل «هوشة» أو تعامل غير لائق أو مواجهة استفزاز... ولا يجب أن نأخذ بجريرتها الجميع،لأن حالات مثل هذه تحتاج تدريباً وتأهيلاً، كالذي يُدرب عليه رجال الدفاع المدني والداخلية وغيرهم.ً
ولا شك أن لدى بعض المتطوعين الجُدد - الذين نزلوا في الأزمة حباً في الكويت - ضعفاً في مهارات إدارة الأزمات، ومهارات التواصل الفعال بالإضافة إلى قلة الجهات الحكومية التي تعمل على تقوية ذلك، وربما الأهم من كل هذا هو عدم وجود استراتيجية وطنية، من أجل التوظيف للتطوع حسب مهارات المتطوع وليس حسب احتياج المؤسسات، وهو ما يسمى «التطوع الاحترافي».
فظروف «كورونا» لم تسمح للهيئة العامة للشباب، ولا لوزارة الدولة لشؤون الشباب، ولا لمركز العمل التطوعي أن يستكملوا استراتيجية العمل التطوعي في الكويت، ولذلك فليس هناك جهة تتحمل أخطاء المتطوعين، ولذلك تتم السخرية من المتطوعين أنفسهم، وهذا له أثر كبير في نفوسهم وأثر على مفهوم التطوع ذاته وما يترتب على ذلك من تقليل للإنجازات الكبيرة التي تمت خلال الخمس عشرة سنة الماضية.
كل ذلك يجعلنا نفرق بين التطوع وبين مضيعة الوقت في التطوع في زمن «كورونا».
إن مشاهد وفيديوهات الضرب التي قام بها «قلة» قليلة جداً من المتطوعين، يجب أن تقرأ في سياقها الصحيح كفعل إنساني فردي ينقصه نُبل التعامل ومهارات التواصل والاشراف والمتابعة، لا أن يُقرأ أن الشباب الكويتي المتطوع عنصري أو خرج من بيته من أجل ضرب الناس وإهانتهم.
وهذا يأخذنا إلى أهمية التفريق بين المتطوع الذي يعطي من قلبه، والذي رباه أبوه في بيته، وبين المتطوع الذي ينتظر من التطوع أن يكسبه حسن التربية، من خلال ممارسة الخطأ والمحاسبة عليه.
فتوقفوا عن السخرية من المتطوعين... فإن أجرهم على الله وليس غيره.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

@moh1alatwan