لا أدري عزيزي القارئ إلى أي مدى كنت قريباً من الجدل التعليمي الذي ثار بسبب ظاهرة التباعد الاجتماعي التي أفرغت التقارب التعليمي من محتواه وسياقه، واتهام وزارة التربية بأنها لا تواكب التكنولوجيا، وأنها ستدخل النار لأنها لا تعلم أبناءنا وهم في بيوتهم، فقرر الجميع أن يعتلي هرم «بلوم» ثم يشير بأصابعه إلى التعليم الإلكتروني البعيد جداً... والذي تجاوزاً أطلقت عليه الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بشبكات أخبارها اسم «التعليم عن بُعد».
ورغم كل الجهود المبذولة والمشكورة للحرص على العملية التعليمية، إلا أن هناك فرقاً كبيراً بين التعليم عن بُعد، وبين التدريس الطارئ عن بُعد!
التدريس الطارئ عن بُعد - الذي ظهر بسبب انتشار فيروس كوفيد - 19 والذي أصرت عليه بعض الجامعات والمدارس الخاصة - لا يتجاوز نقل المعلومات، وأطراف العملية التعليمية فيه ثلاثة مكونات هي: المعلم الذي قد تسمح له البيئة التعليمية بأن يجلس خلف الشاشة بالبدلة ولكن من الجزء العلوي فقط، والطالب الذي تسمح له البيئة التعليمية بأن يتواجد بصورته بينما جسده وعقله في مكان آخر، أما الطرف الثالث فهو اشتراك الإنترنت، ولهذا السبب بالتحديد ستكون الدرجات عبارة عن رسوب ونجاح وليس تقييماً شمولياً للأبعاد الثمانية التي تحدد ضبط دعم أنماط التواصل المختلفة اللازمة لعمليات التعلم عن بُعد، كونه أيضاً عملية اجتماعية تفاعلية ومعرفية بحثية في آن واحد.
يفتقر التدريس الطارئ عن بُعد إلى البيئة الإلكترونية المتصفة بالشمولية في دعم أنماط التواصل التي تحث على التعلم الذاتي ودمج المتعلمين في المنهج التعليمي وخلق المتعلمين حالة تفاعل في مجتمعهم الإلكتروني التفاعلي.
ونحن بذلك عزيزي القارئ لا نسيء إلى التدريس الطارئ عن بُعد الموجود بيننا اليوم، فـ«كورونا» هو الوباء العالمي الأول الذي يمر علينا مصطحباً ظاهرة التباعد الاجتماعي، فعلينا ألا ننكر الجهود المبذولة من فرق تطوعية وهيئات تدريسية، فالفرق بين التعليم عن بعدُ وبين التدريس الطارئ عن بُعد، أن الأول يحتاج مدة بين 6 إلى 9 شهور فقط من أجل الإعداد الإلكتروني للمقرر المعروض، بينما الثاني يحتاج فزعة وبعض مهارات الإلقاء والشرح أمام الشاشة.
في التقرير الرائع الذي نشرته هيئة تقويم التعليم والتدريب في المملكة العربية السعودية، والذي استندت عليه بكلتا يدي في هذا المقال، يشير إلى أنه ينبغي ألا نقلل من أهمية التدريس الطارئ عن بُعد، ولكن علينا أن نكون أكثر حذراً تجاه اعتباره هو التعليم عن بُعد، ويتفاءل التقرير بالله وهو يُوضح أن أزمة كورونا ستمر، ولكن ينبغي علينا ألا نعود ببساطة لممارسات التدريس والتعلم كما كانت قبل «كورونا»، وننسى ما اكتسبناه خلال فترة التدريس الطارئ عن بُعد، بل يُتوقع أن يكون التدريس الطارئ إحدى مهارات كل أعضاء هيئات التدريس وجزءاً من برامج تطويرهم في قطاع تدريب المعلمين.
عموماً... ها هي وزارة التربية أعطت الأسرة دفة التعليم حتى شهر أغسطس، لنرى هل الأسرة قادرة على تعليم أبنائها على الأقل السياقات الاجتماعية المقبولة والسلوكيات التي تحثهم على التعلم وتطوير أنفسهم... أم أننا كأسر نعتقد أننا لا نساهم في التعليم؟
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... ابتر.
قصة قصيرة:
«كورونا» فعلاً قرّب المسافات بين العائلة الواحدة... لدرجة أنني أصبحت أسمع أصوات الجيران وهم يتناقشون بصوت عال مساءً - على خلفية بكاء أطفالهم - حول «كل الماضي» الذي عاشوه... ولقد كان نقاشاً لطيفاً يقال فيه مثلاً:
- الشرهة عليّ أنا اللي وافقت على واحد مثلك.
moh1alatwan@