جودة الحياة

السوشيال ميديا... فضاء الإشاعات

1 يناير 1970 06:14 ص

ما بين تصفح آخر الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات التراسل الفوري ( الواتساب)، التي تضم قوائم أصدقاء من كل أنحاء العالم، تأتيك الأخبار والمعلومات والطرائف والحقائق وأنصافها والأوهام أيضاً، وفي كل الأحوال ما عليك سوى أن تتصل على شبكة الانترنت.
وفي وسط هذا الكم من أدوات الفضاء الرقمي أو الافتراضي نعيش حياتنا المعاصرة في عالم أصبح غرفة الكترونية نقضي فيها ساعات طويلة خلف شاشات مٌضيئة نتابع بشغف أحداث العالم من حولنا، وأخبار الأوضاع الراهنة، برامج الوثائقيات، أفلام المغامرة والمرح وتلفزيون الواقع، كل ذلك عبر شاشاتنا الصغيرة. وبفضل السوشيال ميديا أصبح تداول الأخبار والإشاعات أكثر شيوعاً من أي وقت مضى، يكفي فقط كما أسلفنا أن تتصل على شبكة الانترنت أينما كنت، على مكتبك، أو بين غُرف منزلك أو على مُدرجات قاعة دراسية في مركز بحوث أو كلية، فتأتيك الأخبار من كل مكان، ولكن كن حذراً، ففي زمن السوشيال ميديا لا يمكنني تلقي أي رسالة على (الواتساب ) أو أي وسيط آخر، وأخذها كحقيقة اعتمد عليها في اتخاذ قرار ما، في أي شأن كان مهماً أو غير ذي جدوى ولا أهمية، بالطبع لا يمكنني كإعلامية التقليل من شأن الوسائط الرقمية وأهميتها في العالم الراهن، ولا أرى بالضرورة أنها محض فضاء لبث الإشاعات والأخبار الكاذبة والحقائق المشوهة المبتورة عن نصوصها الأصلية، ولكنني أتكلم عن خطورة التعامل المتساهل أو غير المكترث لما يبث من خلالها من مضامين إخبارية، ثقافية، اجتماعية، ترفيهية وإشاعات و... الخ.
تظهر الدراسات حول العالم الرقمي قيام السوشيال ميديا بدور كبير في نشر الاشاعات بنسبة تصل إلى 79 في المئة، وتتعدد الدوافع وراء نشر الإشاعات خصوصاً في أوساط المشاهير ونجوم المجتمع، فدوافع مطلقي الإشاعات قد تكون لمجرد التسلية وتبديد الفراغ عبر إطلاقها في الفضاء الرقمي وانتظار ردود الأفعال، أو قد تكون رغبة في الانتقام من شخص ما أو التحريض ضد جهة معينة أو توصيل رسائل لجهات محددة أو الرغبة في إثارة البلبلة وتوتير الأجواء العامة في أوقات الأزمات والكوارث.
وبما أننا نعيش حالة رُعب ماثلة الآن في كل أنحاء العالم من الصين إلى أميركا وأوروبا والشرق الأوسط بسبب فيروس كورونا المستجد، فإن القيام ببحث سريع لكيفية تعامل السوشيال ميديا مع حالة الرُعب التي نشرها فيروس كورونا حول العالم ستكشف الكثير عن أخطار الوسائط الرقمية، فالإشاعات والأخبار الكاذبة عن مستوى الاصابات والحالات التي تم اكتشافها عبر المعابر الجوية أو المطارات تأتيك تباعاً بمجرد تصفحك تطبيق التراسل الفوري (الواتساب)، تحمل أخباراً من كل الجهات لا يهتم صاحب الرسالة بمدى مصداقية الخبر ولا مصدره، ولا يفكر بالطبع بمدى الضرر الذي قد يصيب ُمتلقي الرسالة أو الخبر خصوصاً إن كان من متوسطي الإدراك أو من ليس لهم أي دراية في التعامل مع الأخبار وتميز درجات مصداقيتها طبقاً لقواعد معروفة في علم الاتصال الجماهيري، فالسوشيال ميديا كسرت كل القواعد التقليدية للخبر وأصبح الكل إعلامياً يكتب وينشر ما يحلو له، وفي أوقات الأزمات كأزمة كورونا الراهنة تشتد خطورة السوشيال ميديا في ترويج الإشاعات والأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة حول انتشار المرض وتطور حالات الإصابة في العالم والاقليم وعلى المستوى المحلي، وحسناً فعلت السلطات الصحية في الكويت حين عمدت منذ البداية على إدارة الأزمة بشفافية عبر إجراءات عملية وتدابير وقائية استهدفت محاصرة انتشار الفيروس، وتابعنا عبر الإعلام الرسمي وبشفافية كبيرة معالجة سلطات بلدي الكويت للأزمة الراهنة التي ضربت العالم ووضعت الأنظمة الصحية والمؤسسات الطبية أمام تحد حقيقي لم يحدث أن عرفه العالم المعاصر إلا عبر أفلام الخيال العلمي التي تنتجها هوليوود.
لا يمكنني بالطبع التأكد على وجه اليقين من أهداف أو أولويات مُطلقي الإشاعات عبر جميع وسائل التواصل، ولكني أتعامل معها كأدوات عصرية تُتيح قدراً من الفاعلية والتواصل بين سكان المعمورة ورغم أنني أستخدم تطبيقات وسائل التواصل وأعتبرها مصدراً للمعلومات والأخبار، إلا أنني أتثبت من دقة الرسائل والأخبار التي تنقلها الوسائط طوال اليوم، فلا يمكن أخذ ما يتناقله الناس عبر التطبيقات المختلفة على محمل الجد لا سيما أن الوسائط الرقمية قد تكون خارج نطاق السيطرة بصورة شبه كاملة من قبل الجهات الرسمية المعنية بمحتوى تطبيقات السوشيال ميديا، فهي فضاء مفتوح يتناول كل الموضوعات والمضامين والرسائل التي لا تخلو من محاولات دس السم في العسل من بعض الجهات التي تنشط على شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت.
ثمة دراسات وبحوث علمية أجريت في السنوات العشرين الأخيرة حول تأثير الإشاعات التي تنطلق من الفضاء الرقمي على المجتمع، ربما لا يتسع المجال للاستفاضة في تقصي نتائجها في مقال مُحدد المساحة بالطبع، ولكني أقول إن نتائج الدراسات ُتشير إلى أن جميع فئات المجتمع مُستهدفة بالإشاعات لكن بنسب متفاوتة والأكثر استهدافاً، الشخصيات العامة ورجال الأعمال ثم الناس العاديين، بيد أن مخاطر إطلاق الإشاعات تطول أفراد المجتمع كافة وبالطبع لا يمكن التقليل من مخاطر الاشاعات على كل الأصعدة فهي تهدد الأمن والسلم الاجتماعي وتنشر حالة من الذعر والاحباط والتشاؤم في حالات الطوارئ والأزمات، فتتأثر القطاعات الانتاجية والاقتصاد العام في البلد، وفي تقديري أن الجهات المسؤولة يمكنها التصدي للإشاعات المنتشرة في السوشيال ميديا عبر تدابير متعددة أهمها إعطاء الرأي العام المعلومات والأخبار الصحيحة من مصادرها الرسمية بكل شفافية ووضوح، حينها لن يتعامل المجتمع بمستوياته كافة مع الأخبار والمعلومات المغلوطة مجهولة المصدر التي يعج بها فضاء الانترنت.

Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]