اكتسبت العلاقات المصرية الكويتية طابعا خاصا، ومذاقا مميزا منذ عقود طوال، اختلفت عن غيرها من العلاقات ، يشهد التاريخ بذلك ، فللكويت مكانًا عزيزا في نفسِ كلّ مصري ، يزداد بمرور الزمن ، واستطيع أن أُجِزم بأنّ لمصر مكانًا كبيرًا في نفس كل كويتي عرف قدرها ، ولمس جهد أبنائها المخلصين الذين ساهموا في بناء الكويت قديمًا وحديثًا .
ولعلّ هذا الامتداد التاريخي المتين ؛وهذا الإرث الإنساني ، ما سمح بقيام روابط قوية من الأخوة بين الأشقاء في القطرين ، وضمن عدم المساس بها ، وحال دون تصدعها ، بل ودعم صمودها حتى في أحلك الظروف .
جميعنا على إطلاع بالحالة الاستثنائية التي تعيشها المنطقة برمتها من تفشي فيروس كورونا ، وتداعياته في المنطقة العربية عامة ، وفي الكويت خاصة ، والتي أثارت حالة من البلبلة والتخبط في الرأي العام ، فتوالت تصريحات الجهات المعنية ، والتي تحث الجمهور على أهمية التعامل مع الأزمة بمنطق المسؤولية والتحلي بضبط النفس ، والانصياع إلى التعليمات والإرشادات الخاصة بالسلامة الوقائية، مع توخي أقصى درجات الحيطة والحذر ، والابتعاد قدر الإمكان عن تداول المعلومات المغلوطة ، أو نشر الإشاعات التي لا أساس لها ، والدعوة إلى استقائها من مصادرها الرسمية .
إن ما اقدمت عليه الحكومة الكويتية من إجراءات احترازية ، وما أبدته من وعي ؛بإعلان حالة النفير العام في مختلف قطاعات الدولة ، وتسخير كامل الإمكانيات ووضعها تحت تصرف تلك الجهات ؛ للحدِّ من انتشار العدوى ، ومواجهة تمددها، والاكتشاف المبكر للحالات المصابة ، والتعامل معها في الحال ، من خلال الفرق الطبية المدربة والتي تُرابط في الصفوف الأمامية للمواجهة ، تطوي الليل النهار ساهرةً على حماية هذه الأرض الطيبة ، كذا توفير المحاجر الصحية التي فاقت تجهيزاتها المعمول به في كل دول العالم ، والتي راعت كرامة المريض وإنسانيته ؛لهو شيء مثيرٌ للإعجاب حقا .
لقد كانت توجيهات صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه صريحةً في المحافظة على الصحة العامة ، تلك التوجيهات التي لم تُفرِّق بين مواطنٍ ومقيم ، مع تأكيد سموه على ضرورة التحرك لإجلاء رعايا الكويت من المناطق الموبؤة بأسرع وقت ، بما فيهم أفراد البعثة الدراسية في مصر ، ولعلَّ هذا الإجراء هو المُتبّع في مثل هذه الحالات الحرجة ، وتطبيقا لما أوصت به منظمة الصحة العالمية ضمانًا للسلامة وحفظًا للأرواح ، ولا يمكن أن يؤخذ بنية الريبة .
لقد تعاملت السلطات المصرية مع الأمر بقدر عالٍ من الاحترام والمسؤولية ، التي تفرضها روابط الأخوة ، متفهمة بشكل كبير لطبيعة الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم ، ولعل هذا ما تنادي به القيادة المصرية الحكيمة ، حين أقدمت على إجلاء رعاياها في بعض الدول المنكوبة ، ووضع سلامة المواطن على رأس أولوياتها .
وفي ظل هذه الأزمة العصيبة تأبى فئةٍ قليلة مندسة إلا أن تُؤجّج نار الفتنة ، وتُشعل فتيل أزمة لا مُبرر لها بين الإخوة في البلدين الشقيقين، مستغلة الظروف التي تمر بها البلاد ، فراحت تبث الأخبار الكاذبة، وتلفق المعلومات المغلوطة، عبر مواقع مأجورة ، وقنوات تحريضية ،و حسابات وهمية ، مختلقة حالة تقصد معها إثارة الرأي العام ، وزعزعة ثقة المواطنين ، وتضر بمصالح الإخوة ، في الوقت الذي تبذل الحكومة الكويتية أقصى ما لديها لطمأنة الناس بالوضع ، من خلال اعتماد مبدأ الشفافية والمصداقية ، عبر توالي المؤمرات الإعلامية على مدار الساعة ،واطلاع الجميع على الوضع عن قرب دون تهوين أو تهويل .
إن مصر والكويت أيها السادة لا يمكن أن ترهن علاقتهما الراسخة رسوخ الجبال ، بمثل هذه السخافات التي تطفح بها صدور أولئك الأشرار، الذين عمدوا إلى بثّ سمومهم لتفريق الإخوة ، وإني لأعجب لهؤلاء الواهمين ممن يحاولون بكل بساطة ، محو صفحاتٍ لتاريخٍ طويل من الأخوة والمصير المشترك بين البلدين .
لقد عاش المصري على أرض الكويت لعقود ، لم يشعر خلالها بغربة ، وكيف يشعر بين إخوانه وفي دياره بغربة ؟!
أينما توجهت في أنحاء الكويت ، تتراءى من حولك مظاهر الاحترام والتقدير ، شاهدة على معاني الحب والتفاني ، تُلخِص ما قدّمه أبناء النيل لبلدهم الثاني في كافة مناحي الحياة ، فقد كانوا دوما حملة مشاعل نهضتها ، بنوا كتفا إلى كتف مع إخوانهم صروح مجدها ، ترتوي حبات ترابها الطاهر بعرقهم الزكي ، كما ارتوت من دماءهم حين لبوا نداء الإخوة والواجب ، فكانوا في الطليعة ساعة تحريرها من العدوان الغاشم .
والشيء بالشيءِ يُذكر ، فأيادي الكويت الممتدة بالعطاء خير شاهدٍ على هذه التوأمة ، حيث تتناثر مشاريعها الخيرية في مختلف المجالات ؛ لتعمّ قرى ونجوع ومدن مصر ، لتشهد للكويت بلد الإنسانية بالفضل ، ولأميرها أمير الإنسانية بالكرم .
إن واجبنا يقتضي أن نقف بجوار الأشقاء في هذا البلد الطيّب ، يدا بيد ، وذراعا بذراع، واجبنا أن نكون في صفوف المواجهة الأولى ، فهذا الوطن يحتاجنا جميعا، ليعرفنا وقت شِدته كما عرفناه وقت الرخاء ، إن أيّ تقاعسٍ أو تخاذل أو تكاسل عن أداءِ الواجب وتلبية النداء لا يمكن غفرانه.
ورغم كل هذا فأنا على قناعةٍ تامة بأنّ وعي الشعبين سيفشل مخططات هؤلاء ، وسيلقي بها في سلة المهملات، لتُصِبح نسيا منسيا، ويُهال عليها التراب ، ولعلَّ في ما شهدته الأيام الماضية من اتصالات مكثفة بين فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد ، وما أعقبها من زيادة السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري للكويت، وما حملته من مشاعر دافئة ، ما يؤكد هذه العلاقات وينميها ، ويقطع الشكوك أمام تكهنات لا أساس لها من الصحة ، اللهم إلا ظنون أصحابها ونفوسهم الخربة التي اعتادت الصيد في الماء العَكِر.
حفظ الله مصر والكويت ، وبلاد المسلمين ، والإنسانية جمعاء من كل سوء .