قبل سنوات أقمت في بيتي المتواضع دعوة على العشاء، كان عدد المدعوين نحو عشرين مدعوة، افترضت أن تصل نسبة الحضور إلى خمسين في المئة نظراً لأن الدعوة كانت قبل يومين من موعد العشاء، ومعظم المدعوات قد تكون لديهن ارتباطات مسبقة، وضعت احتياطياً 12 مقعداً إلى طاولة العشاء مع وفرة في الأكل تصل إلى 25 في المئة، وعندما توافدت المدعوات ارتفع العدد إلى 14، زدت كرسيين، ثم حضرت ثلاث مدعوات معاً ما رفع العدد إلى 17، ما استحال معه الجلوس إلى طاولة واحدة فتم التعامل مع الوضع سريعاً بإزاحة جميع الكراسي وتحويل العشاء إلى نظام البوفيه، استطعنا التصرف والتعامل مع وضع غير متوقع مع معرفة عدد المدعوين مسبقاً، تخيلوا لو توافد علينا عوضاً عن عشرين مدعوة إلى مئتين مدعوة، هل كان بإمكاننا التعامل مع الوضع بعد أن «انقلب نشب»؟
***
مقدمة تبدو طويلة بعض الشيء، وربما يتساءل البعض عن علاقتها مع كورونا؟ لو افترضنا كورونا هو المأدبة، ونحن المدعوون، والبيت نظامنا الصحي، تخيلوا معي الآتي:
لو كان هناك مستشفى في منطقة بسعة سريرية لـ300 مريض وهي مدينة نموذجية يقطنها 3000 على فرضية أن نسبة المرضى في أسوأ حالاتها لا تتجاوز العشرة في المئة، ثم حل الوباء، فأصيب نصف السكان، في وقت واحد، 300 مريض سيحظون برعاية صحية في حين سيقتل الـ1200 بعضهم بعضاً، هذه ليست قصة خيالية، بل هذا واقع كورونا في إيطاليا والسبب، استهتار الطليان في بداية المرض حتى تفشى وانهار النظام الصحي على السكان، ندعو الله لهم الخروج من الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر في الأرواح برحمته.
***
وفي الكويت، ومع حالة الطوارئ، وتعطيل المدارس ومقار العمل الحكومية، وغلق مطار الكويت، وتسكير المطاعم والمولات، والاستعدادات الحكومية المشرفة، من غير تعاون الجميع، بالبقاء في البيوت والاستمرار في الخروج، والتجمع، لن يكون حالنا أفضل من أوروبا القديمة - التي اضطرت لإنزال الجيش الشوارع - إلا برحمة ربي.
***
بعيداً عن الرأي الطبي المختص، أو الفلسفة التي لا داعي لها، لنعتبر كورونا العشاء، ونحن الذين ذهبنا بلا دعوة، ومكان الدعوة هو الكويت، لا نحولها «نشب» واذا كنا سنصاب جميعاً فلنؤجل مصابنا، فالخوف ليس من المرض في حد ذاته، فهناك أمراض أخطر، بل الخوف من انتشاره، فعلى الأقل نمرض كدفعات يمكن علاجها، لا أن نمرض جميعاً فلا يعالجنا أحد، فاليوم إما أن ننجو جميعاً وإما نهلك جميعاً.
كيف ننجو؟
بالعزل التام كي لا تنتقل لنا عدوى أو ننقل عدوى لأحد، كي يتناسب عدد المصابين مع عدد المعالجين، وتتناسب احتمالات الإصابات مع إمكانية العلاج.
نتغدى بالكورونا قبل لا تتعشى فينا.
وصلت؟
أجل ازبنوا!