تَشابُك طائفي - سياسي في البرلمان على «مسرح» الأونيسكو

طلائع الانتفاضة بنسختها الجديدة تدْهم لبنان في «استراحة كورونا»

1 يناير 1970 05:57 م

غابَ فيروس «كورونا» للمرة الأولى منذ نحو شهرين عن «عدّاد» الإصابات الذي سجّل أمس صفر حالة إيجابية، فيما كان وهْجُه حاضراً «على مسرح» قصر الأونيسكو حيث بدأتْ «ثلاثيةُ» الجلسة العامة للبرلمان «النازحِ» من مقرّه الرئيسي، كما في الشارع الذي استعاد نبْضه مع نزول طلائع «ثورة 17 أكتوبر» بنسختها الجديدة إلى الأرض في مفاجأةٍ غير مفاجئة.
وفيما كان «كورونا» يستقرّ على رقم 677 إصابة (شفي منها 103 وتوفي 21) الذي كان سجّله الاثنين، تعزّزت في الساعات الأخيرة المخاوف من وقوف لبنان على مشارف مرحلةٍ ينزلق فيها بلا كوابح داخلية ولا مظلّة أمان خارجية نحو اضطراباتٍ سياسية وشعبية على وقْع صرخاتِ جياعٍ يئنّون تحت ضغط وضْع اجتماعي مأسوي «تكاتفتْ» فيه أزمة «كورونا» مع الانهيار المالي - الاقتصادي والسقوط المريع لليرة اللبنانية أمام الدولار، و«هدير» الثورة العائدة بعد «بروفة» انتفاضة 17 اكتوبر، بما يشي بـ انفجارٍ كبير يطرق الأبواب التي ما زالت موصدة أمام خطة إنقاذٍ للخروج من أزمة بـ «خمسة رؤوس شيطانية» على حد وصْف رئيس الحكومة حسان دياب (كورونا، هيكلة المصارف، الدين الخارجي، الوضع المالي، والأزمات السياسية والاقتصادية).
ولم يكن عابراً أمس مشهدُ استفاقةِ الشارعِ بعد «استراحة كورونا» قارعاً جرس الإنذار بوجه السلطة عبر تظاهراتٍ سيّارة عمّت كل مناطق الثقل التقليدية في بيروت والجنوب وجبل لبنان والشمال والبقاع، وذلك في ملاقاة الجلسة العامة للبرلمان التي تستمرّ حتى يوم غد وعلى جدول أعمالها 66 بنداً تراوح بين العفو العام وتخفيف الأعباء الاقتصادية والمالية لـ «كورونا» ومكافحة الفساد وتشريع زراعة القنب (الحشيشة) لغايات طبية ورفْع الحصانة عن الوزراء وتعديل قانون ‏المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء إلى إلغاء السرية المصرفية وغيرها.
وبدا واضحاً من مسار «الأرض المتحركة» للثورة التي تستكمل اليوم حراكَها الميداني المنضبط تحت سقف التعبئة العامة وشروط الأمان الصحي (ارتداء الكمامات على ‏الوجوه وعدم وجود أكثر من شخصين في كل سيارة، واحترام قرار تنقل الآليات وفق آلية «مفرد مجوز» للوحات) أن السلطة لم تنجح في ما وصفتْه أوساط سياسية عبر «الراي» محاولة «ربْط أيدي» الانتفاضة المتجدّدة من خلال الهجوم الاستباقي الذي شنّه أطراف الائتلاف الحاكم راسمين شبهاتٍ حول ارتباطها بأجندةٍ سياسية موصولة بثلاثي المعارضة (الرئيس سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية»)، وذلك في سياق منحى مزدوج لفرْملة اندفاعة «المدّ الشعبي» الغاضب الذي ارتسمتْ طلائعُه في الأيام الأخيرة كما لجْم تصعيد خصوم الحكومة بوجه مسودّة خطة الإنقاذ ومَفاصلها التي صارت أسيرةَ تجاذباتٍ متعدّدة الاتجاه واستهدافاتٍ مضمرة تثير خشية متعاظمة من اتجاهاتٍ مبرمجة لقلْب هوية لبنان المالية - الاقتصادية وتبديل «مفاتيح الثروة» فيه لإكمال مسار تطويع الواقع اللبناني سياسياً.
وفيما كان «حزب الله» بلسان أحد قيادييه (غالب ابو زينب) يعبّر عن المنعطف الساخن الذي يقف لبنان أمامه بكلامه عن «ديناصورات سياسية تهاجم الحكومة بشراسة وتشكو إدارتها وتدفع باتجاه صندوق النقد الدولي وهي تمثل العفن المستشري في مفاصل الدولة»، شخصتْ الأنظار على جلسة البرلمان التي سرقت الأضواء في الشكل والمضمون.
ففي الشكل، كانت المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية، «ينتقل» مجلس النواب إلى خارج مقرّه لدواعي مراعاة شروط السلامة الصحية في زمن «كورونا»، ما فرض اختيار قصر الاونيسكو وصالته التي تتسع لنحو الف شخص وتوزّع فيها النواب الـ الـ 128 مع الوزراء الـ 16، ضمن ‏مسافات التباعد الآمنة (بين نائب وآخر فصلت سبعة مقاعد)، فيما جلس رئيس البرلمان نبيه بري وهيئة المكتب على خشبة المسرح، ورئيس الحكومة والوزراء في الجهة ‏المقابلة له.

والتزم غالبية النواب والوزراء بارتداء الكمامات، وخضعوا لقياس حرارتهم قبل دخول القاعة، وسط تسجيل بعض النواب (ولا سيما النائبان سامي الجميل ونديم الجميل) ملاحظات على اعتماد ميكروفون جوّال واحد كفيل بنقل عدوى «كورونا» إلى جميع الحاضرين بحال كان أحدهم مصاباً، وهو ما ردّ عليه بري بتأكيد أن الميكروفون يخضع للتعقيم بعد كل مداخلة، إلى جانب إثارة ما وُصف بـ «المشهد المرعب» المتمثل في ظهور عناصر أمنية مسلّحة أمام قصر الاونيكسو «وكأنها ميليشيات»، الأمر الذي قابله رئيس مجلس النواب بتأكيد أن هؤلاء تابعين لقوى الأمن وشرطة المجلس.
أما في المضمون، فساد «حبْسُ أنفاسِ» حيال ترجمات السخونة السياسية بين السلطة ومعارضيها على المداولات، ولا سيما في ظل بنودٍ - ألغام أبرزها الذي يتصل برفْع الحصانة عن الوزراء، والذي تُشتمّ منه محاولاتٌ للارتداد على خصوم الحكومة بعناوين فساد، وصولاً إلى اقتراحيْ القانون المتعلّقين بالعفو العام عن بعض الجرائم.
وفي حين ساد الجلسة الأولى النهارية أمس مناخٌ هادىء رافق إقرار البنود «الباردة»، فإن الاصطفافات التي برزت على تخوم ملف العفو العام (متوقع أن يُطرح اليوم) عكستْ معركة حقيقية تلوح في الأفق، وسط تشابُكٍ بين السياسي والطائفي عبّر عنه أمران: أوّلهما تقاطُع بين الأحزاب المسيحية على رفْض العفو بالصيغ المطروحة التي اعتُبر أنها تفضي إلى خروج نحو 80 في المئة من السجناء بالتوازي مع خفض السنة السجنية والشهر السجنيّ ولا توفّر ضمانات بعدم شمول مَن اعتدوا على الجيش أو شاركوا بأعمال إرهابية، وهو ما نفاه مؤيّدو العفو الذين يربطون استعجاله بتخفيف الاكتظاظ في زمن كورونا وضرورة معالجة مسألة التأخير الفاضح في المحاكمات والذين غمز بعضهم من خلفياتٍ لرفْضه تتصل بعدم شموله الفارين إلى الاراضي المحتلة بعد 25 مايو 2000.
أما الأمر الثاني فالهجوم العنيف الذي شنّه الرئيس سعد الحريري وبدا مركّزا ضمنياً على «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل بإعلانه انه «منذ اللحظة الاولى كنا واضحين بإصدار قانون عفو يستثني كل من على يده دماء. اما وقوف البعض ضده اليوم طمعا بتطييف المسألة او ظنا انه سيستعيد شعبية خسرها في طائفته وجميع الطوائف فهو موقف غير اخلاقي وغير انساني وسيرتد على أصحابه».