الجندي المجهول... عبارة عن بروتوكول تعرّف عليه العالم عام 1920م تقريباً في فرنسا تحديداً، حيث تم نقلُ رفات أحد الجنود الذين قُتلوا بساحة المعركة في الحرب العالمية الأولى، ولم يتم التعرّف على هويّته بسبب التشوهات، ثم تتابعت الدول لبناء الأنصاب في أيّ مكان تختاره كل دولة فتضع النّصب في منطقة واسعة يمكن من خلالها إقامة احتفالات واستقبال الوفود في الزيارات الرسمية لمن يأتي لتكريم هذا النصب المجهول.
فإن كانت فكرة الجندي المجهول تعود قبل ذلك إلى عام 1858م وهو عبارة عن ضريح وضعوه لجندي المشاة في الدنمارك، ثم نحت منحى العُرف السياسي العالمي حيث تتابعت الدول الإسلامية جرياً على عادتهم في التقليد، كما جاء في الحديث الشريف: (لتتبعنّ سَنن من كان قبلكم حذو القذة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه).
فأُقيم صرح الجندي المجهول في عدد من الدول العربية، ولا ندري ما سبب كلّ هذا وغاياته؟
سوى أن الإنسان إذا بدأ يشرّع لنفسه من غير هدىً من الله، فإنّه سوف يُشرّق ويُغرّب من غير طائل، سوى الجهل وتتابع الغفلات وفي المقابل نجد في عقيدتنا الإسلامية الصحيحة المطابقة للواقع، أن الشهيد عند أول دفقة دم، لا يشعر بالألم إلا كما يشعر أحدنا بوخز الإبرة، ولله الحمد، ثم يرى مكانه في الجنة، ويُعصم من فتنة القبر، وتكون روحه في حواصيل طيرٍ خضر تسرح في الجنة، ولها قناديل معلّقة بعرش الرحمن، وهذه مسألة عظيمة من مسائل العقيدة، وهي أن أرواح المؤمنين عند الله تعالى في الجنة، شهداء كانوا أم غير شهداء، إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة من الكبائر أو دين من الديون، ويلقاهم ربُّهم بالعفو عنهم كما قال تعالى: «تحيّتُهم يوم يلقونَه سلام وأعدَّ لهم أجراً كريماً».
والجندي المجهول عندنا موجود في كلّ أمة من الأمم السابقة واللاحقة، وهذا الذي يستحق التكريم ليس بإكليل الزهور والرسوم الشكلية، وإنما بدعوته وإكرامه بالمجالس، وفتح الأبواب له في المجالس العامة وهكذا.
ولكنه اليوم وللأسف لا يجد ربع ما يُكرّم به الجندي المجهول سياسيّاً!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسمَ على الله لأبرّه).
فهذا رجل من عوام المسلمين فقير وليس عنده ما يدهن به شعره، ولا ما يُرجّله، ولا يهتم بمظهره لشدّة فقره، كما أنه فوق هذا وذاك ليس له جاهٌ، وإذا جاء للمناسبات العامة لا يأذنون له بالدخول بل يدفعونه بالباب، لأنه ليس له قيمة ماديّة عند الناس وعند الملأ!
لكن له قيمة وأي قيمة عند ربّ الأرباب وملك الملوك، فلو أقسمَ على الله لأبرّه، أي لو قال والله لا يكون كذا لم يكن!
أو قال والله ليكونن كذا لكان!
فأيّ كرامة هذه ؟
والسؤال الآن:
بماذا استحقّ هذه الكرامة الإلهية ؟
والجواب في قوله تعالى: «إنّ أكرَمكم عند الله أتقاكم».
فمَن اتقى الله فهو الكريم عند الله، فيُيسّر الله أمره، ويحقّق رجاءه ويكشف ضرّه، ويبرّ قسَمه، وهذا الأشعث الأغبر، لن يُقسم بظلم لأحد من الناس، ولن يجترئ على الله في ملكه، ولن يُشاققَ الرسول صلى الله عليه وسلم في سُنته، ولكنه يُقسم على الله في ما يرضي الله ثقةً بالله، فيبرّ الله بقَسَمه لأنه يُقسم على الله في شيءٍ يرضاه الله عزوجل، لإحسانهِ الظّن بالله، أمّا مَن يُقسم على الله تأليّاً على الله واستكباراً على عباد الله، وإعجاباً بنفسه وزَهواً بها، فهذا يقصمه الله تعالى ويحبطُ عمله.
الخُلاصة:
انقلاب الموازين والقيم لدى بعض الناس بحيث أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً بل ومزخرفاً ويغترُّ به العوام.