عندما تتزوّج جنسية من جنسية أخرى، أو ديانة من ديانة أخرى، أو مذهب من مذهب آخر، يخرج من بينهما أبناء بهوية مشتركة، يطلق عليهم علماء الاجتماع، أصحاب «الهوية المزدوجة».
وتتطور الهوية المزدوجة بتطور قيم الفرد ومراحله العمرية والمواقف التي تمرُّ عليه وحوله، ما تسمح لصاحبها طوال الطريق بأن يطل على إطلالتين مختلفتين في الأمور، يطل من نافذتين وليس نافذة واحدة، وهذا لا يعني أن أصحاب هذه الهوية يضعون الأمور في عربتين مختلفتين أثناء المسير، بل عربة واحدة فريدة ومتميّزة في نغماتها... على الأقل ليست كبقية النغمات.
لقد سمحت لي تربية أمي المصرية، رحمها الله، وتربية أبي الكويتي، حفظه الله، وما تشابك وتداخل بينهما من أهل وأصدقاء ومعارف ومحيط وسياق وتنقل ورحلة وترحال، لقد سمح لي كل ذلك أن أتعرّف على السمات الكُبرى لكلتا الهويتين... هوية أبي وهوية أمي.
وتعلّمت أن السمة الغالبة للشعب الكويتي هو أن الحقد والكراهية لا يعرفان إلى قلوبهم طريقاً، وأن أعجب ما يعجبك في هوية الشعب أنه يميل إلى الفزعة، وعمل الخير وحب السلام والمغامرة والترحال والسفر وتتبع الجديد والمبادرة والشغف، وألطف ما يجذبك في تاريخهم أن حكامهم برعوا في قراءة الرجال وقت الأزمات، أكثر من براعة غيرهم في قراءة الكتب وقت الاسترخاء، وتميل الشخصية الكويتية إلى المزاج الهادئ لما طغى عليها من هدوء الموج في البحر وانسيابية الجغرافيا في البر، والتأهب الطارئ دائما لتغيرات الجو، يميلون للتشاور والاجتماع فبرزت الديوانية عبر التاريخ وكأنها أهم من الدولة، ومن دخل بلدهم ساعياً للصداقة والسلام رفعوا قدره وأكرموا مجلسه، ومن يقرن أخلاق الكويتيين بأخلاق غيرهم يجدهم إلى الوعي السليم والتراحم الإنساني والتكافل الاجتماعي أقرب.
وتعلّمت أن السمة الغالبة للشعب المصري هو أن الحقد والكراهية لا يعرفان إلى قلوبهم طريقاً، محب للتعايش والأرض، يميلون إلى حُسن تربية الأبناء فبرزت الأسرة المصرية عبر التاريخ وكأنها أهم من الدولة، حتى قال شاعرهم «الأم مدرسة إذا أعددتها...»، فقراؤهم من العمال المهرة، والأحرار الذين يزرعون الأرض ولا يملكهم النبلاء، ويتصفون بالابتسامة الصادقة والكرم وحُسن الضيافة والترحيب لمن يدخل بيوتهم، وأغنياؤهم مغموسون في الحضارة ويحرصون على احترام الفضائل السلوكية، والتشبث بالعفة والمستوى الخلقي الرفيع والرفق في التعامل والعبارة.
ومن ألطف ما يعجبك في شخصيتهم هو سرعة البديهة والنكتة الحلوة، ومن دخل بلدهم ساعياً إلى ما أراد بنوايا صافية وجد ما يريد، لكبر مساحتها وتنوع ثقافاتها، ومن دخلها بغير إذن أهلها وجدها عليه «قاهرة». ومن يقرن أخلاق المصريين بغيرهم يجدهم إلى القومية والأصالة والتدين أقرب.
وبالتأكيد دائماً هناك الجاهل الذي يعمّم، فيقول «كل الكويتيين...» أو يقول «كل المصريين...»، ويُسقط في تعميمه ما حوت نفسه من أراذل القول وحسد النفس وأنانية الطبع ودناءة السلوك... دائماً هناك هذا الجاهل المتحامل والحامل لقيم البغض والكراهية والحرص على التفتيش في عيوب الناس الفردية وتعميمها على شعب بكامله.
لهؤلاء تحديداً أنقل الخبر الذي نشرته وكالة (كونا):
أجرى وزير الخارجية الشيخ الدكتور أحمد الناصر، اتصالاً هاتفياً مع وزير خارجية جمهورية مصر العربية سامح شكري، حيث تطرّق الجانبان إلى التفاصيل المتعلّقة بالعلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين.
وأعرب الوزيران في هذا الصدد، عن عدم ارتياحهما ورفضهما التام للمحاولات المسيئة، والهادفة إلى المساس بهذه العلاقات، أو التطاول على مرتكزاتها، مؤكدين أن ما يجمع الشعبين من أواصر الأخوة، أقوى من أن تنال منه مثل هذه المحاولات، التي لا تعكس مشاعر الأخوة والمصير المشترك بينهما.
وتناول الاتصال أيضاً الإجراءات الاحترازية التي تتخذ في كلا البلدين، معربين عن تفهمهما لتلك الإجراءات، وأهمية الالتزام بها، بما يحقق مكافحة شاملة لانتشار فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد - 19)، ويضمن السلامة للشعبين.
وخلاصة القول إن الهوية - أي هوية - تتطوّر عند اتخاذ قرارات مصيرية... حين تكون على مفترق طرق وتقول لنفسك: لست أنا مَن يفعل كذا... بل مَن يفعل كذا! كما يقول عالم النفس باومايستر.
لذلك فإن التطاول على شعب بأكمله، أو الإساءة لتاريخه ومرتكزاته لا يعبر عن هوية الشعبين كما عشتُ ورأيتُ... وتربّيتُ.
@moh1alatwan