«حرْب الأقنعة» بين الدول... تُسْقِطُ المحرّمات

1 يناير 1970 06:11 م

بقلم - ايليا ج. مغناير:
سَقَطَتْ المُحَرَّمات بين الدول الغربية وسَقَطَتْ الوحدة الأوروبية أمام COVID-19 المعروف بإسم الفيروس التاجي أو «كورونا».

فأميركا أرسلت مندوبين للحكومة إلى الصين مع مالٍ نقدي لشراء أي شحنة تحمل الأقنعة ليتمرْكز هؤلاء في مطاراتها.

ويقول رينيه موسولي رئيس نقابة البلديات الفرنسية أن الأميركيين سرقوا شحنةً من ملايين الأقنعة مدفوعة الثمن من الصين أثناء شحْنها إلى فرنسا بعدما دفعوا أربعة أضعاف لتحوّل الطائرة وجهتَها إلى أميركا.

وكذلك فعلت تشيكيا التي صادرت 700 ألف قناع واقي من الفيروس و28 ألف جهاز تنفس قادمة من الصين ومتوجهة إلى إيطاليا.

وصادرتْ فرنسا 4 ملايين قناع من شركة سويدية كانت تريد إرسال هذه الأقنعة إلى إيطاليا وإسبانيا.

وقال رئيس شعبة التكنولوجيا في «الموساد» الإسرائيلي إن «إسرائيل ستستخدم أساليب ملتوية من ضمنها السرقة للحصول على أدوات وأجهزة لمواجهة كورونا».

وكذلك أوقفت بولندا شاحنات روسية تنقل أقنعةً متجهة إلى إيطاليا ليصبح الطاقم الطبي والمرضى الأكثر عرضة في وضعٍ يُعرِّضهم للإصابة الحتمية لقلة الحماية وندرة الأجهزة الطبية الضرورية لإنقاذ المرضى المصابين في حالات متقدمة.

وفي تقرير لصحف فرنسية منذ العام 2019، فقد اقترحت لجنة طبية من إدارة الصحة العامة الفرنسية على الحكومة شراء مليار قناع طبي واقي - أي 20 مليون علبة أقنعة واقية - لحماية فرنسا من أي إنفلونزا أو فيروس حاد، وذلك على خلفية إصابة العالم بفيروس الإنفلونزا الحادة H1N1، إلا أن الحكومة لم تأخذ بتوصية اللجنة الطبية.

وما زاد الطين بلّة تصريح أوليفييه بالزير المسؤول عن الجمارك الفرنسية أنه «لم يرَ أي طلب استيرادٍ للأقنعة الواقية من الفيروس من قبل الحكومة في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية»، ما يدل على أن الحكومة الفرنسية لم تتصرف كما يجب أمام خطر انتشار «كورونا» الذي بدأ هذه السنة يصيب القارة الأوروبية.

وقد وصلت الإصابات الفرنسية إلى نحو 60 ألف إصابة، وعدد الوفيات أقل من 4500 شخص، بينما بلغ عدد الوفيات في أوروبا لوحدها نحو 40 ألف من مجمل نحو 50 ألف وفيات العالم في نهاية هذا الأسبوع.

لقد خرق الفيروس كل الحدود وكل أجناس البشر من دون تمييز، فهو يجهل التمييز الإجتماعي ويتكاثر بسرعة بانتقال من إنسان إلى آخر، إلا أن انتشاره خَرَقَ حدود الاتفاقات والتحالفات، إذ بدأت أوروبا تأكل اتفاقاتها وتلْفظها دون إحترامها فتسرق أقنعة بعضها البعض.

وهجمت أميركا في الوسط لتستخدم الدولار وتقرْصن أقنعة دول أخرى دفعتْ ثمنها مسبقاً فانعدمت القيَم الإنسانية أمام فيروس خضع له كبار الرؤساء، وحتى حاملات الطائرات المدمرة التي تستطيع احتلال بلاد بأكملها ومعها آلاف الجنود وطائراتها الـ70، بدأت تطلب النجدة بفعل الإصابات على متنها، كما حصل مع USS Theodore Roosevelt المدمرة التي تعمل على الطاقة النووية والتي شاركتْ في حروب الخليج وتريد الإخلاء.

وقال كارل بلدت، رئيس الوزراء السويدي السابق إن «هذه الأزمة هي الكبرى في عالم ما بعد أميركا، فمجلس الأمن غائب، والبيت الأبيض يقول أميركا أولاً وتُرك الجميع وحيدين لمصيرهم ولكن الفيروس بقي مُعَوْلَماً».

لقد تحولت الحدود الأوروبية إلى موانع في شكل لم يحدث أبداً من قبل، وتوقفت حرية العبور والتواصل الاقتصادي والغذائي، وأصبحت كل دولة مسؤولة عن رعاياها وليس رعايا الدول الأخرى وحتى المُجاوِرة لها.

وأظهرت الصين هشاشةَ القارة الأوروبية وضعف أميركا، الدولة العظمى، أمام أزمة الفيروس، وكذلك أظهرتْ قدرتَها هي على إدارة بلادٍ تحوي ضعف سكان أوروبا وأربعة أضعاف سكان أميركا دون تخبط.

وأقلق السخاء الصيني في إرسال الطائرات والأطباء والمعدات الطبية إلى العالم زعماءه الذين بدأوا يتساءلون عن مصير بقائهم في تحالفاتهم وعلاقة الصين مع العالم في مرحلة ما بعد انتهاء الذعر من كورونا.

أما الصين فليست وحدها التي تغزو قلوب الأوروبيين، فقد أرسلت روسيا طائراتها إلى أميركا على الرغم من العقوبات المفروضة عليها محمّلةً بأقنعة ومعدات طبية وأجهزة تنفس وقد استلمها الرئيس دونالد ترامب بسرور، وكذلك ساعدت موسكو دول أوروبا بإرسال أطبائها وخبرائها في عالم الفيروسات لتقف معهم في هذه الأزمة.

كل هذا الصراع مع الـCOVID-19 لاحتواء نتائجه السريعة التي تصيب عدداً هائلاً من الناس في وقت قصير جداً، وقد تسبب ذلك بنقص حاد في الجسم الطبي والتمريضي والتجهيزي والمواد اللازمة للوقاية وللتعامل مع عدد ضخم من الوفيات في أيام قليلة، ولكن الوقت يمضي ليقدم للدول الوقت الكافي لتتحضر خلال أسابيع قبل أن تتقبل العيش مع «كورونا» وتطلب من الناس الخروج من الحَجْر لاستعادة عجلة الحياة من جديد والتأقْلم مع العدو الخفي.

إلا أن تصرف الدول المتحالفة فيما بينهما قبل «كورونا» قد أضرت بالعلاقات بينها، وتالياً يجب إعادة بناء الثقة في القارة الأوروبية بين بلدانها وأيضاً إعادة النظر بالعلاقة مع الصين وروسيا ودرس جدوى تقبُّل أميركا كقوة عظمى في المستقبل.