التباعد الاقتصادي

1 يناير 1970 05:54 م

يخطئ من يظن أن ما يحدث من وضع استثنائي بسبب ماخلّفه فيروس «COVID-19» لن يخلق مرحلة جديدة من التعاطي مع أنماط مختلفة لم تكن ضمن خارطة نطاق الأعمال نتيجة المتغيرات والمعطيات التي طرأت على سلوك المستهلك والذي يعد محط أنظار صناع الأعمال كونه المحور الأول في أي نشاط اقتصادي.
وهنا نستذكر كيف أن وكالات بيع السيارات وسعت معارضها بالخروج نحو مواقع تواجد جمهور المستهلكين في المجمعات التجارية والمولات، رغم أن معارضها الفاخرة تشكل مقصداً للجميع.
المقصد هنا، هو كيف يمكن أن يكون التغيير بسلوك المستهلك الشرائي المحرك المحوري للتحول بطرق التسويق وجذب العميل لزيادة المبيعات وفق المتغيرات التي تطرأ على الثقافة العامة والتي تنعكس بشكل مباشر على منحنى المبيعات ومؤشرات السوق، فالتحول الدراماتيكي بالقوة الشرائية الذي حدث بعد جائحة كورونا باتت تتمحور حول ذلك المنحى سواء بانكماش حجم المشتريات أو تغيير بوصلة المستهلك الشرائية من المواد الثانوية إلى المواد الأساسية والغذائية.
هذا التحول بات يؤثر حتى في العادات الشرائية التى كانت تجرنا إلى سلع ليست ذات أهمية واسعة وقد سجلت هذه المجموعات من السلع مكانة اقتصادية تزحزحت مع أول أزمة حقيقية واجهت العهد الاقتصادي الحالي والتي باتت لزاماً عليها تغيير نهج ونمط تسويقها أو اتباع طرق غير تقليدية تحتمها هذه المرحلة والمراحل التي تليها.
إن التسويق الإلكتروني واستخدام أنماط تفرضها ثقافة المستهلك الشرائية نتيجة متغيرات أزمة كورونا باتت تشكل ملامح المرحلة القادمة والتي لم تكن ذات اعتبار عند أغلب الأسواق والمؤسسات والتي كانت تأخذ من التحول التكنولوجي أو التحول الرقمي نوعاً من أنواع الوجاهة التجارية أو للحاق بركب المنافسين دون فعالية تذكر أو أن تكون الوحدات الرقمية في تلك المؤسسات مجرد شيء ثانوي وليست ذا جدوى اقتصادية واقتصر الأمر على محاولات نسخ من بعضها البعض أو ما يسمى بالـ«me to maket» أما اليوم كان التحول مفاجئاً للجميع وأصبحت بعض الجهات التجارية التي لا تملك البنية التحتية لهذا التحول الرقمي لا يمكنها مواكبة التغيير الذي أحدثه كورونا وحتى أصبح هذا يؤثر على الخدمات الحكومية والتي كانت بعيدة كل البعد عن عالم التحول الرقمي.
يكاد الكل يجزم بأن الحياة لن تكون كما كانت قبل أزمة كورونا وأهم هذه المتغيرات ما أشرنا إليه بدخول الخدمات الرقمية بشكل طوعي وجبري في حياتنا حتى أصبحت فرضاً محتوماً على المستهلك نفسه ووجد نفسه مجبراً لاستخدام الخدمات الرقمية المتاحه له وقد تسلل هذا النمط الجديد وأصبح نهجاً مجتمعياً منظماً وسيستمر حتى بعد انتهاء الأزمة وعليه فيجب على الكل في المؤسسات التجارية والحكومية الاستثمار الجدي بهذا المجال بل والذهاب أبعد من ذلك باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الـ«block chain» لتكون الذراع الأساسية لريادة الأعمال التجارية والحكومية وتغيير النهج التقليدي بسبب ماحدث وسيحدث من تغيرات ذات صلة غيرت مؤشرات اقتصادية ومراكز تجارية.
لدرجة أننا قد نرى اختفاء وأفول نجم أعتى المؤسسات بسبب عدم القدرة على التحول الرقمي بل قد يصبح كثرة عدد الأفرع والخدمات اللوجستية عائقاً أمام هذا التحول، وقد يكون مجرد الاستخدام الأمثل لأدوات الرقمنة وتوظيف صحيح لأنماط الذكاء الاصطناعي بناء على قراءات سلوك المستهلك الشرائي الغاية في بلوغ مستويات قياسية لم نكن نحلم بالوصول لها في يوم من الأيام.