على الرغم من أن العالم لا يزال يعاني من جائحة «كو?يد - 19»، التي لم تفرق في عدوانيتها بين الكبار والهامشيين من دوله، فقد فوجئ الجميع بها كقوة تفوّقت على علوم البشرية وخبراتها وتجاوزت إمكاناتها في الدفاع عن نفسها، فبدت الدول العظمى صغيرة في قدرتها على مجابهته، بما له من خاصية انتشار واسعة تعمل وفق دالة أُسية يتضاعف فيها تعداد الإصابات وفق ما يسمى بمعدل النمو، والذي قدرته منظمة الصحة العالمية بـ 26 يوماً وإن اختلف بين دولة وأخرى، فهو في الدولة المنكوبة إيطاليا لا يزيد على 4 أيام.
قامت مجلة «فورن بولسي» برصد آراء مجموعة من الخبراء والعلماء، للتعرف على ما ستخلفه هذه الجائحة على العالم من متغيرات وآثار سياسية، ويمكن إيجاز أهم الآراء التي عرضتها المجلة على النحو التالي:
يرى ستي?ن إم والت، أنه - ونتيجة لإدارة الحكومات للأزمة بانفصال عن العالم ومن دون عون منه - فستسوده مع انتهاء الأزمة تيارات مضادة للعولمة تؤمن بالدولة القطرية، وسيكون العالم الجديد أقل انفتاحاً وأقل ازدهاراً بشكل مثير للقلق، وكان جي جون ايكنبيري، أكثر تفاؤلاً بأن الديموقراطية على المدى البعيد ستعود لتسود المشهد في أممية براغماتية جديدة، وخلص كيشور محبوباني، إلى أن على الولايات المتحدة أن تقبل بالتعاون مع الصين التي ستقود العالم، وإن لم يكن يتوقع حدوث هذا التعاون في ظل استمرار التفوق الصيني، بينما كان اس مينون، أكثر تفاؤلاً بأن غياب العولمة سيعوضه شعور عام طاغ بأن مصلحة البشرية في تعاونها، وهذا ما كشف عنه مؤتمر أقطاب جنوب آسيا الذي دعت إليه الهند، وبشكل عام فقد كانت غالبية الآراء تنتهي بشكل أو بآخر، إلى التكهن بهيمنة الصين على قيادة العالم منحية بالولايات المتحدة عن عرشها!
خارج إطار فورين بوليسي وخبرائها برز رأيان لهما وزنهما وإن تناقضا في ما بينهما، فجاك اتالي عالم الاجتماع يؤكد أن العالم سيلتف حول قوى الخير ويمثلها الجهاز الطبي لتصديه بلا انحياز ولا أنانية للجائحة، وسيمكنه التأييد الشعوبي من تنحية الايدلوجيات والمال والقوة عن مواقعها والحلول محلها على مقاعد القيادة، بينما يجزم الدكتور طلال أبوغزالة على أن الولايات المتحدة ستقدم على شن حرب محدودة ضد الصين، تحطم بها ما أحرزته من نجاحات وتحرمها من قيادة العالم، ويؤكد أبو غزالة أن أميركا لا يمكن أن تتنازل عن مجدها ولا عن إدارة عملتها لاقتصادات العالم، ويتفق في رأيه هذا مع ما أعلنه قبل بضع سنوات هنري كسينجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ولهذا الرأي وجاهته وواقعيته السياسية، إذ تدعمه عناصر القوة الناعمة التي تتمتع بها أميركا كصناعات هوليوود وإعلامها ذي المصداقية والقيمة العاليتين، يدعمهما اقتصاد قوي ورؤوس أموال تتحكم في معظم بلدان العالم.
فضلاً عن ارتباط أميركا بحلفاء مهمين كأوروبا غرباً واليابان وكوريا شرقاً، ودول الخليج المنتجة للنفط، مما يجعل من إزاحتها عن عرشها عملية معقدة وصعبة وطويلة الامد.
[email protected]